حدود التعامل مع غير المسلمين
الأصل في التعامل معهم هو التفريق بين العدو المقاتل، وغير المقاتل، قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
ففي هذه الآية دلالة واضحة على وجوب التعامل بالقسط والبر مع الكفار الذين لم يظاهروا علينا بالعداوة والقتال.
و ليس المراد بالقسط هنا العدل، بل يراد به ما هو أوسع من العدل؛ لأن العدل مأمور به مع كل أحد، مقاتلاً أو غير مقاتل.
قال القرطبي في تفسيره: "{وتقسطوا إليهم} أي تعطوهم قسطًا من أموالكم على وجه الصلة، وليس يريد به من العدل؛ فإن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل".
وأما البر فهو حسن الخلق، ولين الكلام، والإحسان في التعامل، وكف الأذى.
وهذا شامل في كل أنواع الكفار، لقول الطبري في تفسيره بعد أن حكى خلاف أهل العلم في معنى هذه الآية:
" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بذلك لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم؛ لأن الله عز وجل عم بقوله: {الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم} جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضًا دون بعض، وقدبينصحةماقلناقصةأسماءوأمها وقوله: {إن الله يحب المقسطين} يقول: إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم فيبرون من بَرَّهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم".
وحديث أسماء الذي ذكر، هو ما رواه البخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: ((نعم صلي أمك)).
وقد ذكر جمع من أهل العلم أن قصة أسماء سبب لنزول الآية.
وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}، ومعلوم أن الأسير في يد المسلمين إنما يكون من الكفار والمشركين.
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان فيها مشركون ويهود، فكتب بينه وبينهم عهدًا، وكان هو وأصحابهم يعاشرونهم، ويخالطونهم في الأسواق، وفي البيوت، وكان يقبل هديتهم، ويعود مريضهم، ويرد السلام عليهم، ويصفح عمن أساء منهم.
ولكن هذه المعاشرة والمخالطة والبر والإحسان لا تستلزم المودة والمحبة المنهي عنها في قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
والنهي هنا شامل للمحارب وغير المحارب.
قال ابن حجر في فتح الباري:
"البر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه في قوله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية، فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل".
والمراد بالمودة هنا أن يكون بين الكافر والمسلم ملاطفة قلبية، تستلزم حب ما هو فيه من الكفر، أو الميل إليه
 وقال الرازي في تفسيره:
"المعنى أنه لا يجتمع الإيمان مع وداد أعداء الله، وذلك لأن من أحب أحداً امتنع أن يحب مع ذلك عدوه. وهذا على وجهين:
أحدهما: أنهما لا يجتمعان في القلب، فإذا حصل في القلب وداد أعداء الله لم يحصل فيه الإيمان، فيكون صاحبه منافقاً.
والثاني: أنهما يجتمعان، ولكنه معصية وكبيرة، وعلى هذا الوجه لا يكون صاحب هذا الوداد كافراً بسبب هذا الوداد، بل كان عاصياً لله.
فإن قيل: أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالطتهم ومعاشرتهم، فما هذه المودة المحرمة المحظورة؟
قلنا: المودة المحظورة هي إرادة منافسِه ديناً ودنيا مع كونه كافراً، فأما ما سوى ذلك فلا حظر فيه".
هذا ما يتعلق ببيان حكم التعامل مع الكافر على الجملة.
أماالتفصيل،فهوعلىمايلي:
1/ مخاطبتهم بكلمة sir
و تعني سيد وقد استدلواالعلماء بحديث قولهصلىاللهعليهوسلم: ((لاتقولواللمنافقسيدنافإنهإنيكنسيدكمفقداسخطتماللهعزوجل)) رواهأحمدوأبودواد،وجودإسنادهابنمفلحفيالآدابالشرعيةوصححه.
2/ التحية
اختلفوا العلماء في حكم ابتداء الكفار بلفظ السلام عليكم لا مجرد التحية، فلو أنه ابتدأهم بقوله: صباح الخير أو مساء الخير لم يك عليه حرج، لكن ابتداؤهم بقول: السلام عليكم هو موضوع الخلاف، فأكثر العلماء اتفق على منع الابتداء، واستدلوا بحديث: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام. رواه مسلم. وذهب جمع من السلف إلى جواز ذلك، وقد فعله ابن مسعود وأبو أمامة وأبو الدرداء وعمر بن عبد العزيز، وهذه الأقوال مروية عنهم في المصنف لابن أبي شيبة وغيره، وقد سئل الأوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلم عليه؟ فقال: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك. على أننا نقول: إن كانت هناك مصلحة كترغيبه في الإسلام أو دفع ضره، فلا نرى بأساً من إلقاء السلام عليه، وفي ألفاظ التحية الأخرى مندوحة للمسلم عن هذا الحرج.
3/ الجلوسمعهموتناولالطعاممعهمعلىمائدةواحدة وتبادلالزيارات.
دلتالسنةعلىجوازمواكلةالكافروزيارته،إلاأنهوردعنالنبيصلىاللهعليهوسلممايدلعلىالابتعادعنمواكلةالمشرك،وألايأكلطعامكإلاتقي.
والجمعبينهذهالأحاديثهوأنيفرقبينموضعالحاجة،وعدمها.
فحينيكونهناكحاجةلذلك،مثلأنيكونمعكفيالعمل،ولابدمنالتعاملمعه،وأنتأكلأنتوإياهعلىمائدةواحدة،أوأنتكونحريصًاعلىهدايتهودعوته،وبيانمحاسندينالإسلام،فتحتاجإلىمواكلته،وزيارتهأولكمعهمصالحدنيوية،تحتاجلهفيها،ولايكونلكبدمنغيره،فيجوزذلكأماماعداذلكمنالتوسعفيالجلوسمعهم،والأنسبهم،والتقربإليهم،مععدممناصحتهم،فإنهذامنالمخالطةالمحرمة،أوالمكروهة،ولهاضررعظيمعلىقلبالمؤمنودينه،وقدقالالنبيصلىاللهعليهوسلم: ((إنالمرءعلىدينخليله))،وقالفيالجليسالسوءإنهكنافخالكير،وهلفيالدنياسوءأعظممنالكفر؟!
4/ تبادل الهدايا
ثبتفيالأحاديثالصحيحةمنأنالنبيصلىاللهعليهقبلهديةالكفارمنالملوكوغيرهم،وأمربقبولالهدية.
وذهببعضهمإلىأنالردهناكانلسبب،وهوأنهقصدبذلكإغاضتهليحملهذلكعلىالإسلامحتىيقبلهديته،أوأنهخشيأنيكونفيقلبهميلإليهبعدأنيقبلهديتهوهذاالقولهوالصحيح،وعليهفإنالهديةإذاكانتلسببمحرم،مثلأنتكونبسببعيدمنأعيادهم،أوبسببكفره،أولكييميلإليهالمسلمفيحققلهبعضأهدافهلميجزلهقبولالهديةفعن البيهقيبإسنادصحيحعنعبداللهبنعمروقوله: "منبنىببلادالأعاجموصنعنيروزهمومهرجانهم،وتشبهبهمحتىيموتوهوعلىذلكحشرمعهم."ومعهذانقول: إذاخافالمسلمالضررالذيلايمكنتحملهعادةمنوراءعدمتهنئتهمأومشاركتهم،رخصلهفيمجاملتهمبقدرالضرورة،معالإنكارالقلبيلماهمعليه،وأماإذاكانتمنبابالبروالصلةوالإحسان،وحقالصحبةوالقرابةفيجوزالقبول.
5/ الموالاة
اوضح ائمة الدعوة معنى المولاة ليست في المودة فقط  بل مظاهرةالكفارعلىالمسلمينومعاونتهمبالسلاحوالبدنوالمالوالرأي و حكمها كفر اكبر
وقالابنجريرالطبريرحمهالله : (القولفيتأويلقولهتعالى "ومنيتولهممنكمفإنهمنهم" يعنيتعالىذكرهبقوله "ومنيتولهممنكمفإنهمنهم" ومنيتولاليهودوالنصارىدونالمؤمنينفإنهمنهم،يقول: فإنمنتولاهمونصرهمعلىالمؤمنينفهومنأهلدينهموملتهم؛فإنهلايتولىمتولأحداإلاوهوبهوبدينهوماهوعليهراض،وإذارضيهورضيدينهفقدعادىماخالفهوسخطهوصارحكمهحكمه).

Post a Comment

Previous Post Next Post