شبية بن نصاح
أبو ميمونة
شبية بن نصاح بن سرجس بن يعقوب المدني مولى أم سلمة رضي الله عنها.
"قرأ القرآن على عبد الله بن عياش بن أبي
ربيعة باتفاق، وقيل قرأ أيضا على أبي هريرة وابن عباس قال الذهبي: "شبية بن
نصاح بن سرجس بن يعقوب المدني المقرئ الإمام، مولى أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ وأحد
شيوخ نافع في القراءة، وقاضي المدينة ومقرئها مع أبي جعفـر، أدرك أم المؤمــنين
عائشة وأم سلمة ـ رضي الله عنهما ـ، وقرأ
القرآن على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، ووهم
من قال انه قرأ على أبي هريرة وابن عباس ـ رضي الله عنهماـ، فإنه لم يدرك
ذلك"[1].
ووافق ابن الجزري في الغاية على ما ذكره الذهبي
من تغليط من ذكر قراءته عليهما وعدم إدراكه لهما[2]
ولكنه في "النشر" قال: "وسمع شبية القراءة من عمر بن الخطاب"[3].
وفي كتاب الأندرابي ما يوهم قراءته على أبي، فقد
قال في سند نافع: "وقرأ نافع أيضا على شيبة بن نصاح مولى أم سلمة، وقرأ على
ابن عباس، وعلى أبي وقرأ على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ"[4]
فإذا لم يكن في الطبعة سقط، فهي إضافة جديدة تجعل استبعاد الذهبي إدراكه لأبي
هريرة المتوفى بين سنتي 57-59[5]
وابن عباس المتوفى سنة 68[6]
ـ أمرا غير وارد، لاسيما إذا صح سماعه من عمر بن الخطــاب المتوفى سنة 23هـ.
قال الأندرابي: "وقيل قرأ شبية على أم سلمة
ـ رضي الله عنها ـ، والأصح أنه لقيها صغيرا، فمسحت على رأسه وبركت له"
[7].
وقد اعترض الذهبي على ما رواه ابن مجاهد عن
يعقوب بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري قال:
"كان شبية وأبو جعفر يقرئان في مسجد رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل الحرة"[8]
فقال الذهبي: "بل قد نقل ذلك عن أبي جعفر وحده، وهو أسن من شيبة بكثير، وهو
والد ميمونة زوج شبية"[9].
ونقل ابن الجزري عن الحافظ أبي العلاء الهمداني[10]
ما يفيد إدراكه لغير واحد من الصحابة واحتمال إقرائه مع أبي جعفر صهره مبكرا،
فقال: "هو من قراء التابعين الذين أدركوا أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم
ـ، وأدرك أمي المؤمنين: عائشة وأم سلمة زوجي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ودعتا
الله أن يعلمه القرآن، وكان ختن أبي جعفر على ابنته ميمونة"[11].
ومهما يكن فقد كان شبية متصدرا مع أبي جعفر
للإقراء بالمدينة، ولعلهما كانا يتناوبان في حلقة واحدة، بدليل ما جاء من أخذ شبية
لقراءة أبي جعفر ورجوعه إليها بعد وفاة أبي جعفر[12].
أما مجرد زواجه بابنة أبي جعفر فلا ينهض وحده
دليلا على صغر سنه عن التصدر معه قبل الحرة أي سنة 63هـ، لاسيما إذا صحت قراءته على
من تقدم، لأن تزويج أبي جعفر لابنته منه قد يكون مبعثه الإعجاب بشخصه وخلقه
ومستواه العلمي، ولعل هذا ما تؤكده بعض أخباره، فقد ساق ابن مجاهد خبرا في ذلك
بسنده عن محمد بن اسحاق المسيبي عن أبيه قال:
"زوج أبو جعفر ابنته من شبية بن نصاح، وكان
مقلا، فقيل لأبي جعفر: زوجت ابنتك من شبية وهو مقل، وقد كان يرغب فيها سروات
الموالي؟ قال: فقال: إن كان شبية مقلا فسيملأ بيتها قرآنا"[13].
ومن طرائف هذا الزواج الذي تم بين شبية القارئ،
وبين ميمونة بنت أبي جعفر، وكانت تروي قراءة أبيها، ما حكاه ابن مجاهد بالسند
السابق إلى المسيبي عن نافع قال:
"لما تزوج
شبية بنت أبي جعفر قال الناس: يولد بينهما مصحف"[14].
وهو خبر فيه إلى جانب خفة الروح، دلالة على
مستوى القارئين في القراءة، وشهادة أهل البلد لهما بذلك، وفد شهد لشبية بهذا
الشفوف غير واحد من المترجمين له، فقال ابن قتيبة:
"كان شبية إمام أهل المدينة في القراءة في
دهره"
[15].
وقال ابن حبان:
وقال إسماعيل بن جعفر: "قرأت على شبية بن
نصاح مولى أم سلمة، وكان إمام أهل المدينة في القراءة"[18].
وقال الذهبي: "ثقة قليل الحديث، صدوق، بعيد
الصيت في القراءة[19].
"قرأ عليه نافع وإسماعيل بن جعفر وسليمان بن مسلم بن جماز[20]
، وزوجه ميمونة[21].
وسواهم من الأعلام، وحدث عنه جماعة ذكرهم الذهبي
في ترجمته.
ومن خلال ما جاء في أخباره في كتب التراجم
وغيرها يمكن أن نسجل في شأن قراءة نافع عليه، وما كان له من أثر في تكوينه العلمي،
العناصر والملاحظات التالية:
أ ـ أنه ثاني أهم أساتذته بعد أبي جعفر المدني.
ب ـ أن أسانيده تلتقي مع أسانيد أبي جعفر، ولا
تكاد تختلف عنها.
ج ـ ما جاء في خبر عن قالون صاحب نافع، من أنه
"كان أكثر اتباعا لشبية منه لأبي جعفر"[22].
د- أن شبية معدود في جملة علماء السلف الذين
عنوا بضبط عدد الآي، وإليه وإلى أبي جعفر ينسب العدد المدني الأول، وبينهما فيه
اختلاف يسير ـ كما سيأتي ـ، وقد روى نافع عنهما هذا العدد، وتعرف على ما بينهما من
وفاق وخلاف.
هـ- أنه أول من ألف في علم "الوقف"،
قال ابن الجزري ـ "وكتابه مشهور"[23].
وسيأتي أنه مهد الطريق بذلك لصاحبه نافع الذي
ألف في ذلك أيضا كتابا رواه عنه أصحابه.
وقد اختلف في سنة وفاة شبية، فقال خليفة بن
خياط: سنة 130هـ[24]
وعليه اقتصر الذهبي[25]
وزاد ابن الجزري فقال: "وقيل سنة 138هـ في أيام المنصور"[26].
قلت: وهذا القول الأخير أقرب لما تقدم من القول
برجوع شبية إلى قراءة أبي جعفر بعد وفاته، وقد رأينا الخلاف حول وفاة أبي جعفر
ينحصر بين 128-133هـ، ويزيد في تأكيد تأخر وفاة شبية إلى سنة 138 إن لم يكن أكثر،
ما جاء في ترجمة إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري من أخذه القراءة عرضا على
شبية بن نصاح[27].
قال أبو عبيد في كتاب القراءات عند ذكر مصادره
في الكتاب:
"وما كان منها من قراءة شبية ونافع، فإنه
أخذ عنهما أنفسهما، وقرأ القرآن عليهما"[28].
وقال ابن الجزري في ترجمة إسماعيل المذكور:
"ولد سنة ثلاثين ومائة، وقرأ على شبية بن نصاح"[29].
[1]- معرفة القراء الكبار 1/61 طبقة 3 ترجمة 14.
[2]- غاية النهاية 1/320-330 ترجمة 1430.
[3]- النشر في القراءات العشر 112.
[4]- قراءات القراء المعروفين برواية الرواة
المشهورين 60.
[5]- غاية النهاية 1/370 ترجمة 1574.
[6]- غاية النهاية 1/426 ترجمة 1701.
[7]- قراءات القراء المعروفين 60-61. والأرجح سقوط
لفظ "وقرأ" بين ابن عباس وقوله "وعلى أبي" فيكون ابن عباس هو
الذي قرأ على أبي.
[8]- كتاب السبعة في القراءات 58-59.
[9]- معرفة القراء الكبار 1/85.
[10]- هو الحسن بن أحمد بن الحسن الهمداني أبو العلاء
العطار صاحب كتاب غاية الاختصار في القراءات العشر، وكان شيخ همدان وإمام
العراقيين، قال ابن الجزري: "وعندي أنه في المشارقة كأبي عمرو الداني في
المغاربة، بل هذا أوسع رواية منه بكثير، توفي سنة 569. ترجمته في غاية النهاية
1/204-206 ترجمة 945.
[11]- غاية النهاية 1/330-331 ترجمة 1439.
[12]- معرفة القراء الكبار 1/65.
[13]- كتاب السبعة 59.
[14]- المصدر نفسه ونفس الصفحة.
[15]- المعا رف لابن قتيبة 60.
[16]- كذا بالصاد من القصص، وكان يراد به الوعظ
والإرشاد، وفي بعض المصادر يأتي "قاضي" من القضاء، وكان شبية قد وليه
بالمدينة.
[17]- مشاهير علماء الأمصار 130 ترجمة .1021
[18]- معرفة القراء الكبار 1/65.
[19]- نفس المصدر والصفحة.
[20]- سيأتي ذكر كل من إسماعيل وابن جماز في الرواة
عن نافع.
[21]- روت القراءة عن ابيها أبي جعفر، ورى القراءة
عنها ابنها احمد وثابت "غاية النهاية 2/325 ترجمة 3709 – وذكر ابن الجزري
روايتها عن شبية في ترجمته 1/330 ترجمة 1439.
[23]- غاية النهاية 1/330 ترجمة 1439.
[24]- نقله الذهبي في معرفة القراء 1/65.
[25]- نفس المصدر والصفحة.
[26]- غاية النهاية 1/330.
[27]- غاية النهاية 1/163 ترجمة 758.
[28]- نقله الأندرابي في كتاب
قراءات القراء المعروفين بروايات الرواة المشهورين 44.
[29]- غاية النهاية 1/163 ترجمة 758.
Post a Comment