إن علم اللسانيات الاجتماعية يندرج ضمن اللسانيات بمعناها العام ويتكامل معها، فهي تهتم بالدرجة الأولى بالوظائف اللسانية التي ترتبط فقط بالتطبيقات داخل المجتمع، فإذا كانت العلاقة : لغة-مجتمع ، تعد واحدة من الإشكاليات الأساسية للسانيات العامة، فإن اللسانيات الاجتماعية، وبفضل ما تتوفر عليه من تقنية ومنهجية فعالة تجد نفسها مهتمة بذات الإشكالية اللسانية والاجتماعية، فهي بذلك تقوم بدراسة اللغة المستعملة من قبل العشيرة اللغوية، أي دراسة اللغة في واقعها اليومي بالاعتماد عل منهجية تكمن في تسجيل استعمالات المتكلمين بها في وضعيات اعتيادية، كما أنها انطلاقا من المعطيات التي تكون قد جمعتها، تعد الدراسة العلمية للأداء اللغوي، بشتى أنواعه، سواء كان الأداء الفصيح أو الأداء العامي، والعلاقة التي تجمع الأداءين فيما بينهما، وهذه العلاقة غالبا ما تكون مبنية على مسألة التجاذب والتأثير والتأثر، أي أن اللغة العربية الفصحى تستمد غناها اللغوي من التحولات المستمرة والدائمة التي تطرأ في الحقل العامي للغة، بحكم أن العامية هي في متناول كل أفراد العشيرة اللغوية بكل فئاتهم العمرية والنوعية، وباعتبارها أيضا -أقصد اللهجة- أداة للتواصل اليومي المعتاد، الشيء الذي يجعلها تتجدد باستمرار، وتضاف إلى معجمها العديد من الوحدات المبتكرة أو الوافدة من خارج العشيرة اللهجية في إطار ما يسمى بالثنائية اللغوية، هذه الأخيرة تعتبر إلى جانب الازدواج اللغوي آلية من آليات التطور اللغوي، بعدما كان العرب القدامى يعتبرونها مجرد لحن وتحريف وأنها لا تساهم سوى في التخلف والتقهقر الذي يطال اللغة العربية الفصحى، بحجة أنها تفتقر إلى قواعد تؤطرها وتنظمها وتبعدها عن التعدد والتنوع المهول في أشكالها حسب كل عشيرة لغوية على حدة.
  وفي إطار هذا الاختلاف في التصورات تجاه اللهجة وأهميتها ظهر العديد من المناصرين للهجة (العامية) فنادوا بإقحامها في جميع المجالات، وإدراجها في قطاع السمعي البصري بشكل مكثف خير دليل على ذلك، وفئة أخرى مثقفة تدق ناقوس الخطر، خوفا من زوال اللغة العربية واندثارها إذا لم نوليها اهتماما كبيرا، بالتمكين لها في السياسة العامة للبلاد، باعتبارها لغة القرآن الكريم.  

Post a Comment

أحدث أقدم