إصلاح التعليم في الدول العربية من شأنه أن يُساهم في الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي ورفع مستوى الشعوب. لذلك هناك متطلبان رئيسيان : أولاً، الاعتراف بشجاعة بأن الوضع القائم حالياً لا يساهم في تنمية عقول الجيل الناشئ ليقوموا بما هو مطلوب منهم، وثانياً، الرغبة السياسية والوطنية بتطبيق التغييرات المقترحة. من أجل هذا لابد و أن تكون هناك شراكة مستدامة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني. ويجب أن يقوم المفكرون والقائمون على التدريس بالعمل جنباً إلى جنب لإنجاح هذه الشراكة.

هناك بُعد اجتماعي مهم لهذا كله ألا وهو نظرة المجتمع إلى أهمية التعليم والمعلومات. فقد بُنيت الحضارة الإنسانية على المعرفة والعلم وتطبيقاتهما. أما في العالم العربي، فقد أدى انتشار الثروات المادية إلى إعطاء أولوية للمال أكثر من العلم والمعرفة. هذا الوضع يجب أن يتم عكسه ويجب إعطاء أولوية أعلى لأولئك الذين يستفيد من عِلمهم المجتمع المحلي والإنساني.

من المكونات الرئيسية لإصلاح التعليم في الجامعات هو التركيز على البحث العلمي وتخصيص ميزانية أعلى لدعمه. أما في الدول العربية، فإن الحكومات تتعرض لضغوط ملحه  لتوفير الطعام والمأوى لشعوبها، ولذلك يصبح الإنفاق على البحث العلمي في أسفل قائمة الأولويات. وتكاد تكون ميزانية البحث العلمي من القطاع الخاص معدومة. بينما في الدول المتقدمة، فالحال غير ذلك، حيث يساهم القطاع الخاص بنسبة كبيرة من ميزانية البحث العلمي. على سبيل المثال، ينفق القطاع الخاص في أمريكا ضعف ما تنفقه الحكومة على البحث العلمي والتطوير. إن الإنفاق على البحث العلمي ليس رفاهية، إنه الضمان للتنمية المستدامة التي تعزز النمو الاقتصادي وتساعد على إبراز أي دولة إلى قائمة الدول الرائدة.

لا يوجد شيء في الشخصية العربية يمنعها من التطور والتحصيل. بل على العكس، فإن الحضارة العربية الإسلامية استمرت لثماني قرون على أكتاف الباحثين والعلماء والمخترعين في المجالات المختلفة. لقد قام القادة العرب والمسلمون بفتح قلوبهم وعقولهم وحدود بلادهم لكل من ساهم في تطوير حضارتهم.  لقد بنوا المؤسسات التعليمية على كل المستويات، ودعموا مراكز الأبحاث لتضيف المزيد إلى كنوز المعرفة في كل المجالات.  وكان هناك تقدير للباحثين بسبب إضافاتهم للعلم بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو موطنهم. ومن ضمن هؤلاء الباحثين برز مسلمون ومسيحيون ويهود من بلاد مختلفة. ويجب على الذين يؤمنون بالعداء الطويل الأمد بين العرب واليهود مراجعة هذه الحقيقة التاريخية. فعلى سبيل المثال، كان الفيلسوف موسى بن ميمون (1135-1204) يهودياً ولكن اسمه خُلِّد بِجدارة في التاريخ العربي والاسلامي. لقد ولد في قرطبة، ودعمه الخلفاء وكتب أغلب روائعه باللغة العربية، وقد استُقبل بحفاوة عندما قدم إلى القاهرة ليمارس عمله طبيباً لصلاح الدين الأيوبي. ولا تزال مؤلفاته مرجعاً حتى يومنا هذا.

لقد كانت المحافظة على المعرفة وزيادتها ونشرها السبب الرئيسي خلف نجاح الحضارة العربية الإسلامية واستمراريتها. فبالنسبة لهم كانت المعرفة والعلم أمران عزيزان ويشكلان قيمة كبيرة بغض النظر عن منشأهما، وكانتا حقاً لكل إنسان. إنه لمن الحتمي علينا تعلُم هذه الدروس المهمة من أجل تمهيد الطريق للجيل الجديد من العرب لتحقيق الحلم بمستقبل أفضل، ليساهموا في تطوير الحضارة الإنسانية المعاصرة.
ومن الضروري أن نتعلم من دروس الدول الناجحة، وأن نمضي للمستقبل بخطى ثابته وهذا النهج لن يكون ممكنا الا بالعلم والمعرفة. إن تطويرنا لأمتنا العربية هو واجب وطني وقومي يضاهي في أهميته الدفاع عن الاوطان وحمايتها. أيها العرب....انهضوا.

 لقد خسر العرب مشاركتهم في إنجازات عصر الصناعة ولذلك استمروا في استيراد  المعدات والمنتجات اللازمة من الآخرين. وحصل الأمر ذاته لاحقاً عندما لم يشارك العرب في العصر النووي، وأخفقوا في المساهمة في حل لغز الذرة، وكذلك استخداماتها السلمية. ومر عصر الفضاء بانعدام المساهمات العربية، وتصرف العرب كمن يشاهد مباراة رياضية يجهل قوانينها. وكان من أسباب عدم مشاركة العرب هو قناعتهم بأن إنفاق المال على البحث العلمي هو رفاهية لا تستطيع دفع نفقاته إلا الدول الغنية.

لقد لعبت مصر دورا قياديا في العالم العربي خلال أواسط القرن الماضي، حيث قامت بتوفير الثقافة والعلم، وتخرج منها القادة والمعلمون والمستشارون. ولكن الخسارة الكبرى التي تعرضت لها مصر عام 1967 أدت إلى ضعضعة ثقتها بنفسها، مما انعكس سلباً على محاور عديدة وانشغلت مصر برثاء النفس ودخل العالم العربي مراحل ركود ورثاء النفس أيضاً، لذلك يعد اصلاح وضع العرب من الخطوات الضرورية لتمكينهم من العودة للعب دور إيجابي وفاعل في المنطقة والعالم.


نعيش اليوم في عصر المعلومات، وسيُفوت العرب هذا العصر إذا لم يقوموا بتحديث وسائل التعليم ونُظُمه. إن تحسين التعليم والبحث عن المعرفة وزيادتها ونشرها والاستعانة بالمخترعين والمفكرين هي وسائل لازمة للنمو الاقتصادي. ولقد قدمت الدول الآسيوية (مثل اليابان والصين وماليزيا وكوريا والهند) مثالاً ناجحاً أدى فيه التركيز على التعليم إلى تطور اقتصادي ملحوظ. وتُمثل كوريا الجنوبية حالة خاصة حيث قامت -ولمدة عقد كامل- بإعطاء الأولوية العليا من الميزانية القومية للتعليم بغض النظر عن الاحتياجات الأخرى. وأدى هذا التخطيط إلى إنتاج جيل متعلم، يتميز بعلمه وتدريبه فأنتج بضائع متميزة في العالم بأسره. ويستمر هذا النموذج في عصر المعلومات، حيث أن مستخدمي الإنترنت في كوريا الجنوبية يفوق عدد المستخدمين في الولايات المتحدة. بينما لا يتجاوز عدد مستخدمي الانترنت من العرب 1.1% رغم انهم يشكلون 5% من سكان العالم.

لهذه الأسباب, تتعالى الأصوات المطالبة بالتغيير من داخل الوطن العربي وخارجه. ولتحقيق ذلك، لا بُد من ممارسة الحرية السياسية والديمقراطية، وخصخصة التجارة، وتحسين أوضاع المرأة. هذه الأهداف لن تتحقق طالما وُجدت الفجوة المعلوماتية. إن الاصلاح المنشود يبدأ من شعب متعلم يقوم فيه الأفراد بتحمل المسؤولية تجاه مجتمعهم ويتمتعون بالعلم والمعرفة ويتساوى فيه الرجال والنساء في تحمل هذه المسؤولية. إن تحليل مشاكل قطاع التعليم على هذا النحو المنفتح يعد ضرورياً لنشر الاصلاح المأمول واستمراريته.

Post a Comment

Previous Post Next Post