التربية البيئية ينبغي أن تقوم على الاعتقاد أن كوكب الأرض يشكل منظومة بيئية متكاملة مترابطة ومتداخلة بيئياً؛ على نحو يجعل كل عنصر من عناصر هذه المنظومة على القدر نفسه من الأهمية، فلا يجوز الاعتقاد أن البشر أهم من العناصر الأخرى، ولا يجوز تأسيس مركزية إيكولوجية للطبيعة استناداً إلى أخلاق ترتكز على الشعور بالشفقة نحو الطبيعة، بل ينبغي تجاوز ذلك إلى أخلاق أكثر تطوراً بحيث تشتمل أيضاً على مفهوم الحفاظ على الموارد الطبيعة Conservation، بوصفه حالة من التناغم بين الحاجات البشرية ومتطلبات بقاء الكرة الأرضية كمنظومة متوازنة وديمومتها غاية الغايات.
إن سلسلة الغذاء الدورية المتمثلة في نقل الطاقة صعوداً بصورة هرمية إلى أن تنتهي بالموت والتحلل فتعود الطاقة إلى التربة، هي سلسلة مترابطة، وقد تؤدي أي تغيرات على سطح كوكب الأرض إلى إزالة النباتات والحيوانات والتربة اللازمة للمحافظة على دورة الطاقة بصورة فعـّالة، كما يحدث عند إقامة السدود وتعرية الغابات وازالة الغطاء النباتي، وما ينجم عن ذلك من انجرافات في التربة، وزيادة الغازات الدفيئة وارتفاع درجة حرارة الأرض. وكما يحدث في حالة تلوث الهواء والمياه بفعل الأمطار الحامضية والملوثة، فتموت الكائنات الحيوية الضرورية لإتمام بناء سلسلة الغذاء في الطبيعة وينتقل التلوث في دورات الغذاء إلى الكائنات الحية فالإنسان.
        هناك اتجاهان رئيسان في التربية البيئية لمعالجة أزمة التلوث، أحدهما يدعو إلى معالجة عميقة وجذرية، أما الآخر فيدعو إلى معالجة ضحلة تعتقد أنه يمكن أن نواجه التلوث بمحاولات علاجية مباشرة، مثل تنقية الهواء والماء، وأيضا من خلال دعوات لا أخلاقية إلى نشر التلوث بالتساوي بتصديره إلى البلدان النامية وتوزيعه بين الدول!
أما المعالجة العميقة والفاعلة فتتطلع إلى معالجة أثر التلوث الحاصل للكرة الأرضية بوصفه يتجاوز الصحة البشرية إلى الحياة كلها، من مثل إجراء البحوث لاستنبات فصائل شجرية جديدة لمقاومة المطر الحامضي، والتطلع لإجراءَات بعيدة المدى تقوم على الإفادة من الطاقة الطبيعية المتجددة النظيفة الموجودة في الشمس وعلى سطح الأرض وفي جوفها، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه الحارة الجوفية وطاقة أمواج البحر وما إلى ذلك.
        لقد انحطـّت اللغات اليوم في سياق انشغالها بالترويج للتطور الصناعي والإنشائي والعمراني، وأصبح شرط التقدم مرتبطاً بتدمير العالم، وما احتلال مصادر النفط إلا إرهاب يتم على حساب تدمير الشعوب وتهجيرها لنهب ثرواتها. فقد أضحت أكثر الأدوار أهمية للفلسفة البيئية هي إبداع لغة جديدة ومفردات أصيلة تحمل المعنى الصحيح للحقيقة والقيمة والتقدم.
لقد أدركت بعض الفلسفات المعاصرة ذلك، فبدأ المشتغلون بها يوضّحون المعنى اللغوي السائد للمفاهيم، كالتقدم، بوصفه يتضمن مصطلح الربح، وغدوا يتساءَلون: هل الربح يخضع لأي معايير، ولأجل مَنْ تصب منفعته؟ ولكن بعض الدول التي تحمل مثل هذه الأفكار المتطورة ما زالت من أكثر الدول تلويثاً للبيئة، كالصين، أما الولايات المتحدة الأمريكية التي نشأت فيها الفلسفة البراغماتية فإنها تتبوأ المركز الأول في تلويث البيئة العالمية.

Post a Comment

Previous Post Next Post