ثقافة المهاجر

مثلت فرنسا في حقبة سالفة محطا  ً للهجرة ، والتي غالبا ً ما ارتبطت في بدايتها بالعجز في الأيدي العاملة ، ثم تحولت إلى هجرة سكن وإقامة لا سيما وأن القانون الفرنسي كان يحمي التجمعات العائلية ، إذن لم يعد ممكناً اعتبار المهاجرين مجرد " قوة عمل " تكميلية ومن ثم ّ, فقد صار لزاماً أخذ كافة أبعاد وجودهم بعين الاعتبارفمن الطبيعي أن يبدي السكان المهاجرون خصوصية معينة وأن تضطر السلطات العامة المهتمة بدمجهم في الحياة المحلية , إلى الاهتمام بهذه الخصوصيات . و من النظم  الثقافية الخاصة بالمهاجرين " التقاليد " و " الأعراف " و " السمات الثقافية " وتتحدد " ثقافة المهاجرين " انطلاقا ً من مجموعة من العلامات الخارجية ( الممارسات الغذائية , واللباسية والدينية والاجتماعية الخ ...)التي لا ندرك دلالتها العميقة ولا تجانسها ولكنها تسمح لنا بالتعرف على المهاجر,والتذكير بأصوله.

مناقشة :
س1/ كيف كانت إدارة الحكومة الفرنسية للاختلاف الثقافي لهؤلاء المهاجرين ؟.
ج1/ كانت إدارة الحكومة الفرنسية لهذا الاختلاف تتمركز حول محورين :
1.   تشجيع وعي المهاجرين بثقافتهم الأصلية ، المصطلح الذي سنرى كيف أنه انطوى على مغالطة كبيرة !.
2.   رفض الدمج الكامل للمهاجرين في الأمة الفرنسية . وقد بلغ الأمر حد الزعم أن المهاجرين غير الأوربيين " غير قابلين للاندماج " لأنهم يختلفون كثيراً من الناحية الثقافية عن الفرنسيين وذلك في إطار استحثاث المهاجرين للعودة إلى بلدانهم .
س2 / لا شك أن ما قامت به الإدارة الفرنسية من مماهاة ثقافة المهاجرين بالثقافة الأصلية محض تلاعب ينطوي على سلسلة من الأخطاء ، كيف يمكن قراءة هذه الأخطاء ؟.
ج2/  يمكن قراءة هذه الأخطاء كما يلي :
1.   لا يجمل بنا أن نتعامل مع الثقافة باعتبارها " شيئا ً " أو حقيبة تحمل من مكان لآخر وفق نسق مستقر دون أن يطرأ عليها تأثير وتغير من جراء عملية النقل هذه ، إذا كان الأمر بهذه الصورة فما هو موقع هذه الثقافة التي يجري الحديث عنها من هذا التغير الحتمي !.
2.   مصطلح " ثقافة الأصل " غامض دلاليا ً وبالتالي فهو ضعيف إجرائيا ً ، فأي أصل يراد تعيينه ؟ الأصل القومي أم المحلي أم الاجتماعي أم ...
3.   استخدام  مصطلح " ثقافة الأصل " بهذه الصورة يؤدي إلى الحط من شأن التغير الثقافي الذي تحدثه الهجرة لدى تاركي أوطانهم .
4.   أن في استخدامه بهذه الصورة حجب للتغير الثقافي الذي يشهده المجتمع الأصلي أي أن التغير مزدوج يشمل المهاجر وبلده الأصلي.
5.   أن فيه إنكارا ً للتنوع الاجتماعي الذي يكون عليه المهاجرون المتحدرون من المجتمع الواحد باعتبار أن عدم احتلالهم الموقع الاجتماعي نفسه يجعلهم لا يرتبطون بثقافة الأصل بالعلاقة نفسها .
6.   أن ثقافة الأصل لا تمكن من تفسير الاختلاف في اندماج المهاجرين أصليي البلد الواحد وتثاقفهم في مجتمع الاستقبال بقدر ما تمكن منه البنى الاجتماعية والعائلية التي لمجموعة الأصل التي ينتمي إليها المهاجرون . 
س3/ بعيدا عن الخطاب الأيديولوجي السابق ، ماذا عن التحليل الأنثروبولوجي لثقافة المهاجرين ؟.
ج3/ على صعيد التحليل الانثروبولوجي , سنلاحظ حتماً أن ثقافات المهاجرين هي , في إطار مجتمع الاستقبال , ثقافات قلل من شأنها , وثقافات خاضعة . وهناك ماهو أكثر من هذا . يرى عدد كبير من المهاجرين , بالمعنى الحقيقي للكلمة , أي مهاجري الجيل الأول أن الثقافة الأصلية التي يجهدون في المحافظة عليها على الرغم من كل الظروف , لم تعد  في البلد المضيف إلا " ثقافة مفتتة" , ثقافة مجزأة , تم اختزالها إلى بعض عناصرها . إنها لم تعد إلا ثقافة غير مندمجة desintegree , ومفككة ولم تعد تشكل منظومة متجانسة وبعبارة أخرى لم تعد ثقافة تامة .



Post a Comment

Previous Post Next Post