الغرض الردعي والتكفيري للحق في العقاب
     إن ظهور الغرض الردعي والتكفيري للحق في العقاب إنما يرجع في الحقيقة إلى سببين أو يستند على دعامتين ، مهدا لخروج العقاب من حيز الانتقام وإرضاء الآلهة إلى آفاق أخرى كالردع والتكفير والإصلاح. وهذين العاملين نوجزهما في الآتي :

1-                  أولاً
الحق في العقاب في الفلسفات العقابية الحديثة
2-                  تمهيد وتقسيم :
     لما كان سمة الفكر الإنساني هي التبدل والتطور ، فكان لابد من ظهور اتجاهات فكرية ومذهبية وفلسفية تعمل على تطوير النظام الجنائي الذي استقر طيلة العصور الوسطى. وكان للكتابات الإصلاحية التي حمل لوائها العديد من الفلاسفة والمفكرين أمثال كريتوس (1583– 1645) ، وهوبز (1588– 1679) ، ولوك (1632– 1755) ، ومونتيسكيو (1686– 1755) ، وروسو (1712– 1778) ، وفولتير (1689– 1755) ، وبيكاريا (1738– 1794) ، أثرها في التمهيد لقيام ثورات سياسة كالثورة الفرنسية التي عملت على تطوير النظام الجنائي والعقابي. فكان لها الفضل في إصدار إعلان حقوق الإنسان والمواطن في عام 1789 والذي كرس مبدأ الشرعية الجنائية والمساواة أمام القانون (م 6 من الإعلان) [1] وإحلال العقوبات السالبة للحرية محل العقوبات البدنية ووضع القيود على سلطة القضاء في التجريم والعقاب. فكما يقول مونتسكيو في مؤلفة "عن روح القوانين" "أنه من قبيل المبدأ الأبدي أن كل إنسان يحوز سلطة يسعى إلى إساءة استخدامها إلى أن يجد حدود تحده"[2].

وهذه الحدود ، فيما يتعلق بالحق في العقاب ، هي ما نسميها بالمدارس العقابية. والتي حاول مفكريها وضع الأسس والحدود التي ترسم للسلطة - المتمثلة في الدولة - كيفية وأسلوب ومقدار حقها في العقاب ، كما تحدد أيضاً الأهداف والغايات التي ترمي إلى تحقيقها من وراء توقيع العقاب.

وتتنوع المدارس العقابية بدءً من القرن الثامن عشر إلى وقتنا الحالي. ويمكننا أن نميز وفق التسلسل التاريخي بين المدار س التقليدية بطابعها النظري المجرد والمدرسة الوضعية بطابعها المفرط في استقراء الواقع ، ثم المدارس التوفيقية بين المذاهب السابقة ثم المدارس المعاصرة، سواء مذهب الدفاع الاجتماعي أو الاتجاه النيوكلاسيكي المعاصر.

ولكل من هذه المذاهب سوف نخصص مبحثاً مستقلاً نكشف فيه عن السياسة الجنائية لكل مذهب في مكافحة الظاهرة الإجرامية وعن الأساس الذي الأساس الذي اعتمده كل اتجاه للحق في العقاب.


[1] وجاء بهذه المادة أن القانون هو التعبير عن إرادة المجتمع ، والناس متساوون أمام القانون سواء فيما يتعلق بحمايتهم أو في عقابهم".
[2] C’est une expérience éternelle que tout homme qui a du pouvoir est porté à en abuser, il va jusqu’à ce qu’il trouve des limites. Montesquieu, De l’esprit des lois, 2ème partie, Livre XI, Ch. IV.

Post a Comment

Previous Post Next Post