تلاوة القرآن في الصلاة وأسرارها النفسية
القرآن الكريم هو الصراط المستقيم وهو حظ كل مصلٍ من دعائه " اهدنا الصراط المستقيم " إنه طريق الهداية، وهو الصراط المستقيم " لأنه طريق الهداية، وهو الصراط المستقيم وطريق الخير إلى كل نفس، والقرآن يقرأ في الصلاة مناجاة ويقرأ ذكراً ودعاء ويقرأ تعظيماً وتمجيداً ويقرأ حمداً وثناء، ويقرأ خشوعاً وخضوعاً، ويقرأ خوفاً ورجاءً ويقرأ ترغيباً لقول الحق سبحانه :
(الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يُضلل الله فما له من هادٍ)(الزمر:23)
ويقرأ القرآن، في الصلاة سراً وجهراً .
(ولا تجهر  بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً)(الإسراء : 110)
والقرآن يقرأ في غير الصلاة تعلماً ومدارسة.
يقول الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم : " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم .. إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده"([1])
ولقوله سبحانه :
(إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين* وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين)(النمل:91-92)
وتدبر القرآن عبادة لقوله سبحانه:
(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)(محمد : 24)
[2]ومهما تدبر قارئ القرآن، فالتدبر في الصلاة أقوى وأعمق فالمصلي يتعبد بقراءته وهو في منزلة الإحسان من ربه، فيجتمع عليه حلاوة القراءة وصدق العبادة، ولهذا فإن القرآن في الصلاة، قمة العبادة، وهو مضاعف الأجر يقول سبحانه:
(إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فأقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فأقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً واستغفروا الله إن الله غفور رحيم)(المزمل:20)
فالمصلي بالقرآن مع ربه يراه في خلْقه ويراه في ملكوته، ويراه في سمائه ويراه في أرضه، ويراه في علمه، وحكمته، ويراه في عدله وفضله، ويراه في عظمته وسلطانه، ويراه في عفوه وانتقامه، ويراه في رحمته وجبروته.
والقرآن يتلى في الصلاة في كل ركعاتها، فأنت بالقرآن وبالصلاة في لقاء مع الله ، وأنت معه بكلامه مع تعاليمه وتشريعه تستمع إلى إرشاده وتوجيهه، تتعلم أمور دينك وتحيط بأحوال دنياك، تتعلم الحلال والحرام، فتأتمر بأوامره، وتتحصن بمواعظه وآدابه، إنه دستور الحياة كلها، يصل إليك من خلال كلام ربك، فيستقر إيمانك ويكتمل اطمئنانك.
(قل نزلـه روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهُدى وبشرى للمسلمين)(النحل:102)
فإذا انتهيت إلى ختام صلاتك، كان جلوسك للتشهد الأخير ولا زلت في مرتبة الإحسان من عبادتك فتعرج بروحك إلى سماء ربك لتشاهد عظمة اللقاء لقاء محمد صلى الله عليه وسلم بربه عندما فرضت عليه الصلاة وعبارات التشهد تفرض عليك أن تصعد بفكرك وعقلك ووجدانك وبإحسانك وإيمانك تشهد الموقف.
التحيات لله والصلوا ت والطيبات
السلام عليك أيها النبي ورحمة لله وبركاته
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
اشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله .([3])
وهنا تتحقق من عبودية نبيك وبشريته، فلا سيادة في هذا المقام إلا لله وحده، إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نال الشرف كله لصدق العبودية في نفسه وهذا أسمى مراتب التشريف.
إن الصلاة معراج المسلم، وإنها في صدق أدائها صلة بين العبد وربه، وما أعظم اللقاء و ما أعظم الجزاء!
والجزاء على قدر إتقانك، وعلى قدر إحسانك يكون أنسك بربك واطمئنانك في جنابه.
فإذا تدبرت قراءة  القرآن وأحسنت الأداء، فقد فهمت المراد وأصلحت الفؤاد، و إذا نقرت الصلاة نقر الغراب، فقد جهلت الطريقة وابتعدت تماما عن الحقيقة، وهذا مالا ينبغي أبداً لقارئ يصلي بين يدي ربه أن يفعله، ففي هذا الموقف يصل كلام الله إلى عقلك وقلبك، ويملك عليك زمام حسك ووجدانك ويصل إلى أعماق كيانك، ولهذا فالإنسان أكثر ما يكون تدبراً لكلام الله في صلاته.
وفي هذا المقام يخاطب ربنا سبحانه عباده جميعا، كل على قدره وعلى قدر تفاوت درجاتهم في العلم والمعرفة تصل معاني القرآن الكريم إلى مفاهيمهم، والقرآن يصل إلى الناس جميعاً، يخاطب العقل والوجدان.
يقول الله سبحانه :(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)(القمر : 17)
العالم يقرأ أو يستمع فيغوص بعلمه في بحار الحقيقة التي لا شاطئ لها ولا  حدود تنتهي إليها، فيسترجع قول ربه خاشعاً .
(ويسألونك عن الروح قل الروح من  أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)(الإسراء(85)
ويعلم يقينا أن فوق كل ذي علم عليم.
(قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً)(الكهف:109)
يستمع الأمي الذي لم يتعلم ولم يكتب ولم يقرأ، فيخشع قلبه وتهدأ نفسه، وتتحرك عواطفه، وتفيض عيناه.
(كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً)(الإسراء:20)
وربنا سبحانه بعزته ورحمته واتساع حكمته، قد أمدّ كلامه بهذه الأسرار المتسعة ليصل إلى كل نفس على قدرها، وينتهي إلى القلب فيخشع ويخضع ويسكن ويطمئن كل إنسان حسب طاقته وحسب نورانيته في استقبال كلام ربه.
وصدق ربي سبحانه وهو يقول في محكم آيات كتابه من سورة الرعد:
(الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)(الرعد:28)


[1] - الحديث أخرجه مسلم وأبو داود واحمد غيرهم.

[3] - أحاديث التشهد أخرجها مسلم وأبو داود والنسائي والشافعي ومالك .

Post a Comment

Previous Post Next Post