طرق اكتساب الأخلاق الفاضلة
ذكرنا عند بيان أسس
ومنطلقات الأخلاق الحسنة بأنها: إيمانية، وجدانية، فطرية، مكتسبة، وأشرنا إلى أن لدى
النفس الإنسانية استعداداً فطرياً لاكتساب مقدار ما من الأخلاق الفاضلة.
فكيف تكتسب الأخلاق
الفاضلة؟ وما الوسائل والأسس التي يلزم اتباعها لمن أراد أن ينال فضل تلك الأخلاق الفاضلة،
ويرقى بنفسه إلى مصاف محاسن الأخلاق وينأى بنفسه عن رذائلها، هناك أساليب عديدة نذكر
منها ما يلي:
1- الاهتداء
بكتاب الله وسنة رسوله ^، وهذه أهم وأشمل وسيلة يسلكها المسلم لاكتساب الأخلاق الفاضلة،
فما وجدت في كتاب الله وسنة رسول الله ^ من أوامر وتوجيهات إلهية فخذ بها والتزم بها،
وما وجدت فيها من نواهٍ فابتعد عنها([385]).
2- الطمع
في مرضاة الله والخوف من عقابه، فهذا سبيل المسلم في كل شؤون حياته من عبادات وشرائع
ومعاملات وسبل كسب الأخلاق الفاضلة، واستحضار منزلة الأخلاق الفاضلة ومكانتها، وما
أعده الله لأهلها من الثواب الجزيل يعين على الصبر والمصابرة والتـخلق بالخلق الحسن.
3- تعلم الأخلاق الفاضلة، والتدرب عليها، فكم من
إنسان لا يعلم أسس الأخلاق الفاضلة من كتاب الله وسنة رسوله ^، أو ما قعده العلماء
من قواعد وأسس استنبطوها من كتاب الله وسنة رسوله ^ لا يتوصل إليها إلا بالقراءة والتعلم،
ومع القراءة والتعلم والإطلاع يحتاج الإنسان إلى تدريب ومجاهدة نفسه على تطبيقها وتكرارها،
والتدرب عليها حتى تصبح عادة يسهل عليه أداؤها من غير بذل جهد، ومما يدل على أن مجاهدة
النفس وتدريبها على الخلق الحسن وسيلة إلى تحققه ما ثبت في الصحيح أن النبي ^ قال:
«ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله»([386])وقال ^:
«إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم».
أي يحاول أن يُعلم
نفسه ويدربها على هذه الأخلاق حتى يعينه الله على تحقيقها، وقد يجد الإنسان العنت والمشقة
في تدريب نفسه للتـخلص من سلوك سيئ إلى خلق حسن، خصوصاً إذا كان ذلك السلوك السابق
راسخاً في النفس لزمن طويل، فمثلاً شارب الدخان إذا أراد أن يقلع عنه قد يجد من المشقة
والعنت الشيء الكثير ولكنه إذا استعان بالله تعالى وبذل أسباب التـخلص من هذا الخلق
الذميم وجاهد نفسه على ذلك وأراد مرضاة الله تعالى على هواه فسيجد الفرج بإذن الله
تعالى، وهذا تحقق لكثير من الناس أصحاب الهمم العالية والعزائم الراسخة والإيمان القوي
وكذلك في سائر الأخلاق الحميدة يكون تعلمه في أول الأمر شاقاً على النفس إذا لم تكن
في أصل طبيعتها الفكرية ولكنه بتدريب النفس عليه والتمرس والصبر والمران يصبح ذلك الخلق
سجية ثابتة يندفع الإنسان إلى ممارسة ظواهرها اندفاعاً ذاتيا دون أن يجد مشقة أو عقبة
من داخل نفسه.
4- القدوة الحسنة:
ولا أعظم من أن يتـخذ
المسلم رسول الله ^ قدوة حسنة في حياته كلها،
وسيرة رسول الله
^ كلها تعلمنا مكارم الأخلاق،كيف لا وقد وصفته عائشة t بأنه كان خلقه القرآن ^ وعلينا أن نتـخذ هديه ^ نبراساً لنا في حياتنا نهتدي
بهديه ^ في سلوكه وأقواله وأفعاله والذي لم يكن ينطق عن الهوى بأبي وأمي هو رسول الله:
? ? ?
? ? ?
? ? ?
? ?? فدونك أيها المحب لرسول الله
^ سيرته العطرة وأخلاقه الفاضلة مدونة إجمالاً في كتاب الله تعالى ومفصلة في كتب الحديث
والسيرة، وأوصيك أيها الحبيب بقراءة ما صح من سيرته ^ ومن أفضل الكتب في هذا الجانب
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم رحمه الله([387]).
ويأتي من بعده ^
قراءة سير وتراجم الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فقراءة سير الصالحين ترفع الهمم،
وتعلو بالأخلاق، وتهذب السلوك، إضافة إلى الاقتداء بالصالحين من المعاصرين، ولا يخلو
عصر من عصور الأمة الإسلامية من طائفة صالحة تصلح أن تكون قدوة حسنة وهو ما أخبر به
نبينا محمد ^: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم
حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»([388]).
ولا شك أن تأثير
القدوة المشاهدة يكون ذا أثر كبير في المتتلمذ على أصحاب الخلق الفاضل في سلوكهم وحديثهم،
وما حققوه من نجاحات وإنجازات في حياتهم.
والقدوة الحسنة هي
المثال الواقعي للسلوك الخلقي الأمثل، وهذا المثال والقدوة قد يكون مثالاً حسياً مشاهداً
ملموساً يقتدى به، وقد يكون مثالاً حاضراً في الذهن بأخباره وسيرته، فالقدوة من أنجع
المؤثرات في تكوين الشخصية ومن أكثر الأسباب أثراً في اكتساب الخلق الحسن أو ما يضاده.
5 ــ الرفقة والبيئة الصالحة:
وهذه من المؤثرات
الهامة في حياة الإنسان سواءً إلى الخير أو إلى الشر والعياذ بالله، فمن أراد أن يكتسب
الأخلاق الفاضلة فليحسن انتقاء الجليس الصالح الذي يدله على الخير ويبتعد عن جليس السوء
الذي يورده المهالك، وكما أخبر النبي ^ في تمثيله لأثر الجليس الصالح والجليس السوء
قال ^: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير...»([389])
الحديث.
وتدعو الشريعة الإسلامية
إلى اختيار الجلساء الصالحين ورفقاء السوء ضلال في الدنيا وخزي وندامة وعداوة في الآخرة،
وما أكثر رفقاء السوء
الذين يضلون الناس عن طريق الرشاد،
فالحذر الحذر أيها
الحبيب من مخالطة رفقاء السوء الذين يزينون لك الباطل ويدفعونك للوقوع فيه وعليك بمن
يدلك على الخير ويرشدك إلى الحق.
إن مخالطة مجتمع
المنحرفين وأهل الفسق والضلال يُكسب الشخص المخالط كل خصائصهم القبيحة وإن ملازمتهم
ومصاحبتهم يفقد الإنسان معيار الحق الذي يميز به بين الحق والباطل، فالحق لديه ما استحسنوه
والباطل ما أعرضوا عنه وإن كان من محاسن الأخلاق.
ومن أراد إصلاح نفسه
فعليه مغادرة تلك البيئة الفاسدة إذ من المتعذر إصلاح الإنسان نفسه أو إصلاح المربي
لرعيته ما لم يخرجهم عن تلك البؤرة الموبوءة.
ولا شك أن البيئة
المحيطة بالفرد أفراداً وجماعات لها الأثر الكبير في مسيرة حياته فليختر المسلم رفقاء
ومجتمعاً يعينه على طاعة الله تعالى، فصداقة الأخيار والغمس في البيئات الصالحة له
الأثر الكبير في تكوين الخلق الفاضل المحمود والعكس كذلك قال ^: «المرء على دين خليله
فلينظر أحدكم من يخالل».([390]) .
6 ــ مجاهدة النفس:
النفوس جُبلت على
حب الراحة والكسل والتفلت من القيود والتكاليف، ومن أراد معالي الأمور يلزمه مجاهدة
نفسه وأطرها على الخير أطراً، فلا هداية ولا نجاح في الدنيا والآخرة دون مجاهدة للنفس،
كما أخبر الله تعالى: ? ? ? ?
? ?? ہ ہ ہ ہ? [العنكبوت:
69].
وقد أخبر النبي
^ أن طريق الجنة وما يؤدي إليها من أعمال صالحة بما في ذلك مكارم الأخلاق محفوف بما
يشق على النفس مشقة محتملة تحتاج إلى مجاهدة، كما قال ^: «حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت
النار بالشهوات»([391]).
إن من يريد عظيماً
ويروم معالي الأمور يلزمه التميز عن غيره بالمجاهدة وبذل الثمن المناسب، من جهد وعزم
وتضحيات، وإلا لاستوى الناس جميعاً في فرص الوصول إلى المعالي من عمل ومن لم يعمل.
7 ــ التواصي بالخير والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر:
ومن أساليب اكتساب
الأخلاق الفاضلة هذا الأصل العظيم من أصول الإسلام، وقد حث الله تعالى على التواصي
بالخير وجعله مع الإيمان بالله تعالى من الصفات التي ميز الله بها عباده المؤمنين دون
سائر الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام الأمان في هذه الحياة لا تستقيم
الحياة ولا يصلح المجتمع بدونهما، أمر الله بها عباده المؤمنين حتى يصلح الفرد ويتماسك
المجتمع من الانهيار وتحمى حمى مكارم الأخلاق
وقال ^: «من رأى
منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»([392]).
وجعل الله هذا الأصل
من صفات خيرية هذه الأمة على سائر الأمم فالتواصي بالخير والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر مصدر وأساس من أسس اكتساب الأخلاق الفاضلة في المجتمع وأسلوب من أساليب الحفاظ
عليها.
ونكتفي بهذه النقاط
أمثلة للوسائل والأساليب التربوية والإيمانية لاكتساب الأخلاق الفاضلة، وإلا لو أردنا
حصر معظم الوسائل والأساليب لطال بنا المقام، ولا شك أن لدور التربية والتعليم وقبلها
المنزل وللمجتمع ولسلطان الدولة الإسلامية القائم على التواصي بالخير والتناهي عن الشر
دوراً هاماً في إكساب الأخلاق الحميدة بجانب ما ذكر من أساليب تدخل في المسؤولية الفردية
المنبعثة من الشخص نفسه لمن أراد التـخلق بالأخلاق الحسنة.
Post a Comment