كمثيلتها التي تمت في
القاهرة سنة 1994، جعلت أرضية
العمل ل "بيجين" (1995) من عملية مأسسة النوع استراتيجية
أساسية من أجل خدمة هدف المساواة بين الرجال والنساء :
"….ينبغي على الحكومات
والفاعلون الآخرون أن يشجعوا اتخاذ الإجراءات القوية والملموسة الرامية إلى اعتبار
إشكالية "الرجال
– النساء" في جميع السياسات وفي جميع
البرامج من أجل تحليل عواقبها المرتبطة بخصوصية النوع الاجتماعي وقبل أي
قرار" (فقرة 202).
إن التبني العلني
للمساواة بين الرجال والنساء كهدف للتنمية يفترض إدخال تعديلات سواء على مستوى
التوجهات السياسية الكبرى أو على مستوى الممارسة الحكومية في تنفيذ البرامج
والمشاريع.
كما يتطلب أيضا ضرورة
الإحاطة بالأسباب البنيوية للفوارق بين النساء والرجال وتهيئ الاستراتيجيات من أجل
التأثير على المنطق المنتج للامساواة وتصحيح الاختلالات الموجودة والتأكد من أن
النساء قد أخذن بعين الاعتبار بطريقة صحيحة في السياسات والبرامج.
ومن أجل النهوض
بالمساواة، من الضروري التوفر على معلومات صحيحة وذات مصداقية حول الوضعية المعاشة
واقعيا من طرف النساء والرجال. وإلا كيف نستطيع صياغة سياسة ما ونقيس التقدم
المنجز ؟ فمن المهم معرفة كيف تتموقع النساء بالنسبة للرجال وبالنسبة للنساء
المنتميات إلى طبقات سوسيو-اقتصادية أخرى. لذا يجب الأخذ بعين الاعتبار اللامساواة في جميع الميادين وعلى
جميع مستويات المجتمع.
فالأولية إذن على
المدى القريب، هي إدماج منظور النوع في مجموع النظام الوطني للإحصاء :
- في جميع مصادر
المعلومات التي تنتج المعطيات بطريقة منتظمة وفي جميع الميادين.
- في كل مرحلة من
مسلسل إنتاج المعطيات : من تحديد المعطيات الضرورية حتى تقديم وتوزيع المعلومات.
هذا البرنامج يتعدى إطار مديرية الإحصاء ويتطلب تدخل مجموع المؤسسات المنتجة
للمعلومات الإحصائية: المصالح الإحصائية
للوزارات، الإدارات، الجماعات المحلية والمنظمات غير الحكومية ويدخل ضمن مسلسل
طويل يستلزم إرادة سياسة ودعما ماليا على المستوى الوطني.
إن إدماج منظور النوع يتجاوز ضرورة تفصيل المعطيات حسب الجنس إلى ضرورة إنتاج
وتقديم المعطيات بطريقة تعكس ظروف العيش
الحقيقية للرجال والنساء
ومساهمتهم في المجتمع وحاجياتهم ومشاكلهم الخصوصية.
وهذا يفرض :
- أن تعكس المفاهيم
والتعاريف والتصانيف ومنهجيات التجميع المتبعة تنوع الوضعيات المعاشة، وتأخذ بعين
الاعتبار، وفي
كل مرحلة من الإنتاج، جميع الأنماط والعوامل التي يمكن أن تؤدي إلى التحيز : فتبني
تعريف غير ملائم للنشاط الاقتصادي يؤدي إلى نقص في تقدير مساهمة النساء في الإنتاج
ورفاه المجتمع. وأخطاء التقدير يمكن أن تأتي من اختيار زمن البحث أو من قصر فترة
المرجع التي قد لا تغطي الأنشطة الموسمية أو العرضية حيث تعمل النساء بكثرة، كما
يمكن أن تأتي من اللغة المستعملة، من صياغة الأسئلة وترتيبها، من اختيار المجيب، وأيضا من
اتجاه النساء نحو التنقيص من مساهمتهن الاقتصادية ومن تردد الباحثين الذكور في
الاعتراف بهذا العمل. فعندما تتوفر المعطيات، يجب التساؤل عما تقيس واقعيا وهل
يمكن تحسين طريقة القياس هذه.
- تنمية مؤشرات جديدة
واستكشاف ميادين جديدة لتلبية حاجيات جديدة (العنف، توزيع الموارد بين مختلف أعضاء
الأسرة…). وفي الميادين حيث
المعطيات غير كافية، تبقى البحوث المعمقة ضرورية للتعرف الأفضل على أسباب وآثار
اللامساواة.
- بعد إنتاج المعطيات،
تكون المرحلة التالية، والأكثر أهمية، هي تنظيمها للحصول على صورة واضحة لوضعية
الرجال والنساء من أجل
التحسيس بظروف النساء بالمقارنة مع الرجال
واستخراج عواقب السياسات السالفة. فالأمر لا يتعلق فقط بتحسين الإحصائيات ولكن
أيضا بتحسين استعمالها في صياغة السياسات العمومية وتنمية حجج الدفاع. لذا يجب أن
يكون تحليل وتقديم الإحصائيات موضوع اهتمام خاص من أجل أن تصبح مفهومة ومقدمة
بطريقة تلبي حاجيات المستعملين.
إرسال تعليق