المساواة بين
المرأة والرجل في أحكام التشغيل
موقف
معايير العمل الدولية والعربية من المساواة بين المرأة والرجل في أحكام التشغيل :-
1-المساواة
في التشغيل في معايير العمل الدولية :-
تعد –
بحق – الاتفاقية الدولية رقم 111 لسنة 1958 بشأن حظر التمييز في الاستخدام والمهنة
من الاتفاقيات الأساسية الصادرة عن منظمة العمل الدولية لمواجهة التمييز بين
المرأة والرجل في مجالات الاستخدام والمهنة ، كما تعد هذه الاتفاقية أكثر من مجرد
وثيقة تكرس الإطار العام لتكافؤ الفرص ، وذلك بحظرها جميع صور التمييز أو الاستثناء
أو الفصل الذي من شأنه إبطال تكافؤ الفرص والمعاملة أو إنقاصه سواء عن طريق
التشريعات أو السياسات أو الممارسات الوطنية التي تنتهجها الدول .
كما قررت المادة الثانية من الاتفاقية المذكورة إلزام الدول
الأعضاء بصياغة وتطبيق سياسة وطينة ترمي إلى تشجيع تكافؤ الفرص في المعاملة في
الاستخدام والمهنة والقضاء على أي تمييز في هذا المجال ، كما نصت المادة الثالثة
من ذات الاتفاقية على التزام الدول بكفالة المساواة وعدم التمييز وأنشطة التوجيه
المهني والتدريب المهني وخدمات التوظيف (1) .
(1) راجع هذا المعنى : محمود سلامة – الوسيط في عقد
العمل الفردي – الجزء الأول – الطبعة الأولى المنامة 1999 ص585 وما بعدها ، الأمم
المتحدة وحقوق الإنسان – الذكرى الثلاثون ، نيويورك 1978 – ص151 ، صلاح محمد دياب –
شرح أحكام قانون العمل والتأمينات الاجتماعية– الطبعة الأولى – منشورات جامعة
البحرين المنامة 2013 ص 128 .
تجدر الإشارة إلى أن منظمة العمل الدولية قد سبق لها إرساء
مبدأ تكافؤ الفرص في المعاملة بين الرجل والمرأة لأول مرة في إعلان فيلادلفيا الذي
اعتمد سنة 1944 وأصبح جزءاً من دستور المنظمة.
2-
المساواة في التشغيل بين المرأة والرجل في معايير العمل العربية :
كرست
الاتفاقية العربية رقم (1) لسنة 1966 بشأن مستويات العمل ، والاتفاقية العربية رقم
6 لسنة 1976 بشأن مستويات العمل "معدلة" مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في
التشغيل بين المرأة والرجل ، حيث قررت أن تكون الحماية التي تقررها معايير العمل
واحدة ، والأ تنطوي على أية تفرقة بين العمال ، كالتفرقة بسبب الجنس ، ومع ذلك فإن
الاتفاقية العربية رقم 5 لسنة 1976 بشأن المرأة العاملة جاءت أكثر تفصيلاً في بيان
الأصل العام بشأن المساواة بين المرأة والرجل في مجال التشغيل والاستخدام ، حيث
يجب العمل على ضمان تكافؤ الفرص في الاستخدام بين الرجل والمرأة في كافة مجالات
العمل ، عند تساوي المؤهلات والصلاحية ، كما يجب مراعاة عدم التفرقة بينهما في
مجالات الترقي الوظيفي (1) .
3-
المساواة في التشغيل بين المرأة والرجل في تشريعات العمل العربية:
إن
مبدأ المساواة في أحكام التشغيل بين المرأة والرجل ، الذي كرسته معايير العمل
الدولية والعربية ، يعد أحد الضمانات الهامة التي تحول دون التمييز بين المرأة
والرجل في أحكام التشغيل ، ومن ثم فقد حرصت العديد من قوانين العمل العربية على
النص صراحة على هذا المبدأ الهام ، سيما الدول العربية التي صادقت على الاتفاقية
الدولية رقم 111 لسنة 1958 بشأن حظر التمييز في الاستخدام والمهنة . وتأكيداً لذلك
فقد ورد هذا الحكم في العديد من القوانين العربية ( المادة 29 من قانون العمل في
القطاع الأهلي رقم 36 لسنة 2012 في مملكة البحرين ، المادة 8 من المرسوم السلطاني
رقم 35 لسنة 2003 بشأن إصدار قانون العمل في سلطنة عمان)
___________________________________________
(1)
راجع في هذا
المعنى : محمود سلامة – المرجع السابق – ص644 وما بعدها ، صلاح محمد دياب ، المرجع
السابق – ص128 وما بعدها ، أحمد رشاد – شرح قانون العمل البحريني – جامعة العلوم
التطبيقية ، مملكة البحرين 2010 ، ص 186 وما بعدها .
(المادة
88 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 في جمهورية مصر العربية) ، (المادة 42 من
القانون رقم 5 لسنة 1995 بشأن قانون العمل في اليمن) ، (المادة 100 من القانون رقم
7 لسنة 2000 بشأن إصدار قانون العمل في فلسطين) ، (المادة 9 من القانون رقم 65
لسنة 1999 من مجلة الشغل في تونس )، (المادة 17 من القانون رقم 11 لسنة 1990 بشأن
علاقات العمل في الجزائر) (1) .
وعلى
الرغم من أن الكثير من تشريعات العمل العربية حرصت على النص صراحة على تأكيد مبدأ
المساواة بين المرأة والرجل في أحكام التشغيل متى تماثلت أوضاع عملهم ، إلا أن بعض
التشريعات العربية أغفلت النص على هذا المبدأ الهام الذي يعد أحد الضمانات
القانونية التي تكفل حماية المرأة فيما يتعلق بأحكام التشغيل من ساعات عمل وفترات
راحة وغيرها من الأحكام التي لا يتسع المجال لذكرها ، ومن ثم يجب أن تعمل هذه
الدول على تعديل تشريعات العمل بها بما يضمن النص صراحة على مبدأ المساواة بين
المرأة والرجل في أحكام التشغيل .
(1)أما فيما يتعلق بالعاملات في القطاع الحكومي في الدول
العربية ، فمن الملاحظ أن قوانين الخدمة المدنية في هذه الدول لم تنص على هذا
المبدأ صراحة ، ومرد ذلك أن الدولة باعتبارها صاحب العمل في القطاع الحكومي حريصة
على تطبيق مبدأ المساواة بين المرأة والرجل متى تماثلت أوضاع عملهم ، ومن ثم فمن
غير المتصور عملاً وجود حالات تمييز ضد المرأة فيما يتعلق بأحكام التشغيل .
الفرع الثاني
حظر التمييز في الأجور بين المرأة والرجل
أولاً
: موقف معايير العمل الدولية والعربية من حظر التمييز في الأجور بين المرأة والرجل
:
1-المساواة
في الأجور بين المرأة والرجل في معايير العمل الدولية:
تعد
الاتفاقية الدولية رقم 100 لسنة 1951 بشأن مساواة العمال والعاملات في الأجر عن
عمل ذي قيمة متساوية ، بداية تأكيد معايير العمل الدولية على مبدأ المساواة في الأجور بين العمال والعاملات، حيث
ترسي هذه الاتفاقية مبدأ عاماً هو أنه يتعين على الدول الأعضاء في منظمة العمل
الدولية، أن تعمل على كفالة مبدأ المساواة بين العمال والعاملات في الأجر عن عمل
ذي قيمة متساوية على جميع العاملين، وأن تضمن تطبيق هذا المبدأ (1) .
وقد
ألحقت بالاتفاقية رقم 100 لسنة 1951 آنفة الذكر ، التوصية رقم 90 لسنة 1951 والخاصة
بتساوي العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية ، وقد نصت هذه التوصية
على أن تقوم الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية باتخاذ الإجراءات المناسبة
لضمان تطبيق مبدأ المساواة بين العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية (2) .
___________________________________________
(1)كما أكدت هذه الاتفاقية على أنه لا يعتبر مخالفة
لمبدأ المساواة بين العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية ، وجود
توازن بين معدلات الأجور مقابل دونما اعتبار للجنس ، فروقاً في العمل الواجب انجازه
عن التقييم الموضوعي للوظائف .
(2)راجع في هذا : تقرير مكتب العمل الدولي ، تكافؤ الفرص
في المساواة في المعاملة بين الرجل والمرأة ، المقدم إلى مؤتمر العمل الدولي ،
الدور (71) سنة 1985 ص108 " وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية الدولية الصادرة
عن منظمة العمل الدولية هي التي يجري تصديق الدول الأعضاء عليها لتصبح جزءاً من
تشريعاتها الداخلية حسب الإجراءات الدستورية المطبقة لديها ، في حين أن التوصية
الدولية هي غير ملزمة ومتروك تطبيقها للدول الأعضاء حسب رغبة كل دولة . وترجع
العلة في وجود توصيات إلى جانب بعض الاتفاقيات التي تعالج أمراً معيناً ، في أن
المنظمة تسهل على الدول الأعضاء الالتزام بما جاء في التوصيات برغبتها دون أن تقوم
بالتصديق على الاتفاقيات التي تعالج نفس الأحكام .
2- المساواة
في الأجور بين المرأة والرجل في معايير العمل العربية:
كرست
الاتفاقية العربية رقم 6 لسنة 1976 بشأن مستويات العمل "معدلة" مبدأ
المساواة بين المرأة والرجل في الأجور متى تماثلت أوضاع عملهم ، حيث نصت المادة 42
منها صراحة على أن تمنح المرأة العاملة الأجر المماثل لأجر الرجل ، وذلك عند تماثل
العمل ، وبذلك تشترك معايير العمل العربية مع معايير العمل الدولية في إقرار مبدأ
المساواة في الأجور بين العمال والعاملات ، وذلك حرصاً على منع التمييز ضد المرأة
فيما يتعلق بالأجر الذي تحصل عليه مقارنة بالأجر الذي يحصل عليه العامل متى تماثلت
أوضاع عملهما (1) .
3-
المساواة في الأجور بين المرأة والرجل في تشريعات العمل العربية :
إذا
كانت معايير العمل الدولية والعربية قد كرست مبدأ المساواة في الأجور بين المرأة
والرجل متى تماثلت أوضاع عملهما على النحو السابق ، فإن المشرع الاجتماعي في
غالبية تشريعات العمل العربية ، حرص على إرساء هذا المبدأ ، وذلك اعترافاً منه
بأهمية النص على هذا المبدأ للحيلولة دون وقوع التمييز ضد المرأة . وتأكيداً لذلك تضمنت العديد من تشريعات العمل العربية
بعض النصوص التي تقرر صراحة هذا المبدأ منها القانون البحريني (المادة 39 من قانون
العمل في القطاع الأهلي رقم 36 لسنة 2012)، والقانون الكويتي (المادة 26 من قانون
العمل في القطاع الأهلي) ، القانون الإماراتي (المادة32 من القانون الاتحادي رقم 8
لسنة 1980 بشأن تنظيم علاقات العمل) ،
القانون القطري (المادة 93 من القانون رقم 14 لسنة 2004 بشأن إصدار قانون العمل) ،
القانون المصري (المادة 35 من قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003) ، القانون
اليمني المادة 42 ،67/أ من القانون رقم 5 لسنة 1995 بشأن قانون العمل) .
___________________________________________
(1) راجع في هذا المعنى : محمود سلامة – المرجع السابق –
ص 645 وما بعدها .
وإذا
كانت غالبية التشريعات العربية قد كرست مبدأ المساواة في الأجور بين المرأة والرجل
متى تماثلت أوضاع عملهما ، إلا أن تفعيل هذا المبدأ يحتاج لتدخل الدولة من خلال
الرقابة التي يقوم بها مفتشو العمل على أصحاب الأعمال في القطاع الخاص للتأكد من
تطبيق هذا المبدأ الأمر الذي يحول دون وقوع حالات انتهاك له من جانب بعض أصحاب
الأعمال ، ومن ثم فإن الدور التوعوي الذي تقوم به الدولة ، فضلاً عن التفتيش على
أصحاب الأعمال ، يعد الضمانة الحقيقية لحصول المرأة على الأجر المماثل لأجر الرجل
سيما في القطاع الخاص .
إرسال تعليق