المقارنة الاختلاف بين اللغة واللهجة
  قد يتعجب المتتبع لهذا السؤال، لأنه يبدو في الوهلة الأولى بديهيا، وسهل الإجابة ، بل يسارع إلى القول بأن الفرق بين وواضح، ولكن في إطار علم اللغة مبدئيا بين لهجة Dialect  و لغة Literary langageفكل لهجة هي لغة قائمة بذاتها ، بنظامها الصوتي، وبصرفها وبنحوها وبتركيبها وبمقدرتها على التعبير[1].
  وقد يعترض آخرون على هذا القول بزعمهم أن الفرق بين اللهجة واللغة يتجلى في الأدب، بدليل أن اللغة لها أدب يخالف اللهجة، آخذين الأدب كمعيار للتفرقة، وهذا الزعم مردود على أصحابه بدليل أن لهجات الزنوج والهنود الحمر لها أدبها، من شعر ونثر وقصص وأمثال وأساطير... وقد يختلف هذا الأدب في غناه الروحي والعقلي والجمالي عن آداب الشعوب الضاربة في عالم الفكر والفن والفلسفة والعلم، ولكن ذلك راجع لأثر الحضارة في الاجتماع، فهذه الآداب لا تروقنا لأنه إذا قمنا بنقلها من أصلها الذي هو اللهجة إلى اللغة الحضارية، فإنها تفقد شكلها وجماليتها الفنية وغناها الروحي ، في حين يقول آخرون: "اللغة هي التي تغاير لغة أخرى في أصواتها وبمفرداتها وبتراكيبها مغايرة لا يستطيع أن يتفاهم زيد و عمر . أما إذا كانت الفروقات في الأصوات و المفردات والتركيب من النوع الذي يمكن فيه التفاهم بين الجماعات فإن هذه تحسب لهجات[2] ،أي بعبارة أخرى أن هؤلاء يضعون مسألة التفاهم والتواصل مقياسا للتفريق بين لهجة وأخرى . لكن هذا الأمر سرعان ما يسقط عندما نعتبر مثلا لهجة أهل البندقية ولهجة أهل صقلية، فإنهما لهجتان لا لغتان إيطاليتان، ولكن أهل البندقية لا يفهمون أهل صقلية، ولا أهل صقلية يفهمون أهل البندقية فالتفاهم بينهما غير ممكن. و أنه لا يمكن أن يكون فارقا بين لغة ولهجة.
  كما أن العرب القدامى اعتبروا أن اللهجة هي مجرد تقهقر وانحطاط للغة الفصحى، ولكن أثبتت الدراسات اللهجية، وبشكل يقطع الشك باليقين ، أن اللهجة ليست تقهقرا ولا انحطاطا لغويا Linguistique dégénération بل تطورا وتقدما لغويا فرضتهما النواميس الطبيعية التي تتحكم بمصير كل لغة، والدليل على ذلك هو وجود بعض اللهجات التي كانت في الوجود للغة الفصحى.
  خلاصة القول لا وجود لفارق جوهري بين اللهجة واللغة، وأن لهجة ما، لسبب خارجي ، أو لظروف خاصة تعتبر لغة قومية رسمية، بينما لهجة أخرى، ربما أفضل منها، لا يعترف بها ، فالقضية هنا قضية "سلطة عليا" وقضية اعتراف بهذه السلطة، وهنا تطرح إشكالية التَّمكين للغة أو اللهجة على حد سواء.
  وتجدر الإشارة إلى أن اللهجات تختلف في تلويناتها في المنطقة الجغرافية الواحدة، وذلك حسب اختلاف طبقات الناس، وفئاتهم، فأين يتجلى هذا الاختلاف يا ترى؟


[1]  اللهجات واسلوب دراستها، لأنيس فريحة، ص، 77
[2]  اللهجات وأسلوب دراستها، للدكتور انيس فريحة ، ص، 77، 78

Post a Comment

أحدث أقدم