حكم مشروعية التيمم
       قد ثبت مشروعيته في الكتاب و السنة و الإجماع . أن التيمم شرع للناس عند عدم الماء أو العجز عن إستعماله (1). وهذا يدل على أن التيمم فريضة بل الغسل بالماء .
       أخبر البخاري (جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)(2)ومنها ( التراب طهور للمسلم و لو إلى عشر حجج مالم يجد الماء أو يحدث ) وأجتمعت الأمة على جواز التيمم في الجملة (3).
      شرع في غزوة بني المصطلق ( غزوة المريسيع ) في السنة السادسة من الهجرة حينا أضاعت عائشة عقدها ، فبعث ( i ) في طلبه ، و حانت الصلاة ، وليس معهم ماء فنزلت آية التيمم ، كما نزلت آيات براءة عائشة من الإفك في سورة النور، فقال أسيد بن حفير: { يرحمك الله يا عائشة ، مانزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه فرجا } وهو رخصة وقال الحنابلة أنه عزيمة (1).
       و التيمم من الخصائص الذي خص الله بها هذه الأمة ، فعن جابر Z أن رسول الله i قال : ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا و طهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم و لم تحل لأحد قبلي و أعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث في قومه خاصة و بعثت الى الناس عامة ) رواه الشيخان(2) .
       وحكمة مشروعيته هي أن الله سبحانه و تعالى قد رفع عن المسلمين الحرج و المشقة فيما كلفهم به من العبادات و قد يقال : أن رفع الحرج يقتضي عدم التكليف بالتيمم عند فقد الماء أو العجز عن إستعماله فتكليفهم بالتيمم فيه حرج أيضا و هذا قول فاسد لأن معنى رفع الحرج هو أن يكلفهم الله سبحانه بما في طاقتهم فمن عجز عن الوضوء أو الغسل وقدر على التيمم فإنه يجب عليه أن يمتثل لأمر الله تعالى ولا يناجيه بالكيفية التي بينها لها لأن الغرض من العبادات جميعها إنما هي إمتثال لأمر الله تعالى و إشعار القلوب بعظمته و أنه هو وحده الذي يقصد بالعبادة ثم أن بعض الأمور التي أمرنا أن نعبده بما لنا من مصلحة ظاهرة كالغسل و الوضوء و الحركة في الصلاة و البعد عن الملاذ في الصيام و نحو ذلك من الأمور التي تنفع الأبدان وبعذها لنا فيه مصلحة باطنة و هو طهارة القلوب بإمتثال أمره و هذه تفضي الى المنافع الظاهرة لأن من خشي ربه وامتثل لأمره حسنت علاقته مع الناس فسلموا من شره وانتفعوا من خيره ، وذلك ما يطالب به المرء في حياته الدنيا ، فإمتثال الأوامر الإلهية خير ومصلحة للمجتمع الإنساني في جميع الأحوال مما لا ريب فيه أن التيمم أتى يفعل إمتثالا له عز وجل فهو من وسائل طاعته الموجبة للسعادة و قد يظن البعض من لا يفقه أغراض الشريعة الإسلامية التي تترتب عليها سعادة المجتمع و تهذيب أخلاق الناس أن التراب قد يكون ملوثا بالميكروبات الضارة فمسح الوجه به ضرر لا نفع فيه والذي يقول هذا لم يفهم معنى التيمم ولم يدرك الغرض منه ، لأن الشارع قد أشترط أن يكون التراب طاهرا نظيفا و ولم يشترط أن يأخذ بالتراب ويضعه على وجهه بل المفروض أن يأتي بكيفية خاصة تبيح له العبادة الموقوفة على الوضوء و الغسل الذي يقول : أن وضع اليد على الرمل النظيف أو الحجر الأملس النظيف أو الحصى و نحو ذلك ينقل الميكروبات الضارة جدير به أن لا يضع يده على الخبز أو الفواكه أو الخضر (1).
وجدير بالذكر أن يحجر على الناس العمل المعادن و دبغ الجلود و صبغ الأحذية و الخشب ، بل جدير به أن لا يضع يده على شيء من الأشياء لما عساه أن يكون قد علق بها شيء من الميكحروبات أن هذا قول من يريد أن ينسلخ عن التكاليف ليكون طليقا في باب الشهوات التي تطمع إليها النفوس الفاسدة فتفضي بها الى الهلاك و الدمار و إلا فإننا قد شاهدنا العمال الذين يباشرون تسميد الأرض – بالسباخ – و يباشرون تنقية المزروعات من الآفات أقوى من هؤلاء المستهترين بالدين صحة و أهنأ منهم عيشا ، فما بال الميكروبات لم تفتك بهم ؟ على أن الدين الإسلامي حث الناس على الطهارة و النظافة و يأمرهم بإجتناب الأقذار و البعد عن وسائل الأمراض ، و لذا أشترط أن يكون التراب الذي يضع عليه المتيمم يده طاهرا نظيف كالثوب النظيف و المنديل النظيف فإن كان ملوثا فإنه لا يصح التيمم منه (2).


(1) عبدالرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة ،ج1 ، بيروت- لبنان ، 1989م ، ص 141 .
(2) رقم الحديث 335 ، أخبرنا عن جابر بن عبدالله Z أن النبي i قال : (جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ) رواه البخاري ، الجامع المسند الصحيح ، محمد بن إبراهيم بن المغيرة البخاري ، دار فوق النجاة ، ط2 ، 1428هـ ، الرياض – السعودية ، ص 74 .
(3) د.وهبة الزميلي ، فقه الإسلام و أدلته ، دار الفكر ، دمشق – سوريا ، ط4 ، ج1 ، 1418هـ -1997م ، ص 561-562 .
(1) د.وهبة الأصيلي ، المصدر السابق ، ص 561-562 .
(2) سيد سابق ، فقه السنة دار الكتاب العرابي ، بيروت – لبنان ، ط8 ، ج1 ، 1407هـ -1987م ، ص 70 .
(1) عبدالرحمن الجزيري ، المصدر السابق ، ص 145 .
(2) المصدر نفسه .

Post a Comment

أحدث أقدم