السودان

   يحتفي السودانيون بشهر القرآن احتفاءً خاصاً وتبدأ استعداداتهم لصيام أيامه المباركة قبل حوالي شهرين، وتشمل استعداداتهم للشهر في أعداد الأطعمة الرمضانية وتهيئة أماكن الصلاة والإفطار والراحة وأهم ما يُعدُّ ويُصلح الرواكيب وهي مبانٍ من القشِ والطين تُنصب أمام الفرن، وتوضع فيها العناقريب، وتُفرش ويقضي الصائمون فيها أغلب وقت النهار وينامون فيها بعد صلاة الظهر.
   إنّ من التقاليد الموروثة عند السودانيين أنّ أحدهم لا يستطيع الفطور بمفردهِ، إذ لا بُدَّ من مشاركة أحد الصائمين له في إفطاره. ولهذا يجتمعون نراهم يجتمعون في الحي الواحد وتفرش لذلك الموائد قبيل وقت الفطور، ويأتي كل واحد طعامه على المائدة، ويحضرون الجرادل والكوز لغرف المشروبات منه، وصحن البليلة،  ويفطرون على التمر ثم يؤدون الصلاة، بعدها يبدأ فطورهم المكون من مائدة تضم الأواني الخاصة وأهمها إناء" الكورية "، الذي يشربون منه الليمون والحلو مُر والإبري،  لحم أم دكوكة، والعصيدة، والبليلة " لوبيا عدس" وتؤكل مع التمر، ويتناولون العصيدة أو كما يسمونها باللقمة. ويُطلق أهل السودان على كل الأطعمة التي يصنعونها في شهر رمضان اسم" مُوية رمضان"  والمُوية هي الماء، ويدل الاسم على المأكولات والمشروبات جميعاً. ومن عادات السودانيين إرسال-مُوية رمضان- إلى المسافرين من الأهل والأولاد أيّاً كان البلد الذي قصدوه، ونجد اهتمام والدة الفتاة المخطوبة بإرسال- مُوية رمضان - إلى خطيب ابنتها، وتحرص بعد لزواج على إرسالها أيضاً وتكون من التمر الجيد والإبري والحلو مُر والرقاق، وتوضع المُوية في قُفة وترسل معها إلى الخطيب أو الزوج بعض الآنية الخاصة بالشهر المبارك. 
   ويجلس الرجال بعد صلاة التراويح للمسامرة وتبادل الزيارات بين الأصدقاء، ويقرأ كبار السن القرآن الكريم ويذهب الشباب لزيارة الأقارب والأصدقاء، بينما يمارس الأطفال إحدى الألعاب الشعبية مثل لعبة  شليل أو كعوت، وتعني كلمة شليل من شلّ بمعنى طردَ وَفَرَقَ، ويؤدي الأطفال هذه اللعبة وهم يرددون:
        الأول    : شليل وينو
      الجماعة   : أكل الدودو
      الأول    :  شليل وين راح
     الجماعة    :ختفوا التمساح 
        ثم يرمي الأول حجراً بعيداً عن تجمعهم وهو يقول:
     شل إيد الرجال ما تنحل
       وهنا يتراكض الأطفال المشاركون ليحاولوا التقاط الحجر والعودة به إلى صاحبهم الذي رماه. أو أدائهم بتغيير لفظة  شليل إلى كعوت فيقولون:
    كعوت وينو؟
    أكلو الدودو
    كعوت وين راح؟
   أكلو التمساح
    بينما نرى المصلين يشكلون مجاميع عديدة إثر أدائهم لصلاة العيد ليقوموا بالتهنئة والتبريك للجيران بمناسبة عيد الفطر، فيقفون للمصافحة، وعند خروجهم يصطحبون صاحب الدار معهم لتهنئة الجار الآخر وهكذا حتى ينهوا جولتهم في الحي كله وتوزع الحلوى والتمر والكعك، ويتناول رجال الحيِّ  فطورهم مع أحد الوجهاء في منزله أو في المسجد أو الخلوة. وتُقدّم لهم في الفطور العصيدة، والمشبك والسكسكانية والشعبية واللقيمات بالعسل الصافي، مع شرب القهوة والشاي. وتكون أيام العيد مناسبة لحل الخصومات والمشاكل بين المتخاصمين، ويقول المتخاصمون لبعضهم:
أعفُوا عنّا؟
 
ويرد الآخرون عليه:
عافيناكم
    بعدها تتوجه كل عائلة إلى كبيرها لقضاء أول يوم العيد في دار البيت الكبير ، وهو بيت الجد والجدة - الحبوبة - في حين تكون زيارة الأماكن البعيدة والأصدقاء في اليوم الثاني من العيد خارج المدن.  ومن المتعارف عليه في السودان أن يعطي الرجال أي طفل يزور داره بعض المال كعيدية ولإدخال الفرحة على نفسه. ولا يخرج السوداني من بيته في اليوم الأول لأنه يتوقع في أية لحظة بأنّ ضيفاً ما سيزوره فجأة ولهذا ينتظره بفارغ الصبر.

Post a Comment

أحدث أقدم