أدى التقدم في المستوى الصحي إلى خفض معدلات وفيات الرضع وإلى زيادة كبيرة في عدد المسنين ومن المفترض أن يصل عدد من تجاوز سن الخامسة والستين اليوم حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أكثر من 600 مليون نسمة([1]) أغلبهم في الدول النامية، ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد بمعدل 2-3% سنوياً، ليصل هذا العدد إلى ملياري مسن في عام 2050م، ولا شك أن مسن عام 2050م هم مولودون بيننا الآن، ومن المفترض أنهم قد تجاوزوا مرحلة الخطر في سنين عمرهم الأولى ويتمتعون برعاية صحية جيدة مما يؤهلهم للدخول في سن الشيخوخة المنتظر عام 2050م.

ورغم التقدم العلمي الهائل في تقنية تقديم خدمات الرعاية الصحية إلا أنه لا تزال هناك فجوات واسعة في معرفة العالم بأمور الصحة والمرض لدى المسنين وأنسب الطرق السليمة في الوقاية من الأمراض ومعالجتها لدى المسنين.

ومع أن تحديد من هو المسن.. فيه خلاف وجدل بين العديد من العلماء والباحثين، ولكن الأغلبية تحدد سن الـ 60 سنة هو بداية لمرحلة الشيخوخة وإن كان أصبح معدل العمر الآن يتزايد وذلك بفضل الله ثم بفضل التقدم العلمي في الرعاية الصحية التي ترعى الإنسان منذ أن يكون نطفة في بطن أمه وحتى مماته، وعليه فإن العمر الزمني ليس مقياس جيد لتحديد الشيخوخة، وربما كان أفضل تعبير عن المسن هو "كل إنسان أصبح عاجز عن رعاية نفسه وخدمتها" إثر تقدمه في العمر نتيجة مجموعة تغيرات جسمية ونفسية كالضعف العام في الصحة ونقص القوى العضلية وضعف الحواس والطاقة الجسمية والبصرية وضعف الانتباه والذاكرة وغيرها من الحواس وليس بسبب إعاقة عادية([2]) ، أما تحديده إدارياً في دول الخليج العربية فنجد أن معظم الدول الأعضاء تعتبر أن سن الستين هو بداية التقاعد وهو ما يعبر عنه لمن يستحق معاشاً تقاعدياً أو تأميناً اجتماعياً.




خدمات صحة المسنين في دول الخليج العربي:
نظراً للازدياد المطرد لنسب المسنين في التركيبة السكانية لدى دول الخليج والتي تتراوح كما أسلفنا بين 2.5-3% سنوياً وذلك بفضل الله عز وجل أولاً ثم بفضل الرعاية الكريمة التي يسرها ولاة الأمر في الدول الأعضاء بتوفير كافة الوسائل وخاصة الخدمات الصحية والتي تساهم في إطالة العمر بإذن الله وحيث أن دول الخليج العربية ليس بمعزل عن دول العالم، خاصة أننا دول إسلامية وديننا الحنيف زاخر بالاهتمام بالوالدين والشيوخ عموماً كما أن عاداتنا العربية فيها الكثير من الأسس التي توجب علينا الاهتمام بالمسن واحترامه وتقديره إلا أن تقدم العلوم وظهور طب الشيخوخة في ظل الحضارة المدنية التي تمر على العالم ومنها دولنا توجب علينا أن نعمل كل ما يمكن من وسائل حديثة ومتطورة في مواجهة قضايا الشيخوخة والتي تستلزم اتخاذ إجراءات وتدابير متعددة الأبعاد وتتطلب تضافر العديد من التخصصات الطبية والنفسية والاجتماعية وغيرها من السبل والوسائل ولتحقيق ذلك فقد شكل المكتب التنفيذي وبتوجيه كريم من لدن أصحاب المعالي وزراء الصحة بدول مجلس التعاون لجنة أمراض الشيخوخة ورعاية المسنين التي عقدت اجتماعها الأول بالرياض من 20-21 يوليو 1993م والتي أوصت بعقد ندوة لمناقشة الجوانب الصحية والنفسية والاجتماعية للموضوع.

وقد عقدت الندوة الخليجية الأولى لأمراض الشيخوخة ورعاية المسنين من 22-23/11/1994م بالرياض بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وكلية طب جامعة الملك سعود تحت رعاية معالي وزير الصحة بالمملكة العربية السعودية وبحضور لفيف من الخبراء والمختصين الذين تناولوا مشاكل المسنين الطبية والنفسية والاجتماعية من مختلف جوانبها والجديد في التعامل مع هذه المشاكل، وقام المكتب التنفيذي بطباعة المحاضرات وأوراق العمل التي قدمت في هذه الندوة في كتاب عمم على دول المجلس والجهات المعنية في حينه، وكانت توصياتها الأساسية هي اللبنة الأولى لبرنامج المسنين حيث تم رفع تلك التوصيات لأصحاب المعالي الوزراء في مؤتمرهم الثامن والثلاثين المنعقد بدولة الكويت خلال الفترة 11-13/1/1995م، وصدر القرار رقم 5/38 والذي أكد على ما يلي:



1-  العمل على إدخال أمراض الشيخوخة ورعاية المسنين ضمن مناهج كليات الطب والمعاهد الصحية.
2-  أهمية استحداث أقسام مختصة بالرعاية الطبية للمسنين على المستوى المركزي بوزارات الصحة ومديريات الشؤون الصحية وتطوير خدمات أمراض الشيخوخة بالمستشفيات.
3-  العمل على دمج برامج رعاية المسنين ضمن عناصر الرعاية الصحية الأولية.
4-  إنشاء برنامج متعدد الأغراض لتخطيط الخدمات الوقائية للمسنين بكل دولة من الدول الأعضاء.
5-  تشجيع رعاية المسنين في منازلهم وعدم اللجوء إلى عزلهم أو تنويمهم بالمستشفيات إلا إذا كانت هناك حاجة ملحة إلى ذلك.
6-  تجهيز منشآت معينة وتسهيلات لبعض فئات المسنين التي تحتاج إلى خدمات متخصصة سواء داخل أو خارج المنزل.
7-  تشجيع ودعم البحوث في مختلف النواحي الطبية والنفسية للمسنين وحث الأفراد والجمعيات المانحة على المساهمة في تمويل هذه البحوث.
8-  تشجيع تنظيم اللقاءات العلمية التي تناقش خدمات رعاية المسنين وأمراض الشيخوخة على أن يكون اللقاء العلمي القادم في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وعليه فقد واصل المكتب التنفيذي عمله لخدمة المسنين بدعوة اللجنة المختصة للاجتماع بمسقط يومي 29 و 30/10/1996م لوضع ترتيبات عقد هذا اللقاء العلمي التي اقترح له محورين على النحو التالي:

المحور الأول:
يدور حول متابعة توصيات الندوة الأولى والاستمرار في تطوير خدمات رعاية المسنين وأمراض الشيخوخة خاصة فيما يتعلق بإنشاء وتعزيز إدارات وأقسام متخصصة في وزارات الصحة والمستشفيات الرئيسية على المستوى الوطني بكل دولة، وتخطيط البرامج الوقائية والتأهيلية للمسنين، والعمل على دمج خدمات رعاية المسنين مع خدمات الرعاية الصحية الأولية، والتوسع في إقامة منشآت رعاية فئات معينة من المسنين تتناسب مع احتياجاتهم الفعلية وتكون فعالة ومقبولة التكلفة مثل مراكز التأهيل ومراكز الرعاية النهارية.

المحور الثاني:
التحضير والترتيب لعقد الندوة الخليجية الثانية لرعاية المسنين وأمراض الشيخوخة بأبو ظبي في نوفمبر 1997م تحت شعار "نحو رعاية صحية شاملة للمسنين"، وبعد عقد الندوة في موعدها المقترح في أبو ظبي والتي كان من أبرز توصياتها:
1-  تشجيع العمل التطوعي في مجال رعاية المسنين والاستفادة من الخبرات العالمية في ذلك.
2-  العمل على تقديم خدمات الرعاية المنزلية للمسنين وإنشاء وحدات متنقلة للرعاية الشاملة للمسنين.
3-  تفعيل دور المسن في المجتمع والاستفادة من خبراتهم بالتنمية وخاصة المنتجين منهم.
4-  العمل على وضع خطة وطنية شاملة للتوعية والاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة.
5-  وضع جدول زمني لتنفيذ توصيات الندوة الأولى والثانية للرعاية الصحية للمسنين ضمن برنامجهم الوطني.

وبعرض توصيات الندوة الخليجية الثانية على أصحاب المعالي الوزراء في مؤتمرهم الرابع والأربعون المنعقد في الدوحة بقطر خلال الفترة 10-12 فبراير 1998م صدر من معاليهم القرار رقم (3) والمتضمن:

أ - على المستوى الوطني:
1-        الاستمرار في تطوير الخدمات الصحية للمسنين مع أخذ الجانب النفسي لهم في الاعتبار، وتعزيز إدارات وأقسام متخصصة في أمراض الشيخوخة بوزارات الصحة وبالمستشفيات الرئيسية، وتخطيط البرامج التأهيلية للمسنين، مع العمل على أن تكون الخدمات الصحية للمسنين ضمن خدمات الرعاية الصحية الأولية.
2-        العمل على وضع خطة وطنية شاملة للتوعية بأمراض الشيخوخة ورعاية المسنين والاستفادة من وسائل الإعلام في هذا المجال.
3-        العمل على تقديم خدمات الرعاية الصحية المنزلية للمسنين لتقديم الرعاية الطبية لهم ما أمكن ذلك.
4-        يوصي المجلس بتفعيل دور المسنين في المجتمع والاستفادة من خبراتهم وتشجيع العمل التطوعي لرعاية المسنين، وحث وزارات العمل والشؤون الاجتماعية والوزارات والجهات الأخرى الحكومية وغير الحكومية المعنية بتبني هذا الدور.
5-        التأكيد على دور الأسرة في رعاية المسنين وتعزيز أنماط الحياة السلوكية لزيادة الرصيد الصحي لاستثماره في العمر المتقدم.
6-        التأكيد على أهمية تدريس أمراض الشيخوخة وصحة المسنين في كليات الطب والمعاهد الصحية وتنظيم برامج تدريبية للأطباء والكوادر الطبية حول هذا الموضوع.
7-        العمل على وضع خطة خمسية لتنفيذ هذه التوصيات من قبل كل دولة مع وضع التشريعات الكفيلة بحفظ حقوق المسنين بالتعاون مع الجهات المعنية.

ب - على المستوى الخليجي:
1-        تبادل المعلومات بين دول المجلس فيما يتعلق بالدورات التدريبية والدراسات والبحوث الميدانية والتطبيقية التي ستجري على الصعيد الوطني أو الدولي عن أمراض الشيخوخة والرعاية الصحية للمسنين.
2-        تضمين استراتيجية التوعية الصحية لدول المجلس برامج خاصة بالشيخوخة وأمراض المسنين وطرق الوقاية منها وتجنب مضاعفاتها.




ما تم إنجازه على مستوى دول المجلس:
بالاطلاع على إنجازات الدول الأعضاء في مجال الشيخوخة نجد أن هناك تفاوت ملحوظ بين الدول الخليجية في مجال البرامج المقدمة للمسنين وإن كانت الخدمات الطبية ليس هناك تفاوت كبير يذكر حيث أن معظم الدول تقدم الرعاية الطبية للمسنين من خلال برامج الرعاية الصحية الأولية والثانوية والمتخصصة ولكنها برامج ليس متخصصة في المسنين ونعتقد أن الأسباب واضحة أولاً علم طلب الشيخوخة حديث جداً وليس هناك متخصصين بالكثرة المناسبة في الدول الأعضاء ومناهج كليات الطب في الدول الأعضاء حتى الآن لم تأخذ بطب الشيخوخة في مناهجها وإن وجدت فهي بدايتها، كما أن القوى العاملة والمدربة على العناية والرعاية بالمسنين ليست متوفرة بالقدر المناسب ونعتقد جازمين أن فوق كل ذلك هناك الرعاية المنزلية من أسرة المسن التي ترعى ذلك في ضوء العادات والتقاليد والدين الإسلامي الذي أوصى بالوالدين ولكن مع كل ذلك هناك جهود طيبة ومشرفة في الدول الأعضاء نوجزها فيما يلي:


[1] صحة المسنين.. سلسلة التقارير التقنية رقم (779) صفحة (5).
[2] الصحة النفسية والعلاج النفسي د. حامد عبد السلام زهران صفحة (543).

Post a Comment

Previous Post Next Post