تهريب المهاجرين



لقد عرف المجتمع الدولي خلال العقود الأخيرة تحولات كبيرة بفعل التطورات العلمية لا سيما في المجالين التكنولوجي ووسائل الاتصال الحديثة، مما انعكس على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للعديد من الدول أضحت تجلياتها تظهر في شكل أنماط جديدة من العلاقات والتعامل بين الدول في مختلف أوجه حياتها، فضلا عما أصبحت تفرزه مظاهر العولمة نتيجة لذلك من مضاعفات ساهمت في تعقيد هذه العلاقات.

ولقد كان لهذا الواقع الجديد آثار متشعبة إن على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، كما أن من أهم نتائج ذلك اتساع مجالات انفتاح الدول على بعضها وتصاعد وتيرة تنقل مواطنيها خارج حدودها.

ونظرا لإفرازات التطور الاقتصادي والتكنولوجي السلبية وإلغاء العديد من الحدود بين الدول أضحت الجريمة تعرف أشكالا تنظيمية جديدة تجلت ذروتها في ما أصبح يعرف بالجريمة المنظمة غير الوطنية، حيث أمست ترتبط بمختلف أنواع الجرائم الأخرى، ذلك أن نفس العصابة المنضوية في إطارها قد تجمع بين ارتكاب جرائم الاتجار في المخدرات وهجرة سرية وإرهاب إلخ...، وذلك عبر تراب العديد من الدول متجاوزة كل الحدود الجغرافية.

والمغرب بحكم موقعه الجغرافي كأقرب نقطة من أوربا، مستهدف من طرف شبكات الهجرة السرية سواء عن طريق هجرة مواطني دول جنوب الصحراء أو تهجير مواطنين إلى دول أخرى، أضحى بلد عبور واستقبال للعديد من المهاجرين، وتبذل السلطات المغربية جهودا كبيرة في محاربة الهجرة السرية وتفكيك شبكات المهربين.

فإذا كانت الهجرة مصدر غنى ثقافي وتلاقح للحضارات وتساعد على تمازج وتلاحم الشعوب في نظام دولي تسوده المساواة وتعم فيه قيم التضامن، فإنه في غياب تنظيم لهذه الهجرة تصبح مبعثا للقلق وتقتضي التدخل لتطويق كل سلبياتها على أن يتم هذا التدخل في حدود المتعارف عليه دوليا من إجراءات وتدابير بعيدة عن كل تعسف.

وبحكم انفتاحه على مختلف الشعوب والحضارات وجد المغرب نفسه في صلب هذه الظاهرة، ومن هذا المنطلق فقد انخرط في نفس السياق حيث أبرم عدة اتفاقيات ثنائية وإقليمية ومتعددة الأطراف تتمحور حول الإطار العام للتعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي، ومن أهم السمات التي يتسم بها هذا النوع من التعاون هو تجاوز إشكالية إقليمية القانون وسيادته اعتبارا إلى أن الدولة في ظل انغلاقها في إطار هذا المبدأ سوف لن تكون قادرة على مواجهة هذا النمط من الإجرام العابر للحدود، ولن يتأتى لها أن تطال مختلف أطرافه، ولا الوسائل المستعملة في ارتكابه بحكم كونها تتوزع بين عدة أقطار.

واعتبارا لهذه المعطيات جاء القانون رقم 02.03 المتعلق بإقامة ودخول الأجانب إلى المملكة المغربية وبالهجرة غير الشرعية يحدد كيفية دخول وإقامة الأجانب فوق التراب المغربي، لوضع نظام عام يقنن شروط دخول البلد والإقامة به ويحدد تدابير قانونية تهدف إلى محاربة الهجرة السرية وفرض عقوبات زجرية صارمة على العصابات والشبكات الإجرامية التي تنشط وتحترف المتاجرة في البشر الحالمين بفردوس خارج الحدود، وقد تم سن ترسانة قانونية في مجال الهجرة ومواكبتها للمستجدات التي طغت على الساحة العالمية في العقود الأخيرة إضافة إلى ما أقدمت عليه السلطات العمومية من تجنيد كل الطاقات البشرية والمادية الممكنة لشن حرب لا هوادة فيها على هذه الشبكات، والكل في ظل سيادة القانون والوفاء بالالتزامات الثنائية والجهوية والدولية، ويمكننا أن نؤكد أن بلدنا مهيأة من الناحية التشريعية لمكافحة ظاهرة الهجرة غير المشروعة لتوفرها على ترسانة قانونية تضاهي القوانين الحديثة تتوفر على خاصيتين :

أولهما : إقرار تدابير إدارية وقضائية فعالة للحد من الظاهرة.

وثانيهما : التزامه باحترام حقوق الإنسان المهاجر وتوفير ظروف وشروط المحاكمة العادلة.

وتجسيدا لهذا التوجه المتعدد الأبعاد عمل المغرب على إبرام مجموعة من الاتفاقيات الدولية سواء المتعلقة بالتزامات وحقوق المهاجرين أو التزامات وحقوق الأجانب المقيمين، وسن قانون 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والإقامة غير المشروعة الذي جاء منسجما مع أحكام هذه الاتفاقيات، كما أحدث أجهزة متخصصة في شؤون الهجرة ومراقبة الحدود منها مديرية الهجرة ومراقبة الحدود والمرصد الوطني للهجرة إسهاما منه في إيجاد سياسات عمومية ناجعة للحد منها في تعاون تام مع جميع الفاعلين والشركاء لمعالجة دوافعها العميقة وانعكاساتها السلبية، الشيء الذي ساهم في التقليص من الظاهرة في إطار عمل مشترك يهدف إلى محاربة الهجرة السرية عبر الحدود سواء على المستوى الوطني أو الدولي.

والمهمة الأساسية للهيئة الأولى هي التطبيق العملي للإستراتيجية الوطنية في مجال مكافحة شبكات تهريب الأشخاص ومراقبة الحدود وستتولى القيام بأعمال هذه المديرية 'فرقة وطنية للبحث والتقصي" مكلفة بمحاربة الهجرة السرية، وستختص في التحقيق في الملفات المتعلقة بتهريب الأشخاص على مجموع التراب الوطني.

كما تم تشكيل سبع مندوبيات على مستوى الأقاليم والعمالات الآتي ذكرها : طنجة – تطوان – العرائش – الحسيمة – الناظور – وجدة – العيون، تكمن مهمتها في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية على الصعيد الجهوي في مجال مكافحة الهجرة السرية.

وإحداث لجان محلية في باقي العمالات والأقاليم مرتبطة بالولاة والعمال، تتولى جمع المعطيات المتعلقة بالهجرة وإبلاغها إلى المديرية العامة للهجرة.

أما الهيئة الثانية "مرصد الهجرة" فتقوم بالمهام التالية :

-         بلورة إستراتيجية وطنية في مجال الهجرة كمهمة رئيسية،
-         مركزة جميع المعلومات المرتبطة بها،
-         تحيين قاعدة للمعطيات الإحصائية على الصعيد الوطني،
-         اقتراح إجراءات ملموسة في مجال الهجرة،
-         إنجاز دراسات والقيام بمشاريع للبحث، تتناول اتجاهات تدفقات الهجرة،
-         نشر تقارير دورية حول الهجرة.

وستتكون هذه الهيئة من جميع القطاعات المعنية بهذا المجال : وزارة الداخلية – وزارة الشؤون الخارجية والتعاون – وزارة العدل – المالية – التشغيل – القوات المسلحة الملكية – البحرية الملكية – الجمارك – الإدارة العامة للأمن الوطني – الدرك الملكي – القوات المساعدة.

Post a Comment

أحدث أقدم