الاسرة الخليجية
لو أمعنا النظر في المجتمع الخليجي قبل خمسون سنة لوجدنا
أن الغالب على المجتمع الخليجي هو حياة المدن الصغيرة والقرى والريف والبادية وهي
تطبع حياة هذا المجتمع بالتعايش الأسري القوي داخل محيطها المعروف من الأجداد إلى
الأباء إلى الأنباء داخل كيان واحد فيما يسمى بالعائلة الممتدة التي تضم الجد
والأبن والأبناء وزوجاتهم في منزل واحد ويظل المسن داخل إطار أسرته وبين أولاده
وبناته وزوجاتهم حتى يختم الله عز وجل حياته في هذه الدنيا وهذه الحالة كانت هي
السائدة في جميع دول الخليج للتشابه الوثيق في العادات والتقاليد والحياة
الاجتماعية والاقتصادية وفوق كل ذلك الدين.
ومنذ ثلاثين سنة تقريباً أي من بدايات السبعينات تغيرت
الظروف والأحوال كلياً حيث شهدت دول الخليج أكبر نقلة حضارية سريعة في العالم
وأخذت التحولات الاجتماعية تصاحب هذه الطفرة في جميع المجالات مصاحبة للخطط
والمشروعات الحديثة والتنموية في التعليم والاقتصاد والصناعة والتحضر السكني
والازدهار الاقتصادي والتطور الصحي وذلك برعاية حكومات الدول الأعضاء مما كان له
مؤشرات إيجابية وأخرى بلا شك سلبية على المجتمع الخليجي مباشرة.
ومن أبرز تلك المؤشرات التالي:
1- التوسع العمراني الكبير وانفصال الأبناء عن الآباء واستقلالهم في
مساكن خاصة متباعدة.
2- التحول من حياة البادية والفلاحة إلى الحياة المدنية المترفة والعمل
الوظيفي المريح.
3- الطفرة الاقتصادية التي شغلت معظم أفراد الأسرة من رجال ونساء في
معظمهم.
4- دخول عناصر خليط من العمالة في محيط الأسرة من مربيات وخادمات وسائقين
وتربويين أيضاً وثقافات وعادات مختلفة.
5- ظهور عادات غذائية وتقاليد لم تعرف من قبل في محيط الأسرة.
6- ضعف وضمور النشاط البدني وتوفر وسائل النقل الخاصة في المدن.
7- التفاوت الكبير في الثقافات والتعليم وطريقة التفكير بين الأبناء
والآباء نتيجة سرعة التنمية المتسارعة.
8- ظهور أمراض لم تكن منتشرة بين المجتمع الخليجي كالنفسية وزيادة بعضها
مثل السكري وأمراض القلب والشرايين وغيرها.
السكان في دول الخليج:
كانت دول الخليج حتى السبعينيات من القرن العشرين
(1970م) الغالب على تركيبة السكان هم من أهلها الأصليين أي من الجزيرة العربية
وبينهم القلة من الوافدين كالإيرانيين والباكستانيين في بعض دول الخليج وبعض
العاملين من الدول العربية وخاصة في المهن الوظيفية كالتعليم والطب وغيرها وهي مهن
تعليمية رفيعة وكان عدد السكان لا يتجاوز (7) سبعة مليون في جميع دول الخليج وبعد
استقلال دول الخليج وحدوث طفرة البترول والتغيرات الاقتصادية المتسارعة التي بدأت
منذ السبعينيات عندما تبنت حكومات ودول الخليج برامج تخطيطية كبيرة وطموحة جداً
احتاج الأمر معها إلى جلب العديد من العمالة المهنية العادية وخاصة من دول جنوب
شرق آسيا مما عدل التركيبة السكانية بصورة واسعة جداً حتى وصل عدد السكان في عام
1996م حوالي 27 مليون نسمة تمثل العمالة الوافدة 37% تقريباً في الدول الأعضاء
وبنسب مختلفة فيما بينها والغريب في الأمر أن هذه العمالة الوافدة أغلبها شابة
تنمو بمعدل 5% سنوياً وهي قادرة على العمل والعطاء، بينما يساهم نمو السكان
المواطنون بنسبة 3.5% مع نمو في نسبة الشيخوخة 65 سنة فأكثر بمقدار 2.5-3% سنوياً
في الدول الأعضاء ونعتقد أن اعتماد أغلب العائلات في الخليج على العمالة المنزلية
كالمربيات والخادمات والسائقين خلف تكوينة من العادات الدخيلة على المجتمع الخليجي
مما يتطلب في اعتقادنا دراسات مستفيضة في هذا الجانب خاصة في عناية تلك العمالة
بالأبناء والشيوخ على حد سواء وفي ظل تزايد القدوم مما ينبأ بكثافة سكانية متخلخلة
في ظل نمو اقتصادي مرتفع وإذا ظل الوضع كما هو الآن في نحو 5% للقدوم 3.5% تقريباً([1])
للمواطنين فإن سكان دول الخليج سوف يصبح في عام 2025م (83) مليون وبنسبة 51%
للوافدين مقابل 49% للمواطنين مع زيادة ملحوظة في نسبة الشيخوخة أيضاً
.
[1]
تقرير المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط عام 1999م صفحة 210
النمو السكاني 3.5 فقط.
Post a Comment