مصادر قواعد التنفيذ العقابي :
تتنوع المصادر التي تحكم نشاط المؤسسات العقابية حال
التنفيذ الفعلي للجزاء الجنائي. ويمكن أن نقسم هذه المصادر إلى
نوعين رئيسيين ، فمنها ما يكون ذو طابع داخلي ومنها ما يكون ذو طابع دولي.
1-
أ :
المصادر الداخلية لقواعد التنفيذ العقابي :
تأخذ معظم الدول بنظام توزيع قواعد علم العقاب التي
تحكم التنفيذ العقابي للجزاء الجنائي بين عدة قوانين ولوائح داخلية[1].
وإذا نظرنا إلى التشريع المصري
نجد أن المصادر الداخلية توزعت بين عدة قوانين منها قانون العقوبات (كالمادة 23
عقوبات التي تنظم خصم مدة الحبس الاحتياطي بمقدار الحكم الصادر بالغرامة ، والمادتان
34 و35 اللتان
تنظمان تنفيذ
العقوبات المتعددة على محكوم عليه واحد) وقانون الإجراءات الجنائية (الكتاب الرابع
المتعلق بالتنفيذ : المواد من 459 إلى 553 التي تنظم الأحكام واجبة التنفيذ ، وكذلك قواعد تنفيذ عقوبة الإعدام
وتنفيذ العقوبات المقيدة للحرية وتنفيذ المبالغ المحكوم بها والإكراه البدني وتقادم العقوبة ورد الاعتبار)
وكذلك المرسوم بقانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن
تنظيم السجون[2]. ويضاف
إلى كل ذلك اللائحة
الداخلية للسجون الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961. وقد تضمن هذا
القانون الأخير وكذلك اللائحة الداخلية بيان بأنواع السجون وقبول المسجونين
وتصنيفهم ومعاملتهم وعلاجهم وتأديبهم والإفراج عنهم والتفتيش على السجون والإشراف
القضائي عليها.
بيد أن بعض الدول اتجهت إلى نظام
توحيد قواعد علم العقاب ، أي ضم كل قواعد التنفيذ العقابي
في مدونه واحدة ، وهو اتجاه محمود يرجع الفضل في المناداة به إلى الأستاذ تسربوليو Zerboglio في إيطاليا
تحت تأثير مبادئ المدرسة الوضعية. وقد لاقت هذه الدعوة قبولاً لدى
بعض التشريعات ، ومنها قانون العمل العقابي الصادر في إتحاد الجمهوريات السوفيتية السابق في 16أكتوبر
1924 ، الذي تم تعديله في أول أغسطس من عام 1933 منظماً أساليب العمل العقابي وتفريد المعاملة العقابية وفقاً لمدة
العقوبة المقررة. ومن التجارب التي سعت إلى تكريس مبدأ توحيد قواعد
التنفيذ العقابي ما قام به الأستاذ جوزيف مانيول Joseph Magnol في مؤتمر
قانون العقوبات الذي انعقد في باليرمو بإيطاليا عام 1933. حيث قام هذا الأستاذ بتقديم مشروع
متكامل لقانون التنفيذ العقابي ، ضمن الكتاب الأول منه مجموعة من
القواعد العامة التي تحكم تنفيذ الجزاء الجنائي ، وتضمن الكتاب الثاني قواعد تنفيذ
العقوبات ، وخصص الكتاب الثالث لتنفيذ التدابير الاحترازية
، ثم خصص
الكتاب الأخير من المشروع لبيان القواعد التي تطبق بعد العقوبات والتدابير.
وكما سبق وأن قلنا فإن اتجاه التوحيد هو اتجاه مرغوب
الأخذ به ، حيث
ازدادت أهمية مرحلة التنفيذ العقابي بعد أن تغيرت فلسفة العقاب وأصبحت لا تنظر إلى
العقوبة والغاية منها على مجرد أنها ألم يهدف إلى الانتقام من الجاني ، بل أصبح التهذيب والإصلاح
والعدالة من بين أغراضها ، مما أدى إلى أتساع مجال علم العقاب وتنوع أساليب
المعاملة العقابية ، الأمر الذي يوجب على المشرع التدخل بضم كل
قواعد التنفيذ العقابي في مدونه واحدة تراعي الاتساق بين أحكامها[3].
2-
ب : المصادر الدولية لقواعد التنفيذ
العقابي :
تنبع أهمية دراسة المصادر الدولية
لعلم العقاب من كون هذه المصادر يمكن أن تحتل جزء من التشريع الداخلى إذا ما وقعت عليها الدولة وصدق
عليها البرلمان الوطني. فتكون هذه المصادر بمثابة قانون
وطني داخلي ملزم وواجب التنفيذ من سلطات الدولة كافة ، مثاله في ذلك مثل القوانين
الوطنية التي تصدر عن البرلمان (م151 من الدستور المصري). بل لا نغالي إذا قلنا أن هذه المصادر في تلك الحالة تكون لها قوة أعلى من
القانون الوطني تعادل القوة الممنوحة للنصوص الدستورية[4]. بيد أن
هناك العديد من النصوص الدولية التي ليس لها إلا طابعاً إرشادياً بالنسبة للمشرع الوطني
عند وضع النصوص الخاصة بالتنفيذ العقابي.
3-
النصوص الدولية ذات الطابع الإلزامي :
من بين أهم النصوص الدولية التي لها
طابع إلزامي في مواجهة المشرع الوطني عند تنظم أحكام التنفيذ العقابي يمكننا
أن نذكر العهد الدولي الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية ، الصادر عن الجمعية العامة للأمم
المتحدة بقرارها رقم 2200 (د-21) في 16 ديسمبر 1966 ، والذي دخل حيز التنفيذ في 23 مارس
1976[5].
ومن بين أهم أحكام هذا
العهد المتصلة بالتنفيذ العقابي
ما جاء بالمادة السابعة منه بحظر إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة
القاسية أو اللإنسانية أو الحاطة بالكرامة[6]. ولا يجوز على وجه الخصوص إجراء
أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر.
وكذلك ما جاء بالمادة العاشرة في فقرتها الأولى من وجوب معاملة جميع
المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصلية في الشخص الإنساني ،
وفي الفقرة الثانية من وجوب الفصل بين الأشخاص المتهمون عن الأشخاص المدانين ، إلا
في ظروف استثنائية ومعاملتهم على حدة بما يتفق وكونهم أشخاصاً غير مدانين. كما جاء
بذات الفقرة الثانية من المادة العاشرة من وجوب الفصل بين الأحداث والأشخاص
البالغين ووجوب إحالتهم على وجه السرعة للقضاء للفصل في قضاياهم. وأكدت الفقرة
الثالثة من ذات المادة على أن يراعى نظام السجون معاملة المسجونين
معاملة يكون هدفها الأساسي إصلاحهم وإعادة تأهيلهم
الاجتماعي ، مع التأكيد ثانياً على وجوب الفصل بين المذنبون
الأحداث والبالغين ووجوب معاملتهم بما يتفق مع سنهم ومركزهم القانوني.
وأكدت المادة الحادية عشر من ذات
العهد على عدم جواز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي. كما أكد
البند الرابع من المادة الرابعة عشر على أنه في حالة الأحداث يراعى جعل الإجراءات
مناسبة لسنهم ومواتية لضرورة العمل على إعادة تأهيلهم.
ومن بين المصادر الدولية
الإلزامية يمكن
أن نذكر أيضاً اتفاقية مناهضة
التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة La lutte contre la
torture et les peines ou les traitements
inhumains ou dégradants ، والتي اعتمدت وصدق عليها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم
39/46 في 10 ديسمبر عام 1984 والتي بدأ نفاذها في 26 يونيو عام 1987[7].
هذه الاتفاقية تحظر كل أشكال التعذيب ، الذي تعرفه في مادتها الأولى بأنه
"أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أم عقلياً ، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص ، أو من شخص
ثالث ، على معلومات أو على اعتراف ، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه
ارتكبه ، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو شخص ثالث ، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو
العذاب للأي سبب من الأسباب يقوم على التميز أياً كان نوعه ، أو يحرض عليه أو
يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك
الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي
يكون نتيجة عرضية لها"[8].
وتلقى الاتفاقية على عاتق الدول
الأطراف عبء اتخاذ كافة الإجراءات التشريعية والإدارية والقضائية الفعالة لمنع
أعمال التعذيب على إقليمها (م2/1). كما توجب على الدول الأطراف اعتبار جميع أعمال التعذيب
جرائم بموجب القانون الجنائي الداخلي (م4/1). كما تلزم الدول الأطراف بإدراج
التعليم والإعلام فيما يتعلق بحظر التعذيب في برامج تدريب الموظفين المكلفين
بإنفاذ القوانين وغيرهم ممن تكون لهم علاقة باحتجاز أي فرد معرض للأي شكل من أشكال
التوقيف أو الاعتقال أو السجن أو باستجواب هذا الفرد أو معاملته (م10/1). كما توجب
الاتفاقية إبقاء كل دولة قيد الاستعراض المنظم قواعد الاستجواب وتعليماته وأساليبه
وممارسته وكذلك الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الأشخاص
الذين يتعرضون للأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن وذلك بقصد منع حدوث
أي حالات تعذيب (م11). كما يجب على الدول الموقعة على
الاتفاقية أن تتعهد بصنع حدوث أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية
أو اللاإنسانية أو المهنية التي لا تصل إلى حد التعذيب وفق ما تم تحديده في المادة
الأولى (م16).
4-
النصوص الدولية ذات الطابع الإرشادي :
هناك من المصادر الدولية ماله طابع إرشادى بالنسبة للمشرع الوطنى ، ومن قبيل ذلك ما يصدر من اتفاقات إقليمية
لا تكون الدولة بحكم موقعها الجغرافي طرفاً فيها. فعلى سبيل المثال يمكن للمشرع
المصري مثلاً أن يسترشد في تنظيمه لقواعد التنفيذ العقابي بالاتفاقيات الصادرة عن
دول الاتحاد الأوروبي والمتصلة عموماً بحقوق الإنسان[9]. ومن قبيل
ذلك الاتفاقية
الأوروبية لحقوق الإنسان والقواعد العقابية الصادرة عن المجلس
الأوروبي والاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والعقوبات وكافة
أشكال المعاملة اللاإنسانية أو الحاطة من الكرامة[10]La Convention
européenne pour la prévention de la torture et des peines ou traitements
inhumains ou dégradants. ويمكن
أن نضيف إلى المصادر ذات الطابع الإرشادي ما يعرف باسم القواعد النموذجية الدنيا
لمعاملة المذنبين وكذلك مجموعة المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء.
فلقد تضمنت الاتفاقية الأوروبية لضمان حقوق الإنسان والحريات
الأساسية La
Convention de sauvegarde des Droits de l’Homme et des libertés fondamentales ، الصادرة عن المجلس الأوروبي
والموقعة بروما
في الرابع من نوفمبر عام 1950 وأصبحت نافذة في 3 سبتمبر عام 1953[11]
، العديد
من النصوص التي تتضمن حقوق الإنسان في كافة المراحل
، خاصة في مرحلة
التنفيذ العقابي ، التي يكون فيها الإنسان في أمس الاحتياج للبحث في
ضمان حقوقه الأساسية.
من قبيل ذلك يمكن أن
نذكر المادة
الثالثة التي تحظر التعذيب La torture وتحظر إخضاع الأفراد للمعاملة اللاإنسانية أو المهينة Traitement inhumain ou dégradent والمادة الرابعة التي تحظر الرق L’esclavage أو العمل
الجبري Travail forcé ، إلا في بعض الأحوال التي يحددها البند
الثالث من ذات المادة. وكذلك المادة الخامسة التي تؤكد حق الإنسان في الحرية Droit à la liberté وحقه في الأمن Droit à la
sûreté وتحظر كل مساس بهما ، إلا في الأحوال الاستثنائية
المذكورة في عجز البند الأول من المادة.
كما تؤكد الاتفاقية على ضمان حق الإنسان في المحاكمة العادلة Droit à
un procès équitable (م6) وحقه
في احترام حياته الخاصة والأسرية (م8) Droit au respect de la vie privée et
familiale وضمان حرية التفكير والعقيدة Liberté de pensée, de conscience et de religion (م9)
وحرية التعبير Liberté
d’expression (م10). وتحظر الاتفاقية كل
أشكال التمييز Interdiction
de discrimination بسبب الجنس أو اللون أو
العرق أو اللغة أو الدين أو الأراء
السياسية أو بسبب الانتماء للأقليات الوطنية L’appartenance
à une minorité nationale (م14) أو بسبب الثروة La fortune أو بسبب الميلاد... الخ.
ويعطي الباب الثاني من الاتفاقية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان La Cour Européenne des Droits de l’Homme حق
الاضطلاع برقابة احترام الدول الأطراف في الاتفاقية لتعهداتهم المتولدة عن
الاتفاقية وبروتوكولاتها (م19).
ويمكن للمشرع الوطني أن يسترشد أيضاً بما جاء في توصيات اللجنة الأوروبية الخاصة بالمشاكل الجنائية ، كأحد اللجان المتفرعة عن مجلس أوروبا. ونشير بصفة خاصة إلى ما جاء بالتوصية رقم R(87)3 ، الصادرة عن لجنة الوزراء في 12 فبراير 1987 والمتضمنة مجموعة القواعد
العقابية الأوروبية Règles pénitentiaires européennes(مئة قاعدة).
وقد اشتملت هذه التوصية على
خمس أقسام : الأول منها يتضمن بيان المبادئ الأساسية (ستة مبادئ) التي تحكم فلسفة
وإدارة المؤسسات العقابية والتي يجب أن تقوم على مبادئ الإنسانية Principes d’humanité والأخلاق Moralité والعدالة Justiceواحترام كرامة الإنسان Respect de la dignité humaine. ويبين
القسم الثاني إدارة المؤسسات العقابية Administration des établissements pénitentiaires ، بدأً من الاستقبال والتسجيل Accueil et enregistrement وتوزيع وتصنيف المحكوم عليهم Répartition et classification des
détenus وشروط أماكن الاحتجاز Locaux de détentionوالصحة الشخصية للمحكوم علية Hygiène
personnelle والملابس والنوم Vêtements et literie والتغذية Alimentationوالخدمات الطبية Services médicaux والتأديب والعقاب Discipline et punition
ووسائل الإكراه Moyens de contrainte
والإعلام وحق الشكوى Information et de droit de plainte والاتصال بالعالم الخارجي Contact avec le monde extérieur والمساعدة الدنية والأخلاقية Assistance religieuse et morale. أما القسم الثالث فيبين ما يتعلق بموظفي الإدارة العقابية ذاتها Les personnelsوما يشترط فيهم من شروط وما عليهم من واجبات.
أما القسم الرابع فيحدد أهداف المعاملة العقابية وأساليبها ومنها العمل Travail والتعليم Instruction
والتدريب البدني Education physiqueوممارسة الرياضات والهوايات وكذلك النظام
التمهيدي على الإفراج Régime préparatoire à la libration. ثم يأتي القسم الخامس لبيان الأحكام التكميلية المطبقة علي طائفة
معينة من السجناء ، سواء المحكوم عليهم جنائياً Prévenusأو المدانون بعقوبات غير
جنائية Condamnés par une procédure
non pénaleأو
المحتجزين من المرضى العقليين والنفسيين Détenus aliénés et anormaux
mentaux.
ومن بين أهم المبادئ التي جاءت بهذه التوصية يمكن أن نشير خاصة إلى
الآتي :
*- ضرورة احترام الكرامة الإنسانية والمعاملة الحيادية والعادلة غير القائمة
على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو اللغة أو الدين أو
العقيدة أو الرأي السياسي أو الانتماء إلى أقلية قومية أو الثروة أو الميلاد أو أى وضع آخر[12].
*- أن يكون الهدف من المعاملة العقابية المحافظة على صحة السجين وحماية
كرامته ، تنمية إحساسه بالمسئولية ، ومنح السجين الوسائل الضرورية لتأهيله
اجتماعياً.
*- ضرورة خضوع المؤسسات العقابية لتفتيش دوري من قبل سلطة
مستقلة عن الإدارة العقابية.
*- أن تسمح المؤسسات العقابية بالعزلة الليلية للسجناء
وأن تراعي الاشتراطات الصحية خاصة من حيث كمية الهواء والمساحة المكانية المتاحة
للسجين ، الإضاءة والتدفئة والتهوية. مع مراعاة أن تكون النوافذ من
الاتساع بما يمكن المحكوم عليه من استخدام الضوء الطبيعي.
*- وجوب قيام الإدارة العقابية باختيار موظفيها من بين
العناصر ذات الكفاءة المهنية وذات القدرة الشخصية على العمل.
*- وجوب الاستعانة بعدد كافي من الأخصائيين في مجال الطب
والأمراض النفسية والعقلية وعدد كافي من الأخصائيين الاجتماعيين والتربويين.
*- حظر اللجوء للقوة من قبل إدارة السجن تجاه المحكوم عليهم
إلا في الحالات الاستثنائية ، كأن يكون ذلك للدفاع عن النفس أو
منع المحكوم عليه من الفرار.
*- حظر إخضاع المحكوم عليه للتجارب التي تمس بالتكامل
الجسدى للإنسان ، كما يحظر إخضاعه للعقوبات
الماسة بالكرامة أو اللاإنسانية.
*- يجب على الإدارة العقابية أن تمكن للسجين فرص الاتصال
بها.
*- اعتماد مبدأ الشفافية مع السجين بأن تحدد الإدارة
العقابية له أنماط السلوك المحظورة ، وأن تبصره بالعقوبات التأديبية
التي يمكن أن توقع عليه في حالة مخالفة اللوائح الداخلية
للسجن ، وأن تسمح له بالتظلم في حالة توقيع أحد العقوبات
التأديبية عليه.
ولعل أهم القواعد التوجيهية أو الإرشادية للمشرع الوطني حال تنظيمه لقواعد التنفيذ العقابي ما يسمى بالقواعد
النموذجية الدُنيا لمعاملة السجناء Règles minima pour le traitement des
détenues ، التي أوصى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة
المجرمين الذي انعقد في جنيف بسويسرا عام 1955 وأقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي
بقراريه 663ج (د. 340) الصادر في 31 يوليه عام 1957 والقرار رقم 2076 (د. 620)
الصادر في مايو عام 1977[13].
وكما تحدد هذه القواعد النموذجية في ملاحظاتها
التمهيدية ، أنه ليس الغرض منها تقديم وصف تفصيلي
لنظام نموذجي للسجون ، بل إن كل ما تحاوله هو أن تحدد على أساس التصورات المتواضع على قبولها عموماً في أيامنا هذه والعناصر
الأساسية في الأنظمة المعاصرة الأكثر صلاحاً ، ما يعتبر عموماً خير المبادئ
والقواعد العلمية في معاملة المسجونين وإدارة السجون. لذا فإنه لاختلاف
القواعد القانونية والظروف الاجتماعية من بلد إلى أخر فإنه لا يرجى التوحيد في تطبيق هذه القواعد
النموذجية ، وإنما ما يرجى هو بذل الجهد المستمر للتغلب على العقبات
العملية التي تحول دون تطبيقها باعتبارها تمثل في جملتها الحدود الدُنيا التي
تعترف بها منظمة الأمم المتحدة. ولذا لا تمنع تلك المبادئ من الخروج
عليها متى كان هذا الخروج يتوافق مع جملة المبادئ ومع المعاني الكلية لها.
وتشتمل تلك القواعد النموذجية على جزأين : الأول منها يتناول القواعد المتعلقة بالإدارة العامة للمؤسسات الجزائية. وهذا الجزء ينطبق على جميع فئات المسجونين ، سواء كان سبب حبسهم
جنائياً أو مدنياً ، وسواء كانوا متهمين أو مدانين وبما في ذلك أولئك الذين ينطبق بحقهم "تدابير أمنية" أو
تدابير إصلاحية أمر به القاضي.
ولا تحاول تلك القواعد تنظيم إدارة المؤسسات المخصصة
للأحداث الجانحين (مثل الإصلاحيات أو
معاهد التهذيب... الخ).
ومع ذلك فإن الجزء الأول منها
يصلح أيضاً للتطبيق على هذا النوع من المؤسسات. ويبين الجزء الأول
القواعد الكلية التي تشمل تطبيق هذه المبادئ بحيادية ، مع
احترام المعتقدات الدينية والأخلاقية وعدم التمييز بين
السجناء بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي أو المنشأ القومي أو
الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر.
وتوجب القواعد الإمساك بسجل تبين فيه المعلومات عن
السجين ، وتوجب الفصل بين الفئات بما يراعى الاختلاف بين السجناء حسب سنهم وجنسهم
وسوابقهم وأسباب احتجازهم. ثم تبين ما يحكم أماكن الاحتجاز
من حيث عدد السجناء في الزنزانة الواحدة ومن حيث الاشتراطات الصحية لتلك الأماكن. ثم تبين ما يتعلق بالسجناء من حيث
نظافتهم الشخصية وطعامهم وما يمارسونه من ألعاب ، والخدمة المقدمة لهم ، وعقابهم
وتأديبهم والأدوات المسموح استخدامها لتأديب المسجون والحالات التي يجوز فيها ذلك.
ثم تحدد القواعد النموذجية ما للسجين من حقوق تتعلق بحقه في تقديم الشكوى وحقه في الاتصال بالعالم الخارجي وحقه في التعليم والحق في ممارسة
الشعائر الدينية ، وحقوقه في حالة الوفاة أو المرض أو النقل من سجن إلى آخر. وأخيراً تبين هذه القواعد الدنيا في جزئها الأول كل ما يتعلق بموظفي السجون من شروط وما عليهم من واجبات تجاه المسجون وكيفية التفتيش على هذه الأماكن.
ثم يبين الجزء الثاني من تلك القواعد المبادئ التي
يمكن أن تنطبق على فئات خاصة ، كتلك التي تنطبق على السجناء المدانون والتي تنطبق
على السجناء المصابون بالجنون والشذوذ العقلي والأشخاص الموقوفون والمحتجزون رهن
المحاكمة والسجناء المدينين والأشخاص الموقوفون أو المحتجزون دون تهمة.
ونشير أخيراً إلى مجموعة المبادئ
الأساسية لمعاملة السجناء ، التي
اعتمدت ونشرت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة رقم 45- 111 الصادر في 14 ديسمبر عام 1990. هذا القرار
الأخير يتضمن إحدى
عشر مبدأً تشتمل على القواعد الكلية أو الأصول التي يجب مراعاتها تجاه
السجناء أياً كان سبب احتجازهم. وأهم ما حرص هذا القرار على تأكيده هو احتفاظ السجناء بكافة حقوق الإنسان والحريات
الأساسية المبينة في المواثيق الدولية المختلفة (البند 5) ، ووجوب إلزام المؤسسات العقابية - وبمعاونة المجتمع المحلي
والمؤسسات الاجتماعية - على تهيئة كافة الظروف للإعادة إدماج السجناء المفرج
عنهم في المجتمع مرة أخرى (البند 10).
[1] تكتفي بعض الدول في تنظيم قواعد التنفيذ
العقابي بإصدار قرارات وزارية كما هو الحال في بلجيكا. راجع
C. Van
Wyngaert, La phase exécutoire du procès pénal en droit belge, Rapport présenté
au Colloque sur La phase exécutoire du procès pénal en droit comparé, Syracuse,
du 28 septembre au 3 octobre, 1988.
[3] في ذات المعنى د. يسر أنور علي ود. آمال عبد الرحيم عثمان ،
المرجع السابق ، ص302-303 ، د. محمد زكي أبو عامر ، المرجع
السابق ، ص314.
B. Bouloc, Pénologie, Précis
Dalloz, 1991, p. 43.
[6] وهو ذات الأمر الذي أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الصادر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
رقم 217 ألف (د-3) في 10 ديسمبر عام 1948 (م 5). د.
الشافعي بشير ، التعذيب في المعتقلات والسجون ووسائل مقاومته ، تقرير مقدم لمؤتمر
تدريس حقوق الإنسان في الجامعات العربية ، سيراكوزا ، يناير 1988 ، ص17 وما بعدها.
[7] وصدقت عليها مصر بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 154 لسنة 1986.
[8] حول مفهوم التعذيب في هذه الاتفاقية راجع د.
غنام محمد غنام ، حقوق الإنسان المسجون ، دار النهضة العربية ، بدون تاريخ ، ص25 ،
د. الشافعي بشير ، المرجع السابق ، ص16 وما بعدها. د. طارق عزت محمد رخا ، تحريم
التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بكرامة الإنسان ،
دراسة مقارنة في القانون الدولي العام والقانون الوطني والشريعة الإسلامية ، رسالة
دكتوراه ، المنصورة ، 1997 ، ص22 وما بعدها.
J. Robert,
Libertés publiques et droit de l’homme, éd. Montchrestien, 1988, p. 261 et s.
[9] راجع حول الاتفاقيات الأوروبية في هذا المجال
، مولر رابارد ، العدالة الجنائية وحقوق الإنسان : دور المجلس الأوروبي ، تقرير
مقدم إلى مؤتمر تدريس حقوق الإنسان في الجامعات العربية ، سيراكوزا ، ايطاليا ،
يناير 1988 ، د. طارق عزت محمد رخا ، المرجع السابق ، ص358 وما بعدها.
[10] والاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب صادرة عن
مجلس أوروبا في 26 نوفمبر 1987 ووقعت بمدينة ستراسبورج. وتحمل هذه الاتفاقية في
طياتها العديد من المبادئ التي لا تخرج في مجملها عما جاء بالاتفاقية الدولية لمنع
التعذيب لعام 1984 ، لذا فسوف نكتفي بما جاء في المتن عن هذه الاتفاقية الأخيرة
كمصدر لقواعد التنفيذ العقابي منعاً للتكرار.
[11] هذه الاتفاقية تم تعديلها بالعديد من البروتوكولات ، كان أخرها البروتوكول رقم 12
الصادر في روما في الرابع من نوفمبر عام 2000 . لمزيد من التفصيل حول الاتفاقية
وتعديلاتها راجع موقع وزارة العدل الفرنسية على شبكة الانترنت
www.justice.gouv.fr
[12] راجع في ذات المعنى المادة 14 من الاتفاقية الأوروبية لضمان حقوق
الإنسان وحماية الحريات الأٍساسية سالف الإشارة إليها في المتن.
[13] د. أحمد المجدوب ، معاملة المذنبين طبقاً
لقواعد الحد الأدنى ، المجلة الجنائية القومية ، مارس 1978 ، ص40 ، اللواء/ يس الرفاعي ، مجموعة قواعد الحد الأدنى
لمعاملة المسجونين ، المنظمة الدولية العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة ،
القاهرة ، 1965 ، ص 7 وما بعدها ، د. محمد أحمد المشهداني
، قواعد الحد الأدنى لمعاملة المسجونين ، رسالة دكتوراه ، عين شمس ، 1983.
Post a Comment