المرأة والتعليم
من أبرز نتائج جهود الدولة بإتجاه دعم دور المرأة الإماراتية التوسع الكبير في تعليمها إذ  نجحت التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة منذ نشأة دولة الإمارات الحديثة في خلق سياق عام مشجع لتعليم المرأة.
قبل الخوض في تفاصيل التركيبة التعليمية للسكان المواطنين تجدر الإشارة إلى أن البيانات الواردة هنا تقتصر على الأفراد الذين هم في سن العمل (أي 15 سنة فأكثر)، ولا تشمل من هم في الفئة العمرية 10 – 14 سنة. ومن ناحية أخرى فإن تصنيف المواطنين حسب التحصيل العلمي مبني على أساس الحصول أو عدم الحصول على مؤهلات تعليمية نظامية وليس على أساس معرفة أو عدم معرفة القراءة والكتابة. وبالتالي لا ينبغي أن يؤخذ على أنه توزيع للسكان بين الأميين واللاأميين.
تكشف بيانات الجدول (1) عن التحول الملحوظ في التحصيل التعليمي للمواطنين الذين هم في سن العمل وذلك من خلال التركيز على الأهمية النسبية للحاصلين على مؤهلات تعليمية إلى إجمالي المواطنين في سن العمل من الجنسين.
وتشير تقديرات هيئة تنمية الخاصة بأنماط النمو السكاني حسب التحصيل التعليمي إلى حدوث اتجاه تنازلي في الأعداد المطلقة والنسب المئوية للمواطنين من الجنسين ممن لم ينالوا أي قسط من التعليم النظامي والذين تناقصت أعدادهم بمتوسط معدل نمو سنوي سالب يبلغ (1.5%). ربما كان مرد ذلك إلى أن الأمية تكاد تتلاشى في أوساط الأجيال الشابة، بينما تهيمن على كبار السن الذين لم يعاصروا الطفرة التعليمية لكنهم لا زالوا أحياء. كذلك يبدو أن برامج تعليم الكبار تعتبر من العوامل المهمة الى ساهمت في تجسير الهوة بين حملة المؤهلات التعليمية ومن سواهم. 
كانت الزيادة الملحوظة في أعداد خريجي المرحلتين الثانوية وما بعد الثانوية من أهم التطورات التي طرأت خلال العشر سنوات الماضية،مما ساهم في زيادة الأهمية النسبية للحاصلين على مؤهلات تعليمية في إجمالى السكان 15 سنة فأكثر تبعا لنموهم بمعدل سنوي يقدر بنحو 6.8% مقارنة بنحو 4.9% لإجمالي السكان في سن العمل.

من ناحية أخرى يلاحظ التغيير الكبير في التركيب التعليمي للمواطنات. فعلى الرغم من البداية المتأخرة لتعليم المرأة، كما هو الحال في تجارب معظم الدول، إلا أن الإنجازات التي حققتها المرأة الإماراتية في هذا المجال كانت غير مسبوقة. وكما توضح البيانات الواردة في الجدول (1)  فإن نسبة الحاصلات على مؤهلات تعليمية إلى اللآئي هن بدون أي مؤهل تعليمي ارتفعت من 1.74 إلى 4.31 خلال الفترة بين العامين 1995 و 2006، على التوالي. وبشكل عام، يقدر متوسط معدل النمو السنوي للإناث الحاصلات على مؤهلات تعليمية بنحو 7.4% وذلك مقارنة بنحو 5.0% من إجمالي الإناث في سن العمل.
وفي ذات السياق تشير البيانات إلى أن المرأة الإماراتية قد سعت بجد ونشاط كبيرين للاستفادة من الفرص المتميزة للتعليم التي وفرتها الدولة للمواطنين إذ تشير المصادر الحكومية الرسمية إلى أن معدل معرفة القراءة والكتابة بين النساء المواطنات وصل إلى 90% عام 2007، وهي نسبة عالية جدا مقارنة بالكثير من الدول هذا إلى جانب ما سبق الإشارة اليه من التفوق العددي للإناث على الذكور على جميع مستويات التعليم.

لقد أدت كل هذه التطورات إلى تضييق فجوة المعرفة بين الذكور والإناث. قياسا بنسبة الذكور المتعلمين إلى الإناث المتعلمات فقد تقلصت هذه النسبة من 1221 من الذكور المتعلمين لكل 1000 من الإناث المتعلمات في عام 1995، إلى 1096 لكل 1000 في عام 2006، ويتوقع أن تستمر اتجاهات التنازل لتبلغ 1037 لكل 1000 في عام 2010. ولعله من المهم الإشارة إلى أن أعداد الإناث الحاصلات على شهادات المرحلة الثالثة من التعليم، (المرحلة ما بعد الثانوية) باتت تفوق أعداد الخريجين الذكور. حيث تشير التقديرات إلى انحسار نسبة الخريجين: للخريجات من هذه المرحلة من 1156 لكل 1000 إلى 923 لكل 1000، ثم إلى 845 لكل 1000 خلال أعوام 1995 و2006 و2010 على التوالي.
ولعل أبرز مؤشرات التطور الكبير وغير المسبوق في تعليم المراة الإماراتية يتمثل في بيانات التعليم العالي. فمن اللافت للنظر في هذا المجال إن النظام السياسي الذي دعم التوسع الهائل في التعليم العام في الدولة قد لعب دوراً كبيراً في نشأة الجامعات الحكومية، وعلى رأسها جامعة الإمارات، من ناحية، وتشجيع الإناث على هذا النوع من التعليم.
وكما توضح الأرقام فإن الفروق في موقفي كل من الفتيات والشبان من حيث إقبالهم على التعليم العام المؤدي للتعليم الجامعي آخذة في الاتساع؛ ففي حين تأخذ نسب مواليد المواطنين الذكور إلى الإناث مسارها الطبيعي (50.4% ذكور/ 49.6% إناث) حسب إحصائيات وزارة التخطيط ، فأننا نجد أن نسبة المواطنين الذكور الحاصلين على الشهادة الثانوية لعام 2003 تبلغ نحو 99 .47% ، مقابل 01 .52%  من الإناث، ويزداد التباين وضوحاً عند الوقوف على نسب اجمالي خريجي الطلاب الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي الحكومية التي تتضمن (جامعة الإمارات - جامعة زايد - كليات التقنية العليا) خلال العام الجامعي 2007- 2008 من الذكور والإناث.  إحصاءات هذه الجامعات والتي تبين أن نسبة الخريجات من الإناث تفوق نسبة الخريجين من الذكور بحوالي الضعفين، أي أن 26 .72% من الخريجين هن من الإناث، مقابل 73 .27% من الذكور فقط، وبلغ عدد الطلبة الجامعيين حسب الإحصائيات الأخيرة للسنة الحالية 2009 في الجامعات الحكومية الثلاث (30,283) طالباً وطالبة منهم (8,005) ذكور و(22,023) أنثى، حيث بلغت نسبة الذكور 65 .26% مقابل 34 .73% للإناث .


مما تقدم يتضح أن قضية التعليم لم تعد مسألة تعاندها العادات والتقاليد، بقدر ما أصبحت ضرورة حيوية من ضرورات الحياة المعاصرة بالنسبة للفتاة الإماراتية وبالنسبة لأسرتها، فلقد أصبح التعليم على سبيل المثال واحداً من أهم المتطلبات بالنسبة للفتاة الإماراتية، وهو الأمر الذي جعل الأسرة نفسها تشجعها على الحصول عليه والاهتمام به. من جانب آخر يشير واقع الحال إلى ان ما مالقيته قضية تعليم المرأة في دولة الإمارات من دعم من السطات السياسية ومن المجتمع قد إدى إلى خلق منافسة حقيقية بين الإناث والذكور.  فالدولة اتاحت فرصة الإستفادة من الإمكانيات التعليمية الهائلة لكافة المواطنين وفي السنوات الأخيرة.أن الفوارق في مستوى الاستفادة من هذه الإمكانات بدأت تظهر جلية لا سيما في مجال التحصيل الأكاديمي بين الذكور والإناث، وهي الظاهرة التي تتميز فيها دولة الإمارات العربية عن غيرها من بقية دول الخليج العربي.
لقد وصلت علاقة الفتاة بالتعليم العالي في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى مستوى لا يمكن وصفها إلا بالحالة الفريدة؛ ففي الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات في عدد كبير من الدول إلى منح الإناث حقهن في التعليم الأساسي ومساواتهن بالذكور في هذا المجال، نجد أن الفتاة الإماراتية قد تربعت بجدارة على مؤسسات التعليم العالي، ونالت درجات علمية متقدمة في عدد كبير من التخصصات العلمية، في المقابل هناك دعوات لحث الشبان الإماراتيين على الاستفادة من الفرص التعليمية والتسهيلات العديدة التي توفرها الدولة لهم.
لا شك أن واقعاً كهذا يبعث على الفخر، ويبشر بمستقبل واعد للمرأة الإماراتية، ولكن بالوقت نفسه يبعث على الخوف والهلع من مستقبل الشبان الذين يعرضون عن إكمال مسيرتهم التعليمية في مراحل مبكرة. الأمر الذي لا يمكن المرور عليه دون إثارة تساؤلات تجعل من الأمر ظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة، لمحاولة تفسيرها وبيان آثارها الآنية والمستقبلية على بنية الأسرة والمجتمع، وتحديد علاقتها بمواقع الفتيات والشباب وأدوارهم في المجتمع ومؤسساته المختلفة، إضافة إلى طرق التعاطي معها على مستوى المخططين وصناع القرار.

Post a Comment

Previous Post Next Post