تخصيص العام
قدْ يردُ من الشَّارعِ ما يدلُّ على (قصرِ العامِّ على بعضِ أفرادِهِ) وهذا هو تخصيصُ العامِّ. والمُخصِّصُ قسمانِ:
اقسام المخصص
الأول منهما: مخصَّصٌ متَّصلٌ:
وهو ما يأتي جزءًا من عبارَةِ النَّصِّ الَّذي وردَ فيهِ اللَّفظُ العامُّ، ويرجعٌ إلى أنواعٍ هي:
[1] الاستِثناءُ، وهوَ: إخراجُ بعضِ الجُملةِ من الجُملةِ بلفظِ (إلاَّ) أو ما أُقيمَ مقامه من الأدواتِ كـ(غير) و (سِوى).
مثالُهُ:قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }فكلُّهم فاسقونَ بذلكَ إلاَّ التَّائبينَ، فقصرَ الفِسقَ على غير التَّائبِ.
ومن شرْطِ صحَّةِ التَّخصيصِ بالاستثناء أن يكونَ مُتَّصلاً بالمستثنى منه لا منفصلاً عنه.
ولو جاءَ الاستِثناءُ منفصلاً في اللَّفظِ لكنَّه وقع في المجلسِ الَّذي ذُكر فيه العمُومُ، فهو في حُكمِ المتَّصلِ، مثلُ: حديثِ عبدالله بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما:أنَّ النَّبيَّ rقالَ:(إنَّ الله حرَّم مكَّةَ فلم تحلَّ لأحدٍ قبلِي، ولا تحلُّ لأحدٍ بعدي، وإنَّما أُحلَّتْ لي ساعةً من نهارٍ، لا يُختلَى خلاهَا، ولا يُعضَدُ شجرُهَا، ولا يُنفَّرُ صيدُهَا، ولا تُلتقَطُ لُقطَتَهَا إلاَّ لمُعرِّفٍ) وقال العبَّاسُ: يا رسول الله، إلاَّ الإذخرَ لِصاغَتِنَا وقُبورِنَا؟ فقالَ: ((إلاَّ الإذخِرَ))
كما أن من شروط صحة الاستثناء: عدم استغراقه للمستثنى منه. وكون المستثنى من جنس المستثنى منه.
[2] الشًّرطُ،وهو هنا في المخصصات يقصد به الشرط اللغوي،أما الشرط الشرعي فدليله منفصل،ويعبر عنه بحسب نوع الدليل الذي ورد به.
إذاً الشرط هنا هو الشرط اللغوي، تعليق الحكم على وصف بإن أو ما جرى مجراها من الصيغ، ومثالُ التخصيص به:قوله تعالى: { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ }، فالنِّصفُ مشروطٌ بعدَمِ الولَدِ.
[3] الصِّفةُ.وهي كل ما يميز المسمى،فيشمل النعت والحال والظرف،والجار والمجرور.
القسم الثاني:المخصصات المنفصلة
وهي كل دليل يستقل بنفسه، ولا يحتاج في ثبوته إلى ذكر لفظ العام معه. أنواع المخصصات المنفصلة :
1ـ الحس :
مثال التخصيص به قوله تعالى : {         }، فالعموم في قوله : {   } مخصوص؛ إذ لم تجعل الجبال كالرميم، والذي دل على ذلك الحس.
2ـ العقل :
مثال التخصيص به قوله تعالى : {     }، فالعقل دل على أن الله لا يخلق نفسه.
وقد اختلف في عد العقل من المخصصات، فقال بعض العلماء إنه ليس مخصصا؛ لأن ما دل العقل على عدم دخوله تحت اللفظ لا يكون اللفظ موضوعا له أصلا، فالله جل وعلا غير داخل في لفظ (شيء) المذكور في الآية فلا حاجة إلى القول بتخصيصه ([1]).
وقال أكثرهم : إنه من المخصصات؛ لأن لفظ (كل شيء) موضوع في اللغة للعموم، وفي هذه الآية لا يمكن حمل اللفظ على عمومه لدلالة العقل على خروج الله جل وعلا وصفاته من هذا العموم.
ويظهر أثر الخلاف عند من يقول : إن العام قبل التخصيص قطعي وبعده ظني، فإنه إذا عد العقل مخصصا عد العام المخصوص به ظنيا، وقد رأيت بعض علماء الحنفية الذين ذهبوا إلى التفريق بين العام المخصوص والعام المحفوظ قد جعل المخصوص بالعقل باقيا على قطعيته ما لم يخصص بدليل آخر.وأما الجمهور فإنهم إذا عدوا العقل مخصصا فإن العام غير المخصوص عندهم أقوى من المخصوص بالعقل أو بغيره من الأدلة.

ج ـ تخصيص السنة بالسنة :
مثاله : تخصيص قوله r: « فيما سقت السماء والعيون العشر » بقوله r: « ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة » فإن الحديث الأول عام في القليل والكثير، والثاني دل على إخراج القليل الذي لا يبلغ خمسة أوسق عن أن تجب فيه زكاة.
4 ـ القياس :  والصواب:جواز تخصيص القرآن والسنة بالقياس الجلي دون الخفي،
ونعني بالجلي ما كان بنفي الفارق بين الأصل والفرع،أو منصوصا على علته.
ومثال التخصيص بالقياس الجلي بقياس العبد على الأمة والاكتفاء بجلده خمسين جلدة، وذلك أن الأمة ورد النص بأن حدها على النصف من حد الحرة، فيقاس العبد على الأمة لعدم الفارق بينهما، فيكون حده خمسين جلدة.
5 ـ  الإجماع : ولا خلاف في جواز التخصيص به،
ومثله بعضهم بالإجماع على تخصيص العبد فيكون حده خمسين جلدة.
وإذا صح الإجماع فالمثال صحيح، ولا يشكل عليه أنه تخصيص بالقياس؛ إذ يقال إن القياس دليل الإجماع، وبعد حصول الإجماع لا ينظر إلى دليله، ويمكن أن يمثل له بالإجماع علىجواز عقد الاستصناع فيكون ذلك الإجماع تخصيصا لعموم الأحاديث الدالة على المنع من بيع وشرط، أو بيعتين في بيعة،


([1]) ينظر : كشف الأسرار عن أصول البزدوي 1/35 .

Post a Comment

Previous Post Next Post