الصــــــدق:
مصدر قولهم صَدَقَ
يصْدُقُ صِدْقاً، وهو مأخوذ من مادة (ص د ق)، التي تدلُ على قوة في الشيء قولاً أو
غير قول، ومن ذلك الصدق خلاف الكذب؛ لقوته في نفسه، ولأن الكذب لا قوة له([339]).
وفي الاصطلاح قال
الراغب: «الصدق: مطابقةُ القول الضمير والمخبر عنه معاً»([340]).
وقيل: استواء السر
والعلانية والظاهر والباطن بألاَّ تُكَذِبَ أحوالُ العبدِ أعمالَهُ، ولا أعمَالُهُ
أحوالَه.
والصدق شامل لحياة
الإنسان كلها، وعلاقته مع خالقه ومع الناس، فيدخل في القول والعمل والحال([341]).
والصدق رأس الفضائل
وأساس مكارم الأخلاق، أمر الله به وأثنى على المتصفين به
وحث عليه (ص) وأخبر
أنه الباعث على كل خير والموصل إلى منازل الأبرار، فقال ^: «عليكم بالصدق فإن الصدق
يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب
عند الله صديقاً، وإياك والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار،
وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً»([342]).
وأخبر جل وعلا أن
الصدق نجاة من الدنيا والآخرة،
والصدق سمة الأنبياء
عليهم أفضل الصلاة والسلام،
فالصدق من سمات الأنبياء
والملائكة والصالحين من عباد الله المؤمنين، وقد تمثل الصدق في حياته ^ فكان أفضل مثال
للصدق في حياته ودعوته ^، وكان ذلك فيه بمثابة السجية والطبع، فعُرف بذلك حتى قبل البعثة،
وكان لذلك يُلقب بالصادق الأمين، واشتهر بهذا وعُرف به بين الناس، وعندما جمع قريشاً
فقال لهم: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريدُ أن تُغير عليكم أكنتم مُصَدِّقي؟»،
قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً...».
والصدق دليل استقامة
الإنسان وسلامته، ومتى عرف المرء بالصدق وثق الناس بقوله، والصدق له آثاره العظيمة
في حياة الناس والمجتمع.
فالصدق طمأنينة،
قال ^: «الصدق طمأنينةٌ، والكذب ريبةٌ»([343]).
والصدق سبب للبركة
في البيع والأرزاق، قال ^: «البَيّعَان بالخيار ما لم يتفرقا – أو قال: حتى يتفرقا
– فإن صدَقَا وبيَّنا بورك لهما في بيعهم، وإن كتما وكذبا مُحِقَت بركُة بَيْعِهما»([344]).
وكل ما قيل في محاسن
الصدق يظهر في مقابلة مساوئ الكذب، وهو صفة من صفات المنافقين
وقال ^: «آية المنافق
ثلاث: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا ائتِمنَ خَانَ»([345]).
ولا يجتمع كمال الإيمان
والكذب في قلب مسلم، قال تعالى: ?? ? ?
? ? ?? [النحل: 16].
وأفحش الكذب ما كان
كذباً على الله عز وجل أو رسوله ^، ومن الكذب على الله التكذيب بآيات الله،
وقد أخبر الله تعالى
عن مصير المكذبين بآيات الله تعالى ومآل من كذب برسالة المرسلين عليهم الصلاة والسلام،
ومن الكذب على الله الافتراء على الله الكذب وعلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام،
وأعظم الكذب بعد
الكذب على الله الكذب على نبيه ^، ففي البخاري عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال:
سمعت النبي ^ يقول: «إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، من كذب عليَّ متعمداً فليتبوَّأ
مقعده من النار»([346]).
والكذب يؤدي بصاحبه
إلى النار، كما أخبر النبي ^ بأن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار،
والكذب يورث فساد الدين والدنيا، والكذاب مهمان بين الناس ذليل محتقر حتى وإن جاملوه،
فالكذب عقوبة في الدنيا قبل الآخرة، إذ يذهب المروءة والبهاء ويورث الذل والمهانة،
وهو دليل على خسة النفس ودناءتها، ومن الناس من يكذب ويصطنع الكذب لإضحاك الناس، وهو
موعود بالعذاب والعياذ بالله، قال ^: «ويلٌ للذي يُحدِّثُ بالحديث ليُضحك به القوم
فَيَكذِبُ ويلٌ له ويلٌ له»([347]).
إرسال تعليق