. الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية
أمسكت جمعية الاتحاد
والترقي بزمام الأمور في الدولة العثمانية، وأطاحت بحكم السلطان عبدالحميد الثاني،
الذي كان يتحاشى الحروب بقدر الإمكان، محاولاً تحويل صراع الدول الغربية وروسيا على
الدولة إلى صراع فيما بينها. وكان برنامج الاتحاد والترقي في الحكم يتركز على التغريب،
وإحلال المؤسسات الغربية محل المؤسسات الإسلامية في الدولة، والتركيز على تتريك الحكم
والنظام، متأثرة في كل ذلك بالشعارات الغربية، مما أدى بها إلى التشجيع على القومية
التركية. فحصل النفور بين الشعوب الإسلامية المنضوية تحت لواء الخلافة الإسلامية وبين
برنامج الحكومة، ولا سيما بعد نشر الأفكار القومية لدى العرب أيضاً.
وفي خضم ذلك، نشبت
الحرب العالمية الأولى، عام 1333هـ (1914م)، التي تحالفت فيها الدولة العثمانية مع
ألمانيا والنمسا، ضد بريطانيا وفرنسا وروسيا. على أنه لم يكن لديها أي استعداد لخوض
غمار الحرب. وكان النصر، في السنتين الأوليين من الحرب، من نصيب الدولة العثمانية وحليفاتها،
غير أن قيام الثورة العربية الكبرى، بزعامة الشريف حسين عام 1335هـ (1916م)، كان أكبر
ضربة وجهت للدولة العثمانية والجامعة الإسلامية بوجه خاص. حيث فقدت الدولة مع نهايات
الحرب، عام 1338هـ (1918م)، كل أملاكها في الجزيرة العربية، بل في معظم البلاد العربية.
ووقعت عدة معاهدات، استهدفت تقسيم أملاك الدولة العثمانية. مثل معاهدة الآستانة عام
1334هـ (1915م)، ومعاهدة لندن عام 1334هـ(1915م)، ومعاهدة سايكس بيكو عام 1335هـ
(1916م)، ومعاهدة سان جان دي مورين عام 1336هـ(1917م)، ثم معاهدة سيفر عام 1339هـ
(1920م) التي عقدت في مدينة سيفر الفرنسية، وتخلت الدولة العثمانية بموجبها عما تبقى
من أراضيها في تراقيا بما في ذلك مدينة أدرنة، وتخلت عن حقوقها في جزيرتي إمروز وتندوس.
وقلصت تلك المعاهدة سيادة الدولة العثمانية، فقد حُدد عدد الجيش العثماني بخمسين ألف
جندي، يخضعون لإشراف الضباط الأجانب، وحُدد سلاح الجيش والأسطول، وأعيدت الامتيازات
الأجنبية، كما شُكِّلت لجنة جديدة للبت في الإشراف على الديون العثمانية، وعلى ميزانية
الدولة، وعلى الضرائب، والرسوم الجمركية، وغيرها من الأمور المالية.
وفي تلك الأثناء،
شُكِّلت حكومة في أنقره، بزعامة مصطفى كمال آتاتورك، كانت منفصلة عن حكومة إستانبول.
وبدأ النظام الجديد في أنقره، معلناً التمرد على حكومة إستانبول، وجعل من المجلس الوطني
الكبير حكومة فعلية، حيث أقر المجلس، عام 1340هـ (1921م)، الدستور الجديد، ورفض كل
المعاهدات التي أبرمتها حكومة إستانبول، وفي الوقت نفسه، عقد مصطفى كمال اتفاقاً مع
روسيا، اعترفت روسيا بموجبه بالميثاق الوطني الذي أعلنته حكومة أنقره.
كما عقد مؤتمر
في لندن عام 1340هـ (1921م)، للتخفيف من شروط الصلح، مما أضفى طابعاً شرعياً على حكومة
أنقره، في إرجاع القرار الخاص بوضع الأناضول إليها. وقد جرت عدة اتفاقات مع الدول المعنية
في الانسحاب من بعض الأراضي التركية، فتنازلت روسيا عن باطوم، وفرنسا عن كيلكيا، وإيطاليا
عن أنطاكيا، ونشب القتال مع اليونانيين، وانتصرت القوى الوطنية في معركة سقاريا على
اليونانيين عام 1340هـ (1922 م). ورغم أن حكومة إستانبول دعت إلى مؤتمر لوزان إلى جانب
حكومة أنقره، إلا أن الأخيرة قامت بإلغاء السلطنة من نظام الدولة العثمانية في 12 صفر
1341هـ (4 نوفمبر 1922م)، حتى لا تلقى القبول لدى المؤتمر، فاستقال الصدر الأعظم توفيق
باشا، ولم يعين السلطان محمد السادس غيره مكانه، مما أشار إلى خضوع السلطان لحكومة
أنقره. وسافر السلطان إلى بريطانيا لاجئاً، فعينت حكومة أنقرة عبدالمجيد أفندي خليفة
في 26 ربيع الأول 1341هـ (16 نوفمبر 1922م)، متجرداً من صفة السلطان. وانتهت حرب الخلاص
الوطني، وأُعلنت الجمهورية في 30 ربيع الأول 1341هـ (20 نوفمبر 1922م)، ثم أُلغ يت
مؤسسة الخلافة من حياة تركيا في 28 رمضان 1342هـ ( 3 مايو 1924م)، وأُجبر أفراد أسرة
آل عثمان على مغادرة تركيا نهائياً.
وبذلك انطوت أخر
صفحة من صفحات تاريخ الدولة العثمانية، ونشأت على أنقاضها الجمهورية التركية، التي
اتخذت من العلمانية مبدأ لها في الحياة. وأُلغيت المؤسسات الدينية، وأُقيمت مكانها
مؤسسات أخرى، مبنية على مبدأ فصل الدين عن الدولة.
إرسال تعليق