شروط استحقاق الحضانة و مدتها

المبحث الأول:شروط استحقاق الحضانة
تنقسم شروط استحقاق الحضانة إلى ثلاثة أقسام و سأذكرها في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول:الشروط العامة في النساء و الرجال
و هذه الشروط منها ما هو متفق عليه ، و منها ما هو مختلف فيه:
         الفرع الأول: الشروط المتفق عليها في الحاضن
         الشرط الأول: البلوغ
اتفق الفقهاء على أن الصغير غير المميز لا حضانة له ، لأنه عاجز عن رعاية شؤون نفسه فكيف له أن يقوم برعاية غيره[1].
أما الصغير المميز فالجمهور على أنه لا حضانة له[2]، و أما المالكية فيرون أن الصغير المميز العاقل غير المضيع للمال يستحق الحضانة إن كان مستوفياً لسائر شروطها[3].
و الراجح هو قول الجمهور أن البلوغ شرط لتولي الحضانة، حيث إن الحضانة ولاية نظر، و هي منوطة بمصلة الصغير، و لا تتحقق مصلحنة الصغير بحضانة صغير مثله[4].
- بماذا يثبت البلوغ؟
يثبت البلوغ في الصبي و الصبية بظهور العلامات الطبيعية، و علاماته للولد: الاحتلام بإنزال المني ، و إنبات الشعر الخشن على العانة.
وعلاماته بالنسبة للبنت: الحيض، أما إذا لم يتحقق ذلك فالبلوغ يتحدد بالسن.
فذهب بعض الفقهاء إلى أن سن البلوغ خمس عشرة سنة و هو قول الصاحبان من الحنفية و الإمام مالك في رواية ابن وهب[5].
و ذهب البعض إلى أنه ثمان عشرة سنة [6] و هو قول أبي حنيفة و المشهور عند المالكية، و قيل تسع عشرة سنة.                                                                                                              
        


الشرط الثاني: العقل
الجنون مانع  من موانع الحضانة سواء كان الجنون أصلياً أو طارئاً، مطبقاً أو متقطعاً، لأن الحضانة ولاية و المجنون ليس من أهلها. و هذا محل اتفاق بين الفقهاء [7].
اشترط المالكية في استحقاق الحضانة الرشد مع العقل، فإذا كان الحاضن سفيهاً في عقله، أو في المال فلا أحقية له في الحضانة، لئلا يتلف مال المحضون. إلا إذا كان السفيه له ولي يقوم عليه، فلا يسقط حقه في الحضانة، و هنا يتولى السفيه صيانة المحضون [8].
- موقف قانون الأحوال الشخصية الإماراتي:
تنص المادة 143 على أنه : (يشترط في الحاضن : 1- العقل، 2- البلوغ رشداً...)
لقد اشترط القانون في الحاضن أن يكون عاقلاً، فلا حضانة للمجنون سواء كان الجنون أصلياً أو طارئاً، مطبقاً أو متقطعاً، لأن المجنون يحتاج إلى من يتولى رعايته، فكيف له أن يرعى غيره.
و الذي يتكرر إغماؤه لفترات متقاربة فهو أيضا لا يستحق الحضانة، أما إذا كان نادر الحدوث ، فإنه لا يؤثر في استحقاق الحضانة.
و يثبت الجنون بشهادة معتمدة من وزارة الصحة، أو لجنة طبية يشكلها وزير الصحة.
و يشترك القانون في الحاضن أيضاً أن يكون بالغاً رشيداً، فلا حضانة للصبي، ولا فرق بين المميز و غير المميز، لأن الصبي يحتاج إلى من يقوم برعايته، فكيف له برعاية غيره.
و قد أخذ القانون بقول المذهب المالكي في اشتراط الرشد مع البلوغ ، فلا يستحق السفيه المبذر لماله الحضانة تبعاً لقانون الأحوال الشخصية. ولم يذكر النص سن البلوغ ، فيرجع إلى المذهب المالكي لتحديد ذلك، بالنسبة للولد يكون البلوغ بالاحتلام مع الإنزال، أو الإحبال، أو الإنزال لأي سبب.  

و بالنسبة للبنت يعرف البلوغ بالحيض أو الحبل.

و إذا لم تظهر العلامات فيتحقق البلوغ بالسن و هو ثمان عشرة سنة.




الفرع الثاني: الشروط المختلف فيها في الحاضن

         الشرط الأول:الأمانة
اختلف الفقهاء في تحديد مفهوم الأمانة في الحضانة
يقول ابن عابدين:(المراد بكونها أمينة أن لا يضيع الولد عندها باشتغالها عنه بالخروج من منزلها في كل وقت[9])
و يقول الدسوقي في حاشيته:(الأمانة هنا حفظ الدين[10])
و يقول الرهوني:( تفسر الأمانة بالصلاح في الدين[11])
و يقول الباجوري:( العفة و الأمانة جمع بينهما لتلازمهما[12])
جميع مفاهيم الأمانة متقاربة فهي كلها تحقق مصلحة المحضون، و أمانة الحاضن تقتضي أن  يقول برعاية المحضون رعاية تامة فلا ينشغل عنه كي لا يضيع الولد و تكون تربيته على الصلاح و الدين.
- موقف قانون الأحوال الشخصية الإماراتي :
اشترط القانون أن يكون الحاضن أميناً، و ذكر ذلك في المادة 143، و تقول المذكرة الإيضاحية في ذلك:( فمن ليست له الأمانة، كيف يؤتمن على مصلحة المحضون، نفسه ، و جسمه، و أدبه، و خلقه، و دينه، فمن كانت سيئة السيرة بحيث لا تؤتمن على أخلاق المحضون، فلا تكون أهلاً للحضانة، إذ أن الصغير يقلّد من يلازمه، و ينسج على منواله، و لا يفهم من هذا أن الفسق مسقط للحضانة مطلقاً، فغير المتدية أهل في الجملة للحضانة، إلا إذا أدى فسقها إلى الإضرار بمصلحة الطفل، فينزع منها حينئذ، إذ أن الحضانة يراعى فيها حق المحضون قبل حق الحاضن)[13].

لقد اتفق الفقهاء على اشتراط الأمانة في الحاضن، و لكنهم اختلفوا في التفصيلات ، فلابد من ذكر المسألة بشيء من التفصيل، خاصة و أنها محل للنزاع دائماً في ساحات القضاء، و هو ما سيتم ذكره في الفقرة التالية:
- مدى منع الفسق لاستحقاق الحضانة:
القول الأول: إنه إذا كان الطفل لم يبلغ سن الفهم و التعقل، فإن الفسق لا يعد مانعاً من الحضانة، أما إذا بلغ الطفل سناً يعقل فيه فسق أمه و فجورها فينزع عنها. و هذا السن قدّره الفقهاء بسبع سنوات، إلا إذا خيف عليه أن يتأثر بها قبل هذا السن فهنا يسقط حقها أيضا مراعاة لمصلحة الصغير.
أما في مدة الرضاعة فلا مانع من حضانة الكافرة و الفاسقة و لو زاد على ذلك بعام أو عامين، و بهذا قال ابن حزم الظاهري [14].
و دليل قوله هذا عموم قول الله تبارك و تعالى: ( و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان)[15].
وجه الدلالة أنه إذا ترك الصغير أو الصغيرة في حضن الفاسق فيتدرب على ترك الصلاة و الأكل في رمضان، و شرب الخمر، أو على صحبة من لا خير فيه، فقد عاون على الإثم و العدوان. و من أزالهما عن مثل هذا المكان حيث يتدرب على الصلاة و الصوم و تعلم القرآن، فقد عاون على البر و التقوى[16].
و الصغير دون السن السابعة فلا ضرر عليه ، لأنه لا يفهم و لا يعرف ما يشاهد.
القول الثاني: إن الفسق مانع من الحضانة، فإن كان الحاضن أو طالب الحضانة مشتهراً بفسقه بين الناس فإنه يمنع من الحضانة. و هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية و الشافعية و الحنابلة [17].
و أدلة قولهم هي:
أ-أن الفاسق غير أمين على نفسه فكيق يكون أميناً على غيره، فمثل هذا لايكون هناك مصلحة للولد في حضانته، لأنه قد ينشأ على طريقته [18].
ب-أنه لا تجوز ولاية الفاسق، و الحضانة ولاية ، فلا تجوز حضانة الفاسق[19].
القول الثالث:
إن الفسق المانع من الحضانة هو الفسق الذي يترتب عليه ضياع الولد، أما إذا كان لا يترتب عليه ضياع الولد، فهو ليس بمانع من الحضانة. و ذلك إن كان الطفل لا يعقل فسق الحاضن، فإذا عقله و أدرك فسق الحاضن فإنه ينزع منه.
و هذا القول يدل على أنه ليس كل فسق مسقط للحضانة، و أن الفسق المسقط، هو الفسق الذي يخشى عليه من ضياع الولد، و تأثره. و هذا ما ذهب إليه الحنفية[20] .
و لكن الحنفية لم يحددوا الفسق الذي يخشى منه الضياع، و تركوا ذلك لتقدير القاضي.
و وجه ذلك أن الحضانة إنما جعلت لمصلحة المحضون، فكل ما يؤدي إلى فوات ذلك فهو مسقطاً للحضانة.
القول الرابع: إن الفسق غير مانع من الحضانة، و أن حضانة الفاسق جائزة. و هو ما ذهب إليه ابن القيم[21].
و وجه ما ذهب إليه:
أ-أن اشتراط العدالة يؤدي إلى حرج عظيم، و ذلك لقلة وجود العدل الذي يقوم على الحضانة.
ب-أنه لم يمنع النبي- صلى الله عليه و سلم- و لا أحد من الصحابة فاسقاً من تربية ابنه و حضانته له، و لا من تزوجه موليته، و العادة شاهدة بأن الرجل و لو كان من الفساق، فإنه يحتاط لابنته و لا يضيعها و يحرص كل الخير لها.
ج- أن العمل متصل و مستمر في سائر الأمصار و الأعصارعلى ترك أطفال الفساق بينهم، لا يتعرض لهم أحد في الدنيا، مع كونهم الأكثرين. حيث لم يقع في الإسلام انتزاع الطفل من أبويه أو أحدهما بفسقه [22].

 الرأي الراجح:
بما أن الحضانة تقوم على مصلحة المحضون فإني أرجح قول الحنفية في التفرقة بين الفسق المضر بمصلحة الطفل و الفسق غير المضر، فالفسق الذي يضر بمصلحة المحضون يعد مانعاً من الحضانة.
و يُعمل بهذا القول عند تعدد مستحقي الحضانة إن كانوا في نفس الدرجة، فإنهم يقدم من هو أصلح بينهم.
و كذلك عند اختلاف الأم و الأب على الحضانة، فيختار القاضي للحضانة من تتحقق به مصلحة المحضون.
أما إذا كان الحاضن للطفل أبويه ، أو أحدهما و لا يوجد نزاع بينهما فيترك عنده ، و لو كان فاسقاً، فهنا الأخذ بقول ابن القيم أولى.
- موقف قانون الأحوال الشخصية الإماراتي:
يأخذ القانون بقول الحنفية ، أن الفسق المؤثر في الحضانة هو الذي يضر بمصلحة المحضون ، و يكون عادة بعد تمييز الطفل، و أن القاضي يقدر إذا كان الفسق مؤثر أو غير مؤثر على المحضون.

         الشرط الثاني:القدرة على تربية المحضون
حيث أن المقصد الأساسي الذي تقوم عليه الحضانة هو حفظ المحضون و رعايته، فيشترط في الحاضن أو الحاضنة أن تكون لديها القدرة على  تربية المحضون و رعايته، فمثلا المريضة التي منعها مرضها من الحركة غير قادرة على رعاية المحضون، و تتنوع صور عدم القدرة على تربية المحضون، وسأذكر هذه الصور مع بيان الحكم في هذه الحالات
أولاً: العاهة المانعة من القيام بالرعاية:
العاهات المانعة من القيام بالرعاية مثل العمى، و الشلل، و فقد السمع أو الكلام، ينظر إلى حالة الحاضن فإذا كانت العاهة تمنعه من القيام برعاية و حفظ المحضون فإنه يمنع من الحضانة، أما إذا وجد عنده من يتولى شؤون المحضون و يرعاه فلا يسقط حقه  في الحضانة.
ثانياً: المرض الذي لا يُرجى برؤه:
و يقصد به المرض الذي ينهك صاحبه بحيث يعجز عن القيام بأمور نفسه، فكيف يتولى شؤون غيره.
أما إذا وجد عند المريض من يتولى شؤون المحضون نيابة عنه، فلا يمنع من الحضانة[23].
- موقف قانون الأحوال الشخصية:
يشترط القانون القدرة على رعاية المحضون ، فإذا كان المرض يحول دون ذلك يعد مانعاً من الحضانة إلا إذا وجد من يرعى المحضون فلا يمنع من الحضانة، و يرجع في تقدير المرض الذي يمنع من استحقاق الحضانة إلى القاضي.
ثالثاً: حضانة المسن:
المسن الذي تقدم به السن بحيث أصبح عاجزاً عن القيام بأموره ، و من باب أولى أمور غيره فهذا لاحضانة له، أما إذا كان عند الحاضن المسن من يخدمه و يخدم المحضون فإنه يستحق الحضانة.

رابعاً: هل يعد العمل مانعاً من الحضانة؟
إن عمل الحاضن أو الحاضنة في حده ذاته لا يعد عند الفقهاء مانعاً من الحضانة، و لكن إذا كان العمل أو الخروج من البيت يؤدي إلى ضياع المحضون فإن هذا العمل أو الخروج يعد مسقطاً للحضانة عند الفقهاء [24].
أما إذا كان العمل أو الخروج من المنزل لا يترتب عليه إهمال المحضون ، فإن هذا العمل أو الخروج لا يعد مسقطاً للحضانة.

         الشرط الثالث:السلامة من الأمراض المعدية و الخطيرة
يشترط في الحاضن أن يكن سليماً من الأمراض المعدية، التي ينتقل ضررها إلى المحضون و ذلك مثل البرص و الجذام و غيرها.
فالفقهاء على أن هذه الأمراض المعدية تمنع من استحقاق الحضانة ابتداء أو استمراراً حفاظاً على صحة و حياة المحضون [25].
وقد صرح الشافعية[26] بتقييد سقوط الحضانة بسبب هذه الأمراض بالمخالطة، حيث أن المخالطة هي سبب العدوى، و عليه فإذا كان الحاضن أو الحاضنة المريضة هي التي تباشر المحضون بنفسها فإنه تسقط الحضانة، أما إذا كان عندها من يقوم على رعاية المحضون فلا تسقط الحضانة عنها.
- موقف قانون الأحوال الشخصية:
لقد أخذ القانون بهذا الشرط في الحاضن تحقيقاً لمصلحة المحضون و حفظاً على سلامته، فنص في المادة 153/5 0 يشترط في الحاضن...5- السلامة من الأمراض المعدية الخطيرة...)

         الشرط الرابع:عدم الحكم على الحاضن بجريمة من الجرائم الواقعة على العرض
لقد نص قانون الأحوال الشخصية الإماراتي على هذا الشرط في الفقرة الخامسة من المادة 143، و عليه فيشترط في الحاضن ألا يكون قد سبق عليه في جريمة من الجرائم الواقعة على العرض، فإذا كان الحاضن قد حكم عليه بجريمة من الجرائم الواقعة على العرض فإنه يسقط حقه في الحضانة.
و يقصد بالجرائم الواقعة على العرض تلك الجرائم التي  ورد النص عليها في قانون العقوبات الإتحادي رقم 3 لسنة 1987 و تعديلاته، حيث ورد النص عليها في الفصل الخامس من الباب السابع من الكتاب الثاني في المواد من 354 إلى 370.
و هذه الجرائم تشمل: جرائم الاغتصاب، و هتك العرض، و الفعل الفاضح و المخل بالحياء، و جرائم التحريض على الفجور و الدعارة.
إن هذا الشرط يجد تبريره في الفقه الإسلامي حيث أن الفقه اعتبر أن الحاضن إذا اشتهر بالفسق فإنه تسقط الحضانة عنه.فالقانون اعتبر أن الحكم على الحاضن بجريمة من جرائم العرض يثبت أن الحاضن فاسقاً، و هذا يمنعه من الحضانة.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 


[1] حاشية ابن عابدين3/555-556، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج7/231
[2] حاشية ابن عابدين3/555-556،
[3] الشرح الكبيرللشيخ الدردير و حاشية الدسوقي2/529
[4] شروط ثبوت حق الحضانة د/ رشدي أبو زيد 167
[5] الاختيار لتعليل المختار2/95
[6] الاختيار لتعليل المختار2/95              
[7]  الشرح الكبيرللشيخ الدردير مع حاشية الدسوقي2/528، مغني المحتاج 5/195
[8] الإتقان و الإحكام في شرح تحفة الحكام 1/273-274
[9] حاشية ابن عابدين 3/556
[10] الشرح الكبير للشيخ الدردير مع حاشية الدسوقي 2/528
[11] حاشية الرهوني على مختصر خليل4/253
[12] حاشية الباجوري2/198
[13] المذكرة الإيضاحية لقانون الأحوال الشخصية الإماراتي 254
[14]المحلى لابن حزم11/353
[15] سورة المائدة، الآية 2
[16] المحلى لابن حزم11/353
[17] الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي 2/528، مغني المحتاج5/195،كشاف القناع 5/489، الروض المربع1/629
[18] المغني لابن قدامة8/237، الروض المربع1/629
[19] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 7/229
[20] مجمع الأنهر1/480، البحر الرائق 4/181
[21] زاد المعاد 5/411
[22] زاد المعاد 5/412
[23] حاشية ابن عابدين 3/556
[24] حاشية ابن عابدين 3/556
[25] مغني المحتاج5/197،  كشاف القناع5/499
[26] نهاية المحتاج 7/231

Post a Comment

أحدث أقدم