فتح جزيرة قبرص
افتقدت الدولة العثمانية،
في عهود خلفاء السلطان سليمان، سياسته، الرامية إلى التركيز على الفتوحات، سواء في
الشرق أو في الغرب. وظهر نوع من الفتور والضعف في أركان الدولة، ولا سيما بعد أن تخلى
السلاطين عن الاشتراك بأنفسهم في الحروب. وبقيت المشروعات، التي تقدم بها الوزير الأعظم،
صقوللي محمد باشا، حبراً على ورق. وكانت تلك المشروعات تحوي: افتتاح قناة السويس، بغية
اتباع سياسة أكثر فعالية في المحيط الهندي؛ ومنع النفوذ الروسي، الذي بدأ يكتسب أهمية
تجارية، واقتصادية، وسياسية، بعد استيلائهم على قازان وأستراخان؛ وتوثيق العلاقات مع
المسلمين في آسيا الوسطى.
والحقيقة إن السبب،
الذي دفع بالعثمانيين إلى تأخير الشروع في تلك الخطط، هو تركيز جهودهم على فتح جزيرة
قبرص. إذ إنها كانت حصناً منيعاً، ساهم في عرقلة التجارة البحرية بين إستانبول ومصر.
وكانت قبرص يحتلها أهل البندقية، الذين دأبوا على مهاجمة السفن التجارية وقوافل الحجاج
المسلمين. وبعد صدور فتوى شيخ الإسلام، عام 975هـ (1567م)، بضرورة فتح هذه الجزيرة،
شرعت الدولة العثمانية بكل ما أوتيت من قوة في فتحها. وتمكنت، خلال عامي 978 ـ 979هـ
(1570 ـ 1571م)، من دخولها. وعلى الرغم من هزيمة الأسطول العثماني انهزم في لبانتو
(اينة باختي)، أمام أسطول دول الحلف الصليبي، عام 979هـ (20 مايو 1571م). إلاّ أن جهود
العثمانيين ومثارتهم لطرد أساطيل الأعداء من مياه مودون، ونافارين، بعد ذلك بسنة واحدة،
قد قضى على آما الصليبين، ولا سيما الأسبان، في البحر المتوسط. كما أن اكتمال فتح تونس،
عام 982هـ (1574م)، أدى إلى هيمنة البحرية العثمانية على البحر المتوسط.
كان هذا أقصى ما
وصلت إليه الدولة العثمانية من القوة،
والنفوذ، والانتشار. ولم يزد عصر القوة هذا عن
نصف قرن كثيراً، ولم يشمل سوى عهد السلطان سليم الأول وابنه سليمان القانوني. وجاء
عصر الضعف بعدهما مباشرة. وبدأ الخط البياني للخلافة الإسلامية بعدهما في الهبوط باستمرار،
وإن كان يتوقف هذا الهبوط، أو يتوازن في بعض المراحل لقوة شخصية بعض الخلفاء أو لهمة
حاشيتهم، وخاصة الصدور العظام.
إرسال تعليق