رمضان في سوريا
يستقبل السوريون شهر رمضان بتقاليد متوارثة تبدأ بتقاليد إثبات مولد هلال
الشهر الكريم، وتلتزم هذه المسألة أُسس علمية، ففي ليلة الثلاثين من شهر شعبان
يجلس القضاة والوجهاء في المسجد الأموي في دمشق خلال الساعات التي يتوقعون فيها
ظهور هلال الشهر الكريم لإعلان بدء صيام رمضان الفضيل.
وبعد
أن تُبت رؤية الهلال يستعد الناس لاستقباله، حيث تستعد العوائل بتهيئة عدد من
الأكلات السورية المعروفة الرمضانية الفول المدمس الدمشقي الذي يُخلط مع الطماطة
والبقدونس، والكوسة المحشوة والكبة المقلية وكبة لبنية، والباذنجان المحشو، وورق
العنب، والمقلوبة، والملوخية بالدجاج وداود باشا، وتظهر أيام رمضان أنواع الفتات
على اختلافها كفتة الحمص واللحم والسجق والكلاوي، إضافة إلى المقبلات مثل التبولة
والمنقوشة. وتتميز أغلب الحلويات الدمشقية باستعمال القشطة فيها ويعود ذلك إلى
أنّها عادة ورثوها لأنّهم يتفاءلون باللون الأبيض، ومن الحلويات الذي يتناولونها
في ليالي الصيام القطايف بالجبنة، وبالجوز، والهريسة، والقشطلية، والمهلبية.
كذلك
يجتمع الأطفال قبيل آذان المغرب في رمضان تحت مئذنة المسجد في حيِّهم، وهم يحملون
بأيديهم فطورهم، ينتظرون بفارغ الصبر انطلاق المؤذن بالآذان ويقولون:
يا مؤذن قولها رِيْت دّقْنَكْ طُولها- طول
المئذنة-
وإنْ كنت ما بتقولها تُوْقَع من فوق
الماْدِنَه!
وعقب
تناول الفطور، يتجمع أطفال الحيّ، وبيد كلّ واحد منهم صحن فارغ، ويدورون على بيوت
الأغنياء منهم ليأخذوا السحور، ويقولون عند باب البيت:
محمّد على فَرسُه
ويقول لها دُورِي
يامَحْرَمَه من دَهَبْ
والشَّبَ غنْدُورِي
ياريتني دُوْدِه على الحِيط مصْمُودَه
وعَرُوسْتَكْ يا محمّد مكحّله ومَصْمُودَه
ولولا محمّد ماجِيْنَا يحلّ الكِيس ويَعطِينا
يعطينا مِصْرِيَّه، ماكَفَتْنَا الخَرْجِيّه
أعطونا سحور أحسن
ما نخلع الباب والناجور!
ويتذكر أهل سورية كيف كانوا ينصبون
ألعاباً بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد في الأراضي الخالية من البناء في السنوات
الماضية، وتشتمل في الغالب على ناعورة
كبيرة من الخشب، يجلس في محيطها الصغار، ثم يُدورُها صاحبها بهم، وتشتمل على سرير
خشبيّ كبير، يُعرف بسرير الكَسْلانَة، وهناك في الناعورة دائرة كبيرة تُدعى
بالدَوَخانَة، يجلس فيها الأولاد ليدورهم صاحبها وهم فرحون.
وللعيد اليوم في سورية طعمه الخاص، والذي يحرص فيه الصائمون على أداء صلاة
العيد في المسجد الأموي الكبير بدمشق، وفي مساجد المحافظات الكبيرة الأخرى. وتتم
الزيارات فيما بين العوائل والاجتماع في دار كبير العائلة، وتقدم إليهم الحلويات
السورية المشهورة مع عصير التمر هند، والعِرِق سوس، وشراب القمر الدين، وهذا كله
في أول أيام العيد، ويخرجون في ثاني وثالث أيام عيد الفطر للحدائق والمواقع
السياحية ومدن الألعاب. أما الأطفال فيدورون في أزقة الحيّ في يوم وقفة العيد
مرددين:
بُكْرَه
العيد ومِنْعَيِّد
ونقطع راس
السيِّد
والسيِّد
قَتَلْ مَرْتُو
على رغيف
اللي أكلتُو
أكلته
ماشبّعها،جاب السيف ودَبَحْها
قال لها
قومي تْعَشِي،
قالت برُوح
نَقْشِي،
شمَّر
زِنْدُه، وطَعْمَاها،
طعمَاها
خاروف مَحْشِي
وجَنْبُه
كَمَايِه وجِبْسِي،
جابهِن من
عند العَشِّي
وبُكْرَه
العيد ومِنْعَيِّد،
ونرفع راس
السيِّد
والسيِّد
كَرَّم مرْتُو،
على رغيف
اللي صَرِفْتُو
صَرِفْتُه
للمحتاجين!
لبنان
تزدان شوارع وطرقات وشرفات البيوت في المدن اللبنانية بالزينة المضاءة،
وتُعلق الشرائط الخضراء والنجوم الأثرية والفوانيس الصغيرة التي يُقبل اللبنانيون
على شرائها في قباب الجوامع والمساجد ومحيطها. كما يظهر دور التكافل الاجتماعي
بصورته الكبيرة خلال أيام الصوم المبارك، وذلك بقيام الجمعيات الخيرية بدورها في
مساعدة المحتاجين والمتعففين، وتقديم المحسنين لوجبات الإفطار للصائمين والمحتاجين
عن طريق أحد الموسرين. وتشتهر الأطباق اللبنانية في رمضان بأصناف المأكولات حيث
يفطر الصائمون على قدح من القمر الدين ويتناولونه على شكل مربى وقت السحور، ومن
الأكلات الرمضانية عندهم الخروف المحشي والقوزيوأطباق السمك، مع ضرورة تنوع
المقبلات وأبرزها " الفتوش" الطبق اليومي المفضل على موائد الصائمين،
والحمص والمخللات.
تتعدد أصناف الحلويات التي يقبل عليها الصائمون في رمضان، وتشتهر العاصمة
بيروت بصناعة الحلويات بمختلف أنواعها لاسيما الكلاج فهو حلوى رمضانية لا تظهر في
لبنان في غيره، وسرعان ما تختفي من المحلات بعد وداعه. وهناك حلويات أخرى تقدم
للصائمين كزنود الست والكنافة بالجبن والقطايف والمعمول والسنيورة والشعيبيات التي
تلقى إقبالاً عليها من مختلف طبقات المجتمع.
وتكثر حلقات حفظ القرآن الكريم في الجوامع والمساجد، حيث يقوم حفظة كتاب
الله العزيز بإعادة ختمه على شكل حلقات.. وتبرز مظاهر الاحتفالات برمضان من خلال
أعلام الزينة التي ترتفع في كل مكان، واطلاق الأسهم النارية. وأما المقاهي الشعبية
فيؤمها مرتادوها بعد صلاة التراويح لقضاء ساعات من السمر الثقافي والاستماع إلى
بعض الدروس، ومشاهدة بعض الفنون المحلية. ومن مظاهر رمضان في لبنان في النصف
الثاني منه مشاهدة الأطفال" الوداع" الذين يشكلون حلقة ذكر النوبة تطوف
بإدارة المسحراتي إلى كل بيوت المنطقة فيأخذون العيدية وهم يحملون الرايات الملونة
والطبل والصنوج للإعلان عن وقت السحور في ليالي الصيام. واللافت للنظر أنّ صورة
المسحراتي القديمة ما تزال ماثلة أمام الناس وهو يطوف الشوارع ويقرع بطبلته
منادياً:
قوموا على سحوركم
جاي رمضان يزوركم
لقد
تغيرت صورة المسحراتي عن الماضي إذ استحدثت اليوم فرق تضم من عشرة إلى عشرين شاباً
يتجولون معاً في الأحياء والأزقة الشعبية وينشدون أناشيد رمضانية يدعون من ورائها
الناس للنهوض لتناول طعام السحور.
إنّ
لعيد الفطر عادات وتقاليد متبعة في المدن اللبنانية فكان احتفاء الناس بمقدمه في
الماضي، فعندما يثبت حلول العيد، يصعد بضعة رجال من الأئمة والخطباء ورجال الدين إلى
المئذنة بالتهليل والتكبير معلنين حلول عيد الفطر السعيد، فيفرح الناس ويتهللون
ويبدأ العيد. ويتزين الرجال والنساء والأولاد قبل شروق فجر أول أيامه بأحسن ما
عندهم ويذهب الرجال جماعات لأداء صلاة العيد في الجوامع والمساجد، ثم يذهبون بعدها
لزيارة موتاهم، حيث يوزع كل واحد صدقة على أرواحهم ويعطي كل واحد الفطرة المفروضة
عليه للفقراء، ثم يعودون لتهنئة الأئمة والخطباء، ويكون هؤلاء قد أعدوا السفرة في
الغرفة الكبيرة عندهم، وعليها المآكل المتنوعة، مثل الكبة والشوربة والأرز المطبوخ
باللحم واليخني بالحمص واللحم واللبن. فيدخل الناس قائلين:
عيدكم مبارك،
أيامكم سعيدة
فيجيبهم صاحب البيت:
علينا
وعليكم،
وأيامكم سعيدة
ثم
يأكل الناس، وتبقى السفرة مفروشة من الصباح حتى المساء. أمّا اليوم فيتهيأ الأهل
للعيد بتوجههم إلى المحلات لشراء الألبسة الجديدة لأولادهم، لأنّ للباس الجديد جزء
من العيد في منظور المحتفلين به. ويبدأ احتفالهم به فور إعلانه رسمياً، فيهنئ الأهل بعضهم البعض. ويقومون بزيارة كبير
العائلة وتهنئته بمناسبة العيد، ويحصل الأولاد على العيدية من جدهم وجداتهم، ثم
يتابع الناس التهنئة باتجاه الأصغر سنّاً، بعدها يعودون إلى المنزل حيث يبدأ
المُهنّئون بزيارتهم في بيوتهم. ومن تقاليد التحلية تقديم الحلوى في عيد الفطر
أثناء زيارات المعايدة وتبادل التهاني مع فنجان القهوة والمعمول، ومن الحلويات
المقدمة للضيوف الكلاج والمفروكة والمدلوقة وشعبيات ونقول الشوكولاته والدبس، والمعمول
بالجوز والفستق الحلبي وأقراص التمر والبقلاوة والمِلبَس، ويعتمد الاحتفال بالعيد
عند الأطفال على المفرقعات التي ترتبط بعادة إطلاق النار عند الكبار إضافة إلى
الذهاب إلى مدن الألعاب لقضاء وقت جميل فيها. وكان" المعلل" من اشهر
حلوى الأطفال في العيد، وهو عبارة عن سكر معقود ملون باللون الوردي، وإذا وقع عيد
الفطر في فصل الصيف كانوا يشترون قطع الثلج المُحلاة بسوائل ملونة. ثم اصبحوا
يقبلون على شراء حلوى يبيعها الباعة المتجولون في الأسواق وفي بحر العيد، وحرج
العيد.
Post a Comment