التربية البيئية:
إنّ
الثقافة أعمُّ من العلم وأشمل، ذلك لأن العلم موضوعه الأشياء المادية، كما هي
الحال في علم الفيزياء الذي تشكل الطبيعة موضوعاً له. وإذا أخذنا التجربة
الأوروبية نجد اندياحاً متعاظماً للثقافة الإنسانية منذ عصر النهضة الأوروبية
وبزوغ عصر التنوير والحداثة وما بعدها، ولكنها ساهمت أيضاً في ترسيخ مفهوم مركزية الإنسان في الطبيعة الذي
ترتبت عليه نتائج سلبية بشأن الحفاظ على سلامة البيئة العالمية واستدامة مواردها.
ووظيفتنا
اليوم، كعلماء وفلاسفة وتربويين وإعلاميين وباحثين مشتغلين في صنوف المعرفة
المتنوعة؛ أن نجعل الأفكار الإنسانية والبيئية كلتيهما قريبة من قلوب الناس
وعقولهم حتى نتطلع إلى بيئة أفضل. وبإمكان الثقافة البيئية، إلى جانب الثقافة
الدينية وتراث الإنسانية بمجمله، أن تؤدي دوراً مسانداً لحماية عناصر البيئة
المتنوعة من الأشجار والحيوانات وغيرها؛ عبر نشر فضائل الدفاع عن عناصر البيئة
المتنوعة وحمايتها من عبث العابثين.
فمثلاً،
إن الترويج لفكرة حب الطبيعة الحيّة بعناصرها كافة "Love of Life"، وهو اتجاه جديد
في الفلسفة البيئية، من شأنه أن يعيد ارتباطنا بالطبيعة ويساهم في خلق علاقات
إنسانية سوية مع عناصر البيئة المختلفة. فالحب، هو عامل مشترك بين البشر، ويتميّز
به الإنسان بصورة فطرية طبيعية لطول فترة حضانته في رحم أمه، حيث تنمو علاقة الحب
في تكوينه البيولوجي خلال حضانته الطبيعية المميزة، فإذا كانت النشأة صالحة فيما
بعد فإن هذه المشاعر بإمكانها أن تتجاوز حب البشر؛ إلى حب الكائنات الحية وغير
الحية الموجودة في الطبيعة.
وعندما
نربط بين مشاعر الحب القوية التي يتميز بها الإنسان من خلال عاطفته الجياشة، وما
يمكن أن نعرضه من صور للعالم عن المجاعات أو التصحر أو عن آثار الفيضانات
والزلازل، وما إلى ذلك من كوارث طبيعية في مناطق العالم كافة، فإن الإنسان يمتد
بمشاعره ليتجاوز أسرته النووية وبيئته الضيقة صوب مشاعره الإقليمية، ومن ثم ترتقي
مشاعره صوب الكرة الأرضية بأسرها، بل يمكنه أن يتجاوز ذلك ليحب الكون البعيد،
المتمدد المتسع صوب المجهول، على نحو لا يقل شدة عن حبه لنفسه ولعائلته وبلده
والكرة الأرضية التي ينعم بالعيش فيها.
وهناك من يرى أن الأزمة البيئية نابعة من السلوك الجاهل
والجشع وغير الشرعي للكثير من الاستثمارات، وتستدعي مواجهة ذلك سن تشريعات جديدة
رادعة وتغيير القوانين الضريبية ورفع مستوى التعليم. كذلك فإنه يستدعي الإدارة
الحكيمة للموارد الطبيعية، بحيث لا تنظر العيون الشرهة إلى الفائدة الغذائية من
الطبيعية فقط؛ بل تتجاوزها إلى المتعة الجمالية المتحققة من النظر إلى الطبيعة في
جمالها الطبيعي الفريد.
هكذا تصبح لدينا نظرية أخلاقية متمركزة على الحياة Biocentrism، فجميع الكائنات الحية
هي أهداف غائية للحياة، وكل شيء حي له قيمة ذاتية Intrinsic Value، وهو لذلك موضوع
اعتبار خلقي. وهذا ما تستطيع أن تظهره الثقافة البيئية وتطلعاتها النبيلة.
Post a Comment