التعليم
الاستظهار من غير فهم
يرتكز التعليم المدرسي الحالي غالباً على طريقة الاستظهار
من غير فهم مما أدى إلى القضاء
على التفكير الذاتي والإبداعي. أما في الجامعات فقد أدى التعليم الجامعي المجاني
إلى تضخيم عدد الطلبة فى الفصل الواحد إلى درجة يصعب السيطرة عليهم، مما أسهم في
قتل الإبداع عند الطلبة والمدرسين على حد سواء. وساهمت عقود الإهمال وعدم اتخاذ الخطوات
الصحيحة الى إنتاج جيل من الشباب بلا هدف أو طموح، لينضم إلى قطاع كبير من القوى
العاملة غير المنتجة والسلبية في الدول العربية.
لقد خسر
العرب مشاركتهم في إنجازات عصر الصناعة ولذلك استمروا في استيراد المعدات والمنتجات اللازمة من الآخرين. وحصل
الأمر ذاته لاحقاً عندما لم يشارك العرب في العصر النووي، وأخفقوا في المساهمة في
حل لغز الذرة، وكذلك استخداماتها السلمية. ومر عصر الفضاء بانعدام المساهمات العربية،
وتصرف العرب كمن يشاهد مباراة رياضية يجهل قوانينها. وكان من أسباب عدم مشاركة
العرب هو قناعتهم بأن إنفاق المال على البحث العلمي هو رفاهية لا تستطيع دفع
نفقاته إلا الدول الغنية.
لقد لعبت مصر دورا قياديا في العالم العربي خلال
أواسط القرن الماضي، حيث قامت بتوفير الثقافة والعلم، وتخرج منها القادة والمعلمون
والمستشارون. ولكن الخسارة الكبرى التي تعرضت لها مصر عام 1967 أدت إلى ضعضعة
ثقتها بنفسها، مما انعكس سلباً على محاور عديدة وانشغلت مصر برثاء النفس ودخل
العالم العربي مراحل ركود ورثاء النفس أيضاً، لذلك يعد اصلاح وضع العرب من الخطوات
الضرورية لتمكينهم من العودة للعب دور إيجابي وفاعل في المنطقة والعالم.
نعيش اليوم في عصر المعلومات، وسيُفوت العرب هذا
العصر إذا لم يقوموا بتحديث وسائل التعليم ونُظُمه. إن تحسين التعليم والبحث عن المعرفة
وزيادتها ونشرها والاستعانة بالمخترعين والمفكرين هي وسائل لازمة للنمو الاقتصادي.
ولقد قدمت الدول الآسيوية (مثل اليابان والصين وماليزيا وكوريا والهند) مثالاً
ناجحاً أدى فيه التركيز على التعليم إلى تطور اقتصادي ملحوظ. وتُمثل كوريا
الجنوبية حالة خاصة حيث قامت -ولمدة عقد كامل- بإعطاء الأولوية العليا من
الميزانية القومية للتعليم بغض النظر عن الاحتياجات الأخرى. وأدى هذا التخطيط إلى
إنتاج جيل متعلم، يتميز بعلمه وتدريبه فأنتج بضائع متميزة في العالم بأسره. ويستمر
هذا النموذج في عصر المعلومات، حيث أن مستخدمي الإنترنت في كوريا الجنوبية يفوق عدد
المستخدمين في الولايات المتحدة. بينما لا يتجاوز عدد مستخدمي الانترنت من العرب
1.1% رغم انهم يشكلون 5% من سكان العالم.
لهذه الأسباب, تتعالى الأصوات المطالبة بالتغيير
من داخل الوطن العربي وخارجه. ولتحقيق ذلك، لا بُد من ممارسة الحرية السياسية
والديمقراطية، وخصخصة التجارة، وتحسين أوضاع المرأة. هذه الأهداف لن تتحقق طالما وُجدت
الفجوة المعلوماتية. إن الاصلاح المنشود يبدأ من شعب متعلم يقوم فيه الأفراد بتحمل
المسؤولية تجاه مجتمعهم ويتمتعون بالعلم والمعرفة ويتساوى فيه الرجال والنساء في
تحمل هذه المسؤولية. إن تحليل مشاكل قطاع التعليم على هذا النحو المنفتح يعد ضرورياً
لنشر الاصلاح المأمول واستمراريته.
دور
التعليم
رغم أن الدول العربية غنية بالبترول، إلا أن كل
المؤشرات تدل إلى فقرها بالمعلومات. تظهر هذه الحقيقة جليا في تقرير التطور
الإنساني للعرب، والذي نشر عام 2003 من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. أشار
هذا التقرير إلى أن الدول العربية تزحف خلف كل الدول الأخرى في المؤشرات
التكنولوجية باستثناء دول جنوب الصحراء الكبرى. هذه المؤشرات تشمل عدد الكتب،
الجرائد، محطات الإذاعة والتلفزة، خطوط الهاتف وأجهزة الحاسوب الشخصية والانترنت. اتخذت
بعض الدول العربية خطوات حقيقية لتغيير هذا النمط، والإمارات العربية المتحدة هي
مثال على ذلك حيث يستخدم 30% من مواطنيها أجهزة حاسوب، وهو رقم يفوق عشرة أضعاف
معدل استخدام الحاسوب في مصر.
وبشكل عام، يُظهر العالم العربي ضعفاً وعدم
كفاءة في السعي للمعرفة واكتشافها. والمؤشر على ذلك هو قِلة الترجمة. ففي تقرير
الأمم المتحدة الإنمائي 2003، كان عدد الكتب التي تمت ترجمتها في 22 دولة عربية في
بدايات الثمانينيات يساوي جزءاً من خمسة مما تُرجم إلى اليونانية. أما بالنسبة للمساهمة
في اكتشاف المعرفة فليست بحال أحسن حيث يشكل العرب 5% من سكان العالم ولكنهم
يُنتجون 0.8% فقط من الأدب والعلم الجديد.
أما
فيما يتعلق بالبحث العلمى فالوضع أكثر سوءا، تُنفق الدول العربية أقل من 0.2% من
ميزانيتها على البحث والتطوير في العلوم والتكنولوجيا. هذا الرقم يعتبر أقل بعشر
مرات مما تنفقه الدول المتقدمة. تتاكد هذه الأرقام عندما ننظر إلى الأبحاث التي تم
نشرها أو المخترعات التي تم تسجيلها. فالدول العربية نادراً ما تتمكن من نشر
أبحاثها في مجلات علمية محكمة. وكذلك كان عدد الاختراعات المسجلة من العرب جميعاً
ضئيلاً بحيث لا يساوي 2% من ذلك الذي قامت بها كوريا الجنوبية على سبيل المثال.
إن إصلاح التعليم من شأنه أن يلعب دوراً مهماً
في التطور الاقتصادي، لأن التعليم يؤدي إلى تطوير عقل الجيل الناشئ ليصبح افراده
مواطنون نافعون. هذا الإصلاح يشمل تعليم الصغار التفكير الذاتي والثقة بمعلوماتهم،
والجرأة لطرح أفكارهم والمدافعة عنها. من أجل ذلك، يجب أن يتوفر لدينا معلمون
يمتلكون العلم والطموح ومتمكنون من التواصل مع الطلبة. ويجب إبقاء المعلمين مطلعين
على أحدث الوسائل التكنولوجية في التعليم والاختراعات العلمية والحديث من الأدب. وتُعد
سياسة تقديم الجوائز والمحفزات للمعلمين المتميزين من الأساليب الناجحة لإبقائهم مثابرين.
وفي الخلاصة، فإن إعداد المعلمين وتدريبهم باستمرار هو جزء لا يتجزأ من الإصلاح المنشود.
Post a Comment