تفريد العقوبة الجنائية:
الفقه الجنائي الحديث لم يعد يعرف العقوبة
الثابتة أو المحددة تحديداً جامداً. بمعنى أنه إذا كانت العقوبة
معروفة مقدماً إلا أنها أصبحت متدرجة من حيث النوع والمقدار حتى
تتلاءم مع جسامه الجريمة وخطورة الجاني. هذا الأمر
الذي يعرف بتفريد
العقوبة الجنائية L’individualisation de la peine. ولهذا التفريد مستويات ثلاثة :
1-
أ :
التفريد التشريعي:
يكون التفريد تشريعياً L’individualisation
législative حين يراعي المشرع في إنشاءه للعقوبة
تدريجها بحسب ظروف كل مجرم ، فيفرض على القاضي تطبيق نص معين عقوبته أشد أو أخف
من العقوبة العادية المقررة لنفس الفعل إذا وقع في ظروف معينة أو من جناه محددين.
ومثال ذلك وجوب تشديد العقوبة إذا اتصل السلوك الإجرامي بواقعة إكراه مادي أو معنوي ( م. 268
عقوبات مصري) ،
أو إذا وقع هذا السلوك من طائفة معينة
(كالإجهاض الواقع من طيب أو صيدلي أو جراح أو قابلة م. 263
عقوبات مصري).
ومثال ذلك تقرير الإعفاء من العقاب في حاله إخبار أحد الجناة عن بقية شركاءه متى أوصل هذا الإخبار السلطات إلى
القبض على بقية الجناة (الأمر المقرر في جرائم العدوان على المال العام
وجرائم الإرهاب م88 مكرر هـ و م. 101 و م. 118 مكرر ب عقوبات مصري ).
2-
ب :
التفريد القضائي:
يكون التفريد قضائياً L’individualisation judiciaire إذا تم عن طريق الإنابة من قبل المشرع. فالأخير يضع العقوبة بين حد أدنى
وأخر أقصى ثم يترك للقاضي إعمال سلطته التقديرية بين هذين
الحدين حسب ظروف الجريمة والمجرم. ومن صور التفريد القضائي أيضاً أن يترك المشرع للقاضي الخيرة بين عقوبتين من نوعين أو
درجتين مختلفتين ، كالخيرة بين الإعدام والسجن المؤبد في الجنايات ،
أو بين الحبس والغرامة في الجنح ؛ أو إمكانية النزول
بالعقاب درجة أو درجتين وفقا لما تقتضيه ظروف الجريمة (م 17 عقوبات مصري). وصورة ذلك أيضاً الحكم بالعقوبة مع إيقاف تنفيذها
أو بنفاذها حسب الأحوال.
3-
ج :
التفريد التنفيذي:
يكون التفريد تنفيذياً L’individualisation
exécutoire حين يتاح للإدارة العقابية نفسها ، حال
تنفيذها للحكم الصادر بالعقوبة ، أن تعدل من طبيعة العقوبة أو من مدتها أو من طريقة تنفيذها حسب ما يطرأ على شخصية المجرم
ومدى استجابته للتأهيل والإصلاح.
فمثلا إذا كان نوع العقوبة يقتضي تطبيقها في الليمانات فيمكن لجهة
التنفيذ بعد فترة أن تنقل المحكوم عليه إلى أحد السجون العمومية إذا رأت أن التطور
الايجابي الذي طرأ على شخصيته لم يعد يناسب ظروف الليمانات. ومثال هذا النوع من التفريد أيضاً إمكانية إسقاط الجزء المتبقي من
العقوبة بعد فترة من البدء في تنفيذها وفقا لنظام الإفراج الشرطي أو العفو عن
العقوبة كلها أو بعضها أو إبدالها بأخف منها ، متى كان سلوك
المحكوم عليه ينبئ عن عدم العودة إلى طريق الجريمة مرة
أخرى[1].
إرسال تعليق