عبد الرحمن بن هرمز الأعرج
أبو داود عبد الرحمن بن داود بن هرمز بن أبي سعد الأعرج المدني المقرئ النحوي مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي.
وقيل في نسبه عبد الرحمن بن هرمز بن كيسان الأعرج، وهو تابعي جليل من خيار علماء المدينة وكبارهم أخذ القراءة عرضا عن أبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عياش، وأكثر من رواية السنن عن أبي هريرة حتى عرف بصاحب أبي هريرة[1]، وروى عن عبد الله بن بحينة[2]، وأبي سعيد الخدري وعبد الرحمن ابن عبد القارئ[3] وجماعة، وكان ثقة كثير الحديث"[4].
وكان إلى جانب إمامته في الرواية راسخ القدم في علوم اللغة والنحو، حتى قال الزبيدي: "هو أول من وضع العربية، وكان من أعلم الناس بالنحو وأنساب قريش"[5]، وقد نفى أبو البركات الأنباري أن يكون له السبق المطلق إلى وضع العربية، إلا أنه أثبت له إسهاما في الميدان يعتبر به في طليعة علمائه الأولين، إذ "كان أحد القراء، عالما بالعربية، وأعلم الناس بأنساب العرب"[6].    
وذكر أنه أخذ العربية والنحو عن أبي الأسود الدؤلي ونصر بن عاصم[7] ، ولعل أحسن توجيه لما نسبه له الزبيدي من الأولية هو ما ذكره الذهبي حكاية عن غيره، أن ابن هرمز هو أول من وضع العربية بالمدينة، أخذا عن أبي الأسود"[8].
وقد أجمل أبو الحسن الفقطي جملة ذلك في ترجمته له بقوله: "قال أهل العلم: انه أول من وضع علم العربية، والسبب في هذا القول أنه أخذ عن أبي الأسود الدؤلي، وأظهر هذا العلم بالمدينة، وهو أول من أظهره وتكلم فيه بالمدينة، وكان من أعلم الناس بالنحو وبأنساب قريش، وما أخذ أهل المدينة النحو إلا منه، ولا نقلوه إلا عنه.. ويروى أن مالك بن أنس إمام دار الهجرة ـ رضي الله عنه ـ اختلف إلى عبد الرحمن بن هرمز عدة سنين في علم لم يبثه في الناس فمنهم من قال: تردد إليه لطلب النحو واللغة قبل إظهارهما، وقيل: كان ذلك من علم أصول الدين وما يرد به مقالة أهل الزيغ والضلالة، والله أعلم"[9].
وأيا كان العلم الذي تردد إليه فيه مالك وغيره، فإن هذا التردد يفيدنا في تقدير مكانته بين مشيخة أهل المدينة في زمنه وما كان له من خصوصية في هذا الشأن، استبد معها بالميدان، وجلس إليه فيه الكبار، ولا نستبعد أن يكون نافع فيمن انتفع به وجلس في حلقته لذلك، كما جلس مالك.
أما المشهورون بأخذ القراءة عنه، فلم تتوسع المصادر في ذكرهم، قال الذهبي: "قرأ عليه القرآن نافع بن أبي نعيم وغيره"[10].
وقال ابن الجزري: "روى القراءة عنه عرضا نافع بن أبي نعيم، وروى عنه الحروف أسيد بن أبي أسيد[11]"[12]، وحدث عنه نافع وأبو الزناد وابن شهاب الزهري وصالح بن كيسان ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبد الله بن لهيعة وطائفة سواهم"[13].
وكل أولئك يمكن أن يكون سمع منه القراءة أيضا، إلا أن اشتهارهم كان برواية الحديث، وقد روى ابن مجاهد في السبعة من طريق ابن لهيعة عن الأعرج قال: "سمعت ابن عباس يقرأ "تثنون صدورهم"[14] مما يدل على جمعهم بين رواية الحديث عنه ورواية حروف القراءة.
ويهمنا كثيرا مما جاء في المصادر عنه بالنسبة لتأثيره في نافع العناصر التالية:
أ‌-       منزلته العالية في المعرفة بالعربية والأنساب.
ب‌-   إسناده للقراءة عن رجال أبي جعفر وشبية المتقدمين، وقد أسند نافع قراءته لبعض أصحابه من هذه الطريق خاصة، كما قال ابن مجاهد في السبعة: "حدثني أحمد بن محمد بن صدقة[15] قال: حدثنا إبراهيم محمد بن إسحاق المدني[16] قال: قال لي هارون بن المسيب: قراءة من تقرأ؟ قال: قلت: قراءة نافع  بن أبي نعيم، قال: فعلى من قرأ نافع؟ قال: قلت:
"أخبرنا نافع أنه قرأ على الأعـرج، وأن الأعرج قال: قرأت على أبي هـريـرة  ـ رضي الله عنه ـ وقال أبو هريرة: قرأت على أبي بن كعب، وقال أبي: عرض علي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن، وقال: أمرني جبريل أن أعرض عليك القرآن"[17].
ج- ما جاء من أن الأعرج كان يكتب المصاحف[18]، ومعناه أنه من أول من وطدوا كيفية ضبط المصحف بالمدينة، وربما كان أول من استعمل بها طريقة أبي الأسود الدؤلي التي تعتمد الشكل المدور الذي يكتفى فيه بوضع نقطة فوق الحرف أو تحته أو أمامه للإشارة إلى نوع حركته بالفتح أو الكسر أو الضم على التوالي[19]، ولعل ابن هرمز هو الذي تمت على يده النقلة من الأسلوب الذي ظهر بالمدينة قبل ذلك إذ كان لهم نمط خاص في استعمال الأصباغ في ضبط المصحف، فتركوه إلى نقط أهل البصرة، وربما كان ذلك على يد تلامذة أبي الأسود ونصر بن عاصم، على ما حكاه أبو عمرو الداني عن أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني من قوله:
"والنقط لأهل البصرة أخذه الناس كلهم عنهم، حتى أهل المدينة، وكانوا ينقطون على غير هذا النقط، ونقطوا نقط أهل البصرة"[20].
وسوف نرى بعون الله كيف استفاد نافع من خطوات من تقدموه في هذا المجال، وكيف ضبط عنه بعض تلامذته مصاحفهم على وفاق ما كان يأخذ به في اختياره، مما توارتر به النقل إليه عن مشايخه المعتبرين.



[1]-  المعارف لابن قتيبة 205.
[2]-  هو عبد الله بن مالك بن بحينةالأسدي، صحابي له عن النبي صلى الله عليه وسلم – أحاديث يسيرة لإقباله على العبادة، مات بالمدينة.-مشاهير علماء الأمصار 15 ترجمة 47.
[3]-  تابعي من بني قارة كان عاملا لعمر بن الخطاب على بيت المال ، مات سنة 88 – مشاهير علماء الأمصار 71 ترجمة 491.
[4]-  الطبقات الكبرى لابن سعد 5/283-284.
[5]-  طبقات النحويين واللغويين للزبيدي 20-.
[6]-  نزهة الألباء في طبقات الأدباء 15.
[7]-  هو المعروف بنصر الحروف.
[8]-  معرفة القراء الكبار 1/63-64.
[9]-  انباه الرواة على أنباه النحاة للفقطي 2/172 ترجمة 386.
[10]-  معرفة القراء الكبار 1/63.
[11]-  لم يترجم له ابن الجزري في القراء، ذكره الاندرابي في قراء المدينة – قراءة القراء المعروفين 63.
[12]-  غاية النهاية 1/381 ترجمة 1622.
[13]-  معرفة القراء الكبار 1/63.
[14]-  السبعة في القراءات 56. وقراءة ابن عباس المذكورة في كتاب المحتسب لابن جني 1/318. وهي بسكون الواو وكسر النون الثانية.
[15]-  هو أبو بكر محمد بن صدقة البغدادي من شيوخ ابن مجاهد. ترجمته في غاية النهاية 1/119 ترجمة 552.
[16]-  السند في السبعة هكذا ""إبراهيم بن محمد بن إسحاق المدني بقورس قال حدثنا عبيد بن ميمون التبان قال: قال لي هارون بن المسيب .. إلخ.
[17]-  كتاب السبعة 54-55.
[18]-  معرة القراء الكبار 1/63.
[19]-  ينظر هذا في كتاب المحكم في نقط مصاحف الأمصار للداني 6-7.
[20]-  المحكم 7.

Post a Comment

Previous Post Next Post