اخطار استعمال الوقود الحيوي على
البيئة و ارتفاع اسعار المواد الفلاحية
الديزل العضوي
لقد تم اكتشاف الديزل العضوي Biodiesel عام 1853 من قبل العالمين
E. Duffy وزميله J. Patrick. وقد عمل محرك رودلف Rudolp
عندما اخترعه على زيت الخضروات وزيت الفستق في نهاية القرن التاسع عشر(17).
لم يستخدم الزيت العضوي بكثافة في
محركات الديزل لتوافر النفط بأسعار معقولة، وفي ظل منافسة أسعار الوقود العضوي
المستمدة من تخمير نبات قصب السكر وغيره، لقد غدا استعماله مسألة اقتصادية ورفيقة
بالبيئة. ولكن هذه المحاولات لها أضرار عديدة على البيئة الطبيعية والاجتماعية،
فالتوسع في إنتاج هذه النباتات يكون على حساب الغابات، كما حدث في جنوب أمريكا،
والمناطق الاستوائية، كذلك تؤدي زيادة الطلب على هذه المواد العضوية إلى ارتفاع أسعارها،
الأمر الذي يهدد مداخيل الطبقات الفقيرة ومستوى الصحة والتغذية والدخل الفردي وما
إلى ذلك.
كما
يؤدي التوسع في إنتاج الوقود الحيوي إلى تقليص إمدادات مياه الشرب نتيجة التوسع في
الأراضي الزراعية المروية، وإلى رفع تكلفة المحاصيل الزراعية الأساسية مثل الأرز
والذرة والقمح والشعير، التي زادت خلال عام 2007 بنسب تتراوح من 20 – 100%، إذ
ارتفعت أسعار المعكرونة في إيطاليا عام 2007 بنحو 40% نتيجة تحول المزارعين من
إنتاج القمح إلى إنتاج بذور عبّاد الشمس لبيعه للمصانع التي تطحنه لتنتج الديزل العضوي.
فيما تطلق أسمدة النيتروجين التي تستعمل لزيادة الإنتاج في إطلاق غاز أكسيد
النيتروز الذي يساهم في ظاهرة الانحباس الحراري، وارتفاع درجة حرارة الأرض بنسبة
تكافئ نحو 310 مرات تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون.
وقد
أدت زراعة زيت النخيل في آسيا إلى إزالة الكثير من الغابات في أندونيسيا وماليزيا
وتايلند وغيرها من الدول هناك، ولا بد من اتخاذ إجراءَات بهذا الشأن للشروع في
زراعة شجر الجاتروفا في الأراضي الجرداء الفقيرة بالرطوبة والتربة الغنية، وتنتج
هذه الأشجار بذور صلبة غير صالحة للأكل فلا تؤدي إلى ارتفاع المواد الغذائية مثل
المصادر الأخرى للوقود العضوي.
وقد
شرعت الهند، في التخطيط لغرس 14 مليون هكتار بالجاتروفا. وبالرغم من أن الجاتروفا
أقل تلويثاً للبيئة من أشجار زيت النخيل، فإن ذلك القرار قد أثار الفلاحين الهنود
الذين بدأوا يفقدون أراضيهم الزراعية لكي تزرع الحكومة هذه الأشجار.
لبيان
حجم إنتاج الإيثانول في العالم، نأخذ مثلاً من البرازيل، إذ سوف تنتج شركة واحدة
في البرازيل (JV)
سنوياً نحو 115 مليون غالون أمريكي من الإيثانول من خلال مصنعها في بلدة Edeia القائم على زراعة قصب
السكر وتخميره، وهو الأكثر كفاءَة من الذرة في إنتاج الإيثانول للوحدة الواحدة من
الإنتاج (مرتين إلى ثلاث مرات)، وتستعد لبناء مصنع آخر قريباً. وكلنا نعلم مدى
الضرر الذي سيلحقه ذلك بأسعار الغذاء العالمي وبتفاقم مشكلة الانحباس الحراري بفعل
قطع الغابات لزيادة مساحة الرقع الزراعية.
ولكن
الضرر الذي سوف يلحق بالبيئة العالمية من المخاطر أكبر من فوائد استخدام الإيثانول
واستبداله بالوقود التقليدي، وبخاصة في ضوء استخدام فضلات القصب بعد عصره في تشغيل
محطة توليد كهرباء لخدمة المصنع نفسه. ومن اللافت أيضاً أن شركة BP العملاقة تنتج
الإيثانول وتبيعه إلى جانب النفط لتغطية حاجة السوق العالمي، وهذا يستدعي تخصيص
الأراضي الزراعية أو الحرجية لهذه الغاية وما ينجم عن ذلك من إضرار أكبر بالبيئة
من حيث الانحباس الحراري. ويزداد الضرر بفعل قطع الأشجار والإفراط في الري
واستخدام السماد ونحو ذلك
.
ارتفع
معدل إنتاج الوقود العضوي في العالم نحو 20% في عام 2007 ليصبح نحو 54 بليون لتر،
ويكافئ هذا الرقم حوالى 1% من الطلب على الوقود التقليدي السائل، وتنتج جل هذا
الوقود الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وحدهما، فيما تشير التقديرات إلى
نسبة زيادة الإنتاج في عام 2008 لتصل إلى 23%. وباستمرار ارتفاع أسعار النفط على
نحو ما هو عليه الآن، فإن هذه الصناعة سوف تزدهر في المستقبل القريب. وسوف تستفحل
ظاهرة الانحباس الحراري، ويزداد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية على نحو
يهدد بالمجاعات.
ويبدو
أن الأمور تتجه نحو التصعيد، إذ قررت ورشة عمل وقود الإيثانول السنوية في اجتماعها
الذي انعقد مؤخراً (وهو الاجتماع رقم 24) في مدينة ناشفيل في ولاية تيناسي في
الولايات المتحدة الأمريكية إلى زيادة الإنتاج على نحو غير مسبوق.
أما
الصين، فبدأت تنتج الإيثانول من الحبوب عام 2002، حيث وصل مجمل إنتاج الإيثانول في
عام 2006 إلى 3.5 مليون طن لمواجهة الطلب المتزايد على الوقود. ولكن الصين ما لبثت
أن أدركت نتائجها على أسعار الحبوب كمادة غذائية، فلجأت إلى زيادة إنتاج الحبوب
لمواجهة النقص، كما غدت تنوع في أنماط الزراعة وبخاصة في الأراضي الخلاء. فلجأت
إلى إنتاج الإيثانول من زيت البلح ونبات الجاتروفا وشجرة زيت اللسان Tung Oil، فضلاً عن زراعة
نباتات مثل Yam،
Cassava
والبطاطا الحلوة. فارتفعت أسعار هذه المحاصيل تباعاً، إذ زادت أسعار الطن من Cassava في شهر أبريل عام 2006
من 300 يون قبل بداية إنتاج المصنع إلى 600 – 700 يون، أي أن سعره قد تضاعف(18).
خلاصة
القول إن إنتاج الوقود الحيوي من النبات هو "جريمة ضد الإنسانية" كما
قال مقرر الأمم المتحدة جان زيغلر مؤخراً. ولكن اختيار النبتة المناسبة وزراعتها
في المكان المناسب وبالكمية المناسبة ربما يساهم في حل بعض المشكلات على المدى
القريب، وبخاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط المضطرد.
إرسال تعليق