حقيقة الأخلاق في المفهوم الغربي المادي.

بعد أن بينا أسس ومنطلقات الأخلاق في الإسلام، يحسن بنا أن نلقي الضوء على الوجه الآخر وهو الفكر الغربي المادي، فما الأسس والمنطلقات للأخلاق في هذا الفكر؟ وما أسباب الانحلال الأخلاقي المتفشي في الغرب؟ .
يدعي عدد من المفكرين الغربيين أن لا صلة بين الأخلاق والدين، وينفون بذلك المصدر الديني للأخلاق.
ويزعمون أن الأخلاق منبعها مصالح الإنسان وحاجاته، وهو ما يسمى في الفكر الغربي بالأخلاق النفعية وهي ما يسمونه بـ (البراجماتية)([326]).
وقد ادعى رواد المذهب النفعي أن الطبيعة الإنسانية طبيعة أنانية تعمل لتحقيق المصالح الذاتية،([327])ويدعون أن الإنسان إن أحسن إلى الآخرين وحسن خلقه فإنما هو اضطرار ولتحقيق مكاسب خاصة، فالسلوك الإنساني لديهم مفطور على مبدأ المنفعةً كما يزعمونً وأن الإنسان خلق عبداً لسيدين هما: اللذة والألم وهما اللذان يتحكمان في كل فعل أو قول أو سلوك يصدر عن الإنسان([328]).
فالخير - على حد زعمهم- ما يجلب اللذة وما يحقق المنفعة الشخصية، والشر ما يجلب الألم ويفوت منفعة شخصية وهذه الأصول المادية منافية للحكمة من خلق الخلق، ومناقضة لما فطر الناس عليه من حب الخير للآخرين وما ندبت إليه نصوص الكتاب والسنة من مكارم الأخلاق والإيثار وحب الخير للآخرين قال ^: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»([329]).
وقال ^: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم»([330]).
وقد ادعى رائد المذهب النفعي في الغرب (توماس هوبز) أن الأخلاق مسألة نسبية اعتبارية تـختلف من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر، ومن مجتمع إلى مجتمع آخر فما يكون خلقاً حسناً في مجتمع لا يلزم أن يكون حسناً في مجتمع آخر، وما يكون قبيحاً في زمن قد يكون خلقاً حسناً في زمن آخر.
فالأخلاق عندهم مفاهيم اعتبارية نسبية تتواضع عليها الأمم والشعوب وليس لها ثبات في حقيقتها.
بل تتغير وتتبدل من مجتمع إلى آخر، وأن المجتمع هو مصدر تلك القيم وأن العقل الجمعي هو الحاكم على مسألة التحسين أو القدح في تلك القيم والأخلاق.
إن الزعم بأن الأخلاق نسبية مزلق خطير وخطة مسمومة لأصحاب هذا الفكر المادي ومن تابعهم لهدم أصول الأخلاق الحميدة، وحرباً على أصول الشرائع الإلهية الداعية إلى كل خلق حسن في كل زمان ومكان، وهذه المقولة – نسبية الأخلاق- تتردد على ألسنة من يسعون في الأرض فساداً في كل زمان ومكان وذلك لتكون هذه المقولة وهذا الأصل عندهم ذريعة لمن أراد أن يتمرد على أصول الأخلاق الحميدة زاعماً بان ما كان يصلح في زمان مضى لا يصلح تطبيقه في هذا الزمن، أو أن هذا الخلق يصلح لقوم دون غيرهم إلى غير ذلك من الأساليب الشيطانية للتنصل عن أصول الأخلاق الحميدة.
ومن المغالطات المصطنعة لأرباب الهوى في هذا الباب اعتمادهم على مفاهيم بعض الناس السقيمة للأخلاق، مع أن مفاهيم الناس قد تصدق وقد تكذب فهي لا تمثل جزءاً من حقيقة الشيء، وإنما تمثل مقدار إدراك أصحابها لحقيقة هذا الشيء فقد يكون هذا الإدراك مطابقاً وقد يكون مخالفاً، وقد يكون كاملاً وقد يكون ناقصاً ([331]).
وهكذا قد يُدخل بعض الناس في الأخلاق ما ليس منها كتقاليد وعادات وأحكام وضعية منحرفة ففساد مفاهيم الناس حول أصل من أصول الأخلاق لا يغير من واقع هذه الحقيقة شيئاً.

Post a Comment

Previous Post Next Post