مسلم بن جندب الهذلي
 أبو عبد الله مسلم بن جندب الهذلي مولاهم المدني القاص، "قاص الجماعة بالمدينة[1]، قال ابن شبة: "كان قاص الجماعة، يقص فيحلق حلقة حول القاسم ولا يدخل معهم في قصصهم"[2].
وذكر عن مالك بن أنس قال: "عمر بن عبد العزيز رزق قاص الجماعة بالمدينة"[3].
وعن عبد الرحمن بن حرملة[4] قال: "كان مسلم بن جندب قاصا لأهل المدينة، فقرأ سجدة بعد صلاة الصبح، فقال سعيد بن المسيب: لو كان لي على هذا الأعرابي سلطان لم أزل أصرفه حتى يخرج من المسجد"[5].
وقال أبو عثمان الجاحظ: "ومن كبار القصاص، ثم من هذيل، مسلم بن جندب، وكان قاص مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان إمامهم وقارئهم، وفيه يقول عمر بن عبد العزيز: من سره أن يسمع القرآن غضا، فليسمع قراءة مسلم بن جندب"[6].
أما مشيخته في القراءة فقال الذهبي: "قرأ القرآن على عبد الله بن عياش المخزومي مقرئ المدينة[7].
وقال في سير أعلام النبلاء: "وقيل ان مسلم بن جندب قرأ على حكيم بن حزام[8] وابن عمر"[9].
"وحدث عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وابن عمر وابن الزبير ـ قال ابن الجــزري ـ: ـ ولا تصح روايته عن ابن الزبير كما ذكره الداني، وقال الذهبي: ولا أحسب روايته عن حكيم وأبي هريرة إلا منقطعة [10].
وقد كان ممن اشتهر من أهل المدينة أيضا بالعربية، ترجم له الفقطي في الإنباه، فقال: تابعي مدني من الفصحاء القراء، ويعد من النحويين.. وهو أحد من أخذ نافع بن أبي نعيم القراءة عنه"[11].
قال الذهبي: "قرأ عليه نافع الإمام، وتأدب عليه عمر بن عبد العزيز، وحدث عنه ابنه عبد الله بن مسلم، وزيد بن أسلم ومحمد بن عمرو بن حلحلة[12] ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن أبي ذئب[13] وآخرون، وكان من فصحاء أهل زمانه، وكان يقص بالمدينة"[14].
ومن خلال ما تقدم إضافة إلى  بعض الإشارات الأخرى في ترجمته في المصادر، نقف على العناصر التالية مما له علاقة بمجال تأثر نافع به فيه، واقتباسه عنه أو استفادته منه في الجملة:
أ‌-       عرض نافع عليه، فهو معدود في شيوخه الخمسة الكبار كما أسلفنا.
ب‌-   جمعه في حلقته بين القراءة والتفسير، ولعله المعبر عنه بالقصص، وكان معينا لذلك من جهة السلطان، ولذا سموه بقاص الجماعة، وقد استفاد نافع منه في هذا المجال، وخصوصا فيما يتعلق بتوجيه بعض القراءات، وكان يسأله عن ما يشكل عليه من ذلك، ومن أمثلة ما رواه ابن وهب قال:
"حدثني نافع قال: سألت مسلم بن جندب عن قوله تعالى "كأنهم إلى نصــب يوفضون"[15]. قال: إلى غاية، فسألته عن "ردءا يصدقني"[16]، فقال: الردء: الزيادة"[17].
ج- أخذه في الاقراء بحصة ثابتة، فكان يقتصر على ثلاثين آية، وهو القدر الذي سيأخذ به نافع في تصدره للإقراء، وذلك ما اسنده أبو بكر بن مجاهد عن جعفر بن الزبير قال: "سمعت مســلم بن جنـدب يقرأ "ولا تيمموا الخبيث"[18] أي: توجهوا ـ قال ـ: وكان يعلمنا غدوة ثلاثين آية، وعشية ثلاثين آية"[19].
د- تأثيره العام في جمهور قراء المدينة، بحكم ما ذكر له من فصاحة عالية، وذلك ما يفيده ما أسنده ابن مجاهد عن عيسى بن مينا قالون صاحب نافع قال: "كان أهل المدينة لا يهمزون [20] حتى همز ابن جندب، فهمزوا "مستهزئون" و"يستهزئ"[21].
وقد أشار أبو عمرو الداني في الأرجوزة المنبهة إلى اقتداء أهل المدينة به في الهمز فقال:
والقرشـــيون وأهـــل يــثربــا    لا يهمزون، ما خلا ابن جندبـــا
فانه هــــمز فاقتـــــــدى بــه   قراؤهم، والجل من أصحــــابـــه
ذكـــر ذاك عنــــهم قـــــالون    عيسى بن مينا الثــقة المأمــــون[22]
فاقتداء أهل المدينة به في مثل هذا، وهو هذلي، وتخليهم عن لغة قريش فيه، دليل على مقدار تأثيره في مجال الإقراء بوجه عام.
أما وفاة ابن جندب فذكر ابن حبان أنه "مات سنة 106هـ"[23]، وقال الذهبي:
"مات في خلافة هشام بن عبد الملك بعد سنة 110هـ تقريبا"[24]. ولعل الأصح ما نقله ابن الجزري عن الأهوازي قال: "وأقام ابن جندب بالمدينة إلى أن مات بها سنة 130هـ، في أيام مروان بن محمد"[25].


[1] تصحف اللفظ إلى "قاضي" "في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني 5/25.
[2]-  تاريخ المدينة المنورة لعمر بن شبة 1/14 – ويعني بالقاسم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
[3]-  المصدر نفسه 1/16 – ومعنى رزقه جعل له رزقا معلوما في بيت مال المسلمين.
[4]-  عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي تابعي من خيار أهل المدينة وعلمائهم توفي سنة 145. ترجم له ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار 137 ترجمة 1081.
[5]-  تاريخ المدينة المنورة 1/14.
[6]-  البيان والتبيين للجاحظ 1/367-368.
[7]-  معرفة القراء الكبار 1/65-66 طبقة 3 ترجمة 15.
[8]-  هو حكيم بن حزام بن خويلد القرشي، عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام مثل ذلك، ومات سنة 54 بالمدينة – مشاهير علما الأمصار 12 ترجمة 30.
[9]-  سير أعلام النبلاء 7/336 ترجمة 121.
[10]-  غاية النهاية 2/297 ترجمة 3600.
[11]-  انباه الرواة على أنباه المنحاة 3/261 ترجمة 745.
[12]-  من تابعي التابعين بالمدينة، ترجم له ابن حبان في مشاهير العلماء 133 ترجمة 1048.
[13]-  هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، من عباد أهل المدينة وفقهائهم وقرائهم (50-159) ترجم له ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار 140 ترجمة 1107.
[14]-  معرفة القراء الكبار 1/65-66.
[15]-  سورة المعارج جزء من الآية ما قبل الأخيرة منها.
[16]-  سورة القصص جزء من الآية رقم 34.
[17]-  نقله الذهبي في معرفة القراء 1/66 وابن الجزري في غاية النهاية 2/297.
[18]-  سورة البقرة أول الآية رقم 267.
[19]-  كتاب السبعة في القراءات 50.
[20]-  يعني يتجنبون المبالغة في تحقيق الهمز، لا تركه بالمرة  في جميع المواضع، وإنما يميلون إلى تليين النطق به وإبداله غالبا، وذكر مكي في كتاب الرعاية عن حماد بن زيد أنه قال: رأيت رجلا يستعدي على رجل بالمدينة، فقلت: ما تريد منه؟ فقال: إنه يتهدد القرآن، قال: فإذا المطلوب رجل كان إذا قرأ يهمز، يعني انه كان يهمز متعسفا" – الرعاية 146.
[21]-  السبعة في القراءات 60- والإشارة بالكلمتين إلى الآيتين 14-15 من سورة البقرة.
[22]-  الأرجوزة المنبهة لأبي عمرو الداني تحقيق الدكتور الحسن وكاك – مرقونة بالآلة.
[23]-  مشاهير علماء الأمصار 75 ترجمة 538.
[24] - معرفة القراء الكبار 1/67.
[25] - غاية النهاية 2/297 ترجمة 3600.

Post a Comment

أحدث أقدم