ترسيخ رقابة ذات وربطها بمعاني الإيمان والتقوى .
إن معنى الرقابة الذاتية هو : أن يأخذ المسلم نفسه بمراقبة الله تعالى , ويلزمها إياها في كل لحظة من لحظات الحياة , حتى يتم له اليقين بأن الله مطلع عليه , عالم بأسرار نفسه , رقيب على أعمالها , وعلى كل نفس بما كسبت , وبذلك تصبح مستغرقة بملاحظة جلال الله وكماله , شاعرة بالأنس في ذكره , واجدة الراحة في طاعته , راغبة في جواره , مقبلة عليه , معرضة عما سواه .
وهذا معنى إسلام الوجه لله في قوله { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }[النساء/125] . وهو عين ما دعا إليه الله تعالى في قوله { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ }[البقرة/235] . وقوله – صلى الله عليه وسلم – (( اعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فهو يراك )) .
وهو ما درج عليه السابقون الأولون من سلف هذه الأمة الصالح , إذ أخذوا أنفسهم به حتى تم لهم اليقين , وبلغوا درجة المقربين , وهاهي آثارهم تشهد عليهم .

والمراقبة ثمرة علم العبد بأن الله – سبحانه – رقيب عليه , ناظر إليه , سامع لقوله , وهو مطلع على عمله كل وقت وكل طرفة عين .
وقال ذو النون : علامة المراقبة إيثار ما أنزله الله , وتعظيم ما عظم الله , وتصغير ما صغر الله .
وقال إبراهيم الخَوَّاص : المراقبة خلوص السر والعلانية لله عز وجل , والمراقبة : هي التعبد لله بأسمائه ( الرقيب , الحفيظ , العليم , السميع , والبصير ) فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها : حصلت له المراقبة .
فالمسلم حينما يتعمق الإيمان بالله في قلبه , ويستقر في نفسه , يظهر أثره في سلوكه ومراقبته لله تعالى , ويخلص النية والقصد في عمله ومنه ابتغاء مرضاة الله وحده , ويفعل الخير والخلق الكريم لوجه الله , ويجتنب الشر والخلق الفاسد أيضاً لوجه الله – تعالى .
وبهذه التوجيهات السديدة والتربية الإيمانية الحقة ينبغي أن يأخذ المسلم نفسه ويربى الآباء أولادهم على ذلك , ويعلم المربون تلاميذهم عليه , فيعم الخير ويضمحل الشر ويسعد الخاصة والعامة , وتكفي الحكومات والمحكومين شر الأشقياء .
( والشريعة الإسلامية تربي الضمير الإنساني ليكون رقيباُ على المسلم في السر والعلن , ويخشى العقاب الأخروي أكثر من خشيته للعقاب الدنيوي . وبذلك يقيم الإسلام من داخل النفس البشرية رقابة على تعاليمه , بحيث يرعاها المسلم في جوف الليل , كما يرعاها في وضح النهار ).
وبهذا تمتاز الأخلاق الإسلامية عن النظم والنظريات الأخلاقية الوضعية التي لا تقيم أخلاقها إلا على المنفعة , وقوة الضغط الاجتماعي و مراعاة الظاهر فحسب .

Post a Comment

Previous Post Next Post