الإسناد العَالي
والنَّازل
1- تمهيد:
الإسناد خَصيصة فاضلة
لهذه الأمة ،وليست لغيرها من الأمم السابقة ،وهو سنة بالغة مؤكدة، فعلى المسلم أن يعتمد
عليه في نقل الحديث والأخبار، قال ابن المبارك : " الإسناد من الدَّين ، ولولا
الإسناد لقال مَنْ شاء ما شاء " وقال الثوري : " الإسناد سلاح المؤمن
" كما أن طلب العُلوَُِ فيه سنةِ أيضاً ، قال أحمد بن حنبل : " طلب الإسناد
العالي سُنَّة عمن سَلَف " لأن أصحاب عبدالله ابن مسعود كانوا يرحلون من الكوفة
إلى المدينة فيتعلمون من عمر ويسمعون منه ، ولذلك استحبت الرحلة في طلب الحديث ، ولقد
رحل غير واحد من الصحابة في طلب علو الإسناد ، منهم أبو أيوب وجابر رضي الله عنهما
.
2- تعريفه:
أ) لغة : العالي
اسم فاعل من " العُلُوّ " ضد النزول ، النازل اسم فاعل من " النزول
".
ب) اصطلاحاً:
1- الإسناد العالي: هو الذي قَلَّ عدد رجاله بالنسبة
إلى سند آخر يَردُ به ذلك الحديث بعدد أكثر.
2- الإسناد النازل: هو الذي كثر عدد رجاله بالنسبة
إلى سند آخر يَرِدُ به ذلك الحديث بعدد أقل.
3- أقسام العلو:
يقسم العلو إلى خمسة
أقسام، واحد منها علو مُطْلَق، والباقي علو نِسْبي وهي:
أ) القُرْب من رسول
الله صلي الله عليه وسلم بإسناد صحيح نظيف :
وهذا هو العلو المطلق
، وهو أجَلُّ أقسام العلو .
ب) القرب من إمام
من أئمة الحديث :وإن كثر بعده العدد إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، مثل القرب من
الأعمش أو ابن جُرَيْج أو مالك أو غيرهم ، مع الصحة ونظافة الإسناد أيضاً .
ج) القرب بالنسبة
إلى رواية أحد الكتب الستة أو غيرها من الكتب المعتمدة :
وهو ما كثر اعتناء
المتأخرين به من الموافقة والإبدال والمساواة والمصافحة.
1- فالموافقة: هي الوصول إلى شيخ أحد المصنِّفين
من غير طريقه بعدد أقل مما لو رَوَي من طريقه عنه.
مثاله : ما قاله
ابن حجر في شرح النخبة " روي البخاري عن قتيبة عن مالك حديثا ، فلو رويناه من
طريقه كان بيننا وبين قتيبة ثمانية ، ولو
روينا ذلك الحديث بعينه من طريق أبي العباس السراج عن قتيبة مثلا لكان بيننا وبين قتيبة فيه سبعة
، فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسناد على الإسناد إليه
"
2- البَدَل: هو الوصول إلى شيخ شيخِ أحد المصنِّفين
من غير طريقه بعدد أقل مما لو روي من طريقه عنه.
مثاله : ما قاله
ابن حجر : " كأَنْ يقع لنا ذلك الإسناد بعينه ، من طريق أخرى إلى القَعْنَبي عن مالك ، فيكون القَعْنَبي فيه بدلا من قتيبة
.
3- المساواة: هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى
آخره مع إسناد أحد المصنِّفين .
مثاله:ما قاله ابن
حجر : " كأَنْ يَرْوي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي صلي الله عليه
وسلم فيه أَحَدَ عشر نَفْساً ، فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر ، بيننا وبين
النبي صلي الله عليه وسلم فيه أَحَدَ عشر نفسا ، فنساوي النسائيَّ من حيث العدَد
"
4- المصافحة:
هي استواء عدد الإسناد
من الراوي إلى آخره مع إسناد تلميذ أحد المصنِّفين . وسُمِّيَتْ مصافحةً لأن العادة
جرت في الغالب بالمصافحة بين من تَلاَقَيا.
د) العلو بتقدّم
وفاة الراوي:
ومثاله ما قاله النووي
: " فما ارويه عن ثلاثة عن البيهقي عن الحاكم أعلى من أن أرويه عن ثلاثة عن أبي
بكر بن خَلفَ عن الحاكم ، لتقدم وفاة البيهقي عن ابن خلف
هـ) العلو بتقدم
السماع: أي بتقدم السماع من الشيخ، فمن سمع منه متقدماً كان أعلى ممن سمع منه بعده.
مثاله: أن يسمع شخصان
من شيخ، وسماع أحدهما منذ ستين سنة مثلاً، والآخر منذ أربعين سنة، وتَسَاوي العدد إليهما،
فالأول أعلى من الثاني، ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه أو خَرِفَ.
4- أقسام النزول:
أقسام النزول خمسة،
وتعرف من ضدها، فكل قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول.
5- هل العلو أفضل أو النزول ؟
أ) العلو أفضل من
النزول على الصحيح الذي قاله الجمهور، لأنه يُبْعِدُ كثرةَ احتمال الخَلَل عن الحديث،
والنزول مرغوب عنه، قال ابن المديني " النزول شؤم " وهذا إذا تساوي الإسناد
في القوة.
ب) ويكون النزول
أفضل إذا تميز الإسناد النازل بفائدة
6- أشهر المصنفات فيه :
لا توجد مصنفات خاصة
في الأسانيد العالية أو النازلة بشكل عام ، لكن افرد العلماء بالتصنيف أجزاء أطلقوا
عليها اسم " الثُلاثيات " ويعنون بها الأحاديث التي فيها بين المصنِّف وبين
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص فقط ، وفي ذلك إشارة إلى اهتمام العلماء
بالأسانيد العوالي ، فمن تلك الثلاثيات .
أ) ثلاثيات البخاري، لابن حجر.
ب) ثلاثيات أحمد بن حنبل ، للسَّفَّاريني .
إرسال تعليق