معدل النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي كؤشر للنمو الإقتصادي المعدلات خلال الفترة 1996-2011 . حيث يظهر منه تذبذب معدل النمو الإقتصادي السنوي للدول العربية حول متوسطه الحسابي (5.01%) خلال الفترة . حيث  إرتفع من (6.03%) عام 1996 إلى (8.09%) عام 2004 ليتراجع بعدها في الفترة الأخيرة إلى (4.37%) عام 2011 . ولعل أكبر معدل للنمو الإقتصادي خلال فترة الدراسة هو ما شهدته قطر وبمعدل للفترة يبلغ (12.47%) ، يليها العراق ، وخاصة خلال التسعينيات من القرن الماضي وبمعدل (7.24%) والسودان والصومال وبمعدل (6.66%) والبحرين (5.65%) والكويت (5.47%) والأردن (5.38%). وأما أقل الدول نمواً فقد كانت جيبوتي (3.07%) واليمن (3.49%) وفلسطين (3.99%) .
فالنمو الذي حققته الدول العربية منذ منتصف الثمانينات وحتى منتصف العقد الأول من هذا القرن قد تآكل بفعل التضخم ، وكان متقلب وغير مستقر ، حتى أن الدول العربية قد تخلفت عن كثير من الدول النامية التي كانت تسبقها قبل ذلك ، عدا عن تراجعها عما كانت عليه قبل منتصف الثمانينات (Elbadawi, 2005) . ولكن بعد الطفرة النفطية الثانية ، حيث إرتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية ، عاد النمو للإرتفاع بشكل ملحوظ وتنامت الإقتصادات العربية . ومع ذلك لم تتحقق التنمية الإقتصادية ، كما تزايدت الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الدولة الواحدة ، ولم تتوزع مكاسب التنمية على الجميع . ونظراً لضعف التشريعات إنتشر الفساد ، وبدأت الشعوب بالتظاهر وظهر تسونامي الربيع العربي .

 (3) معدل نمو السكان : نظراً لإمكانية تأثير النمو السكاني في النمو الإقتصادي ، وبهدف عزل مثل هذا المتغير حتى نتمكن من معرفة تأثير الحاكمية الرشيدة ومعاييرها على النمو الإقتصادي ، فقد تم إدخال هذا المتغير كعامل ضبط (Control Variable) في الإختبار . والجدول (3) التالي يُظهر النمو السكاني في الدول العربية خلال الفترة 1996-2011 . حيث يظهر الجدول إرتفاع معدل النمو السكاني السنوي للدول العربية في منتصف الفترة (3.38% عام 2005) عن بدايتها (2.28% عام 1996) ، ثم تراجعة في الفترة الأخيرة (2.4% عام 2011) إلى مستويات مشابه لبداية الفترة . ولعل أكبر معدل للنمو السكاني هو ما شهدته قطر وبمعدل للفترة يبلغ (9.38%) ، تليها الإمارات العربية المتحدة وبمعدل (8.23%) والبحرين (6.15%) والكويت (3.32%) . وأما أقل الدول نمواً في السكان ، فقد كانت تونس (1.04%) والمغرب (1.1%) ولبنان (1.25%) .

3.3 نماذج الدراسة ونتائجها
تنطلق هذه الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن الحاكمية الرشيدة تقود النمو الإقتصادي ، أي أن النمو الإقتصادي عامل تابع للحاكمية التي هي عامل مستقل . وبالتالي يُمكن التعبير عن هذه الفرضية بالمعادلة التالية :
النمو الإقتصادي = ق (الحاكمية الرشيدة ، النمو السكاني)                                (1)
التي يُمكن إختبارها من خلال معادلة الإنحدار التقديرية (Ex-Ante) التالية :
النمو الإقتصادي = أ + ب1 * الحاكمية الرشيدة + ب2 * النمو السكاني + معامل الخطأ        (2)
حيث    أ = المعامل الثابت ، أي معدل النمو الإقتصادي عندما تكون المتغيرات المستقلة تساوي صفراً .
         ب1 = معامل التغير في النمو الإقتصادي مقابل تغير قدره وحدة واحدة في الحاكمية .
         ب2 = معامل التغير في النمو الإقتصادي مقابل تغير قدره وحدة واحدة في النمو السكاني .
معامل الخطأ = يمثل الإنحراف عن خط العلاقة ، وتأخذ قيماً موجبة وأخرى سالبة ، ويجب أن يكون  متوسطها الحسابي = صفراً . ويوجد هذا المعامل نتيجة لعدم إحاطة أي نموذج بكل المتغيرات التي من الممكن أن تؤدي إلى أو تؤثر في المتغير التابع ، أي النمو الإقتصادي .
وقد تم إستخدام بيانات الدراسة في إختبار هذه المعادلة ، بإستخدام البرنامج الإحصائي (Stata ®) ، وبتطبيق نموذج الإنحدار المتعدد ذو التأثير الثابت (Fixed-Effect (within) Regression) ، فقد ظهرت النتائج ، كما في الجدول (4) ، على النحو الآتي :
جدول (4) نتائج إختبار نموذج الإنحدار المتعدد ذو التأثير الثابت للفرضية الأولى
العامل التابع: معدل النمو الإقتصادي
معامل التغير (ب)
قيمة (ت) المحوسبة
مستوى المعنوية
المعامل الثابت (أ)
*5.230692
8.15
0.000
المعدل العام للحاكمية
*4.332423
2.13
0.034
معدل النمو السكاني
*0.268755
2.46
0.015
(*) ذات دلالة إحصائية عند مستوى 5% أو أقل .
عدد المشاهدات = 182 ، عدد المجموعات = 14 ، عدد المشاهدات لكل مجموعة = 13
الخطأ المعياري للتقدير (ع) (F (2,166)) = 6.10 ومستوى المعنوية = 0.0028
معامل التحديد (R2) : داخل المجموعات = 6.85%، بينها = 36.16%، المعدل العام = 14.23% .
إختبار معامل الخطأ = صفر : القيمة المعيارية (F (13,166)) = 3.15 ومستوى المعنوية = 0.0003 .
يتبين من الإختبار بأن قيمة (ت) المحسوبة لمعاملات التغير للمعدل العام للحاكمية (ب1) ولمعدل النمو السكاني (ب2) أكبر من قيمة (ت) الجدولية ، أي أن كل من (ب1) و (ب2) لا تساوي صفراً . وبالتالي ، يمكننا القول بأن هناك علاقة جوهرية بين هذه المتغيرات المُستقلة والنمو الإقتصادي .  كذلك يُُشير إختبار الخطأ المعياري للتقدير بأن قيمة (ع) أكبر من قيمتها الجدولية ، وبالتالي فإن علاقة الإنحدار جوهرية ويمكن إستخدامها في التنبؤ بمعدل النمو الإقتصادي نتيجة توقع مؤشر الحاكمية العام ومعدل النمو السكاني . كما أن هذين المتغيرين يُفسران معاً أكثر من 14% من التغير في معدل النمو الإقتصادي في الدول العربية .
وبناء عليه ، يُمكن إعادة صياغة المعادلة (2) التقديرية أعلاه لتصبح معادلة تطبيقية (Ex-Post) ، كما يلي :
النمو الإقتصادي = 5.23 + 4.33 * الحاكمية الرشيدة + 0.27 * النمو السكاني    (3)
وبهدف التأكد من إتجاه العلاقة من الحاكمية للنمو الإقتصادي ، وليس العكس ، فقد تم عنقدة البيانات (Clustering) وإستخدامها في نموذج الإنحدار المتعدد ذو التأثير العشوائي (Random-Effects (GLS) Regression) ، وقد ظهرت النتائج مؤكدة لما تم إستنتاجه أعلاه من حيث وجود تأثير للحاكمية الرشيدة على معدل النمو الإقتصادي ، كما هو مبين في الجدول (5) ، على النحو الآتي :
جدول (5) نتائج إختبار نموذج الإنحدار المتعدد ذو التأثير العشوائي للفرضية الأولى
العامل التابع: معدل النمو الإقتصادي
معامل التغير (ب)
قيمة (ت) المحوسبة
مستوى المعنوية
المعامل الثابت (أ)
4.536652
7.36
0.000
المعدل العام للحاكمية
1.696435
1.93
0.054
معدل النمو السكاني
0.3116314
3.18
0.005
(*) ذات دلالة إحصائية عند مستوى 5% أو أقل .
عدد المشاهدات = 182 ، عدد المجموعات = 14 ، عدد المشاهدات لكل مجموعة = 13
معامل التحديد (R2) : داخل المجموعات = 5.88%، بينها = 45.19%، المعدل العام = 17.33%.
إختبار الخطأ المعياري : القيمة المعيارية (Wald Chi2(2)) = 20.30 ومستوى المعنوية = 0.0000 .
حيث تبين من الإختبار بأن قيمة (ت) المحسوبة لمعاملات التغير (ب1) و(ب2) ذات دلالة إحصائية عند مستوى معنوية 5% أو أقل . كذلك يُُشير الإختبار إلى أن معادلة خط الإنحدار تُمثل العلاقة بين المتغيرات وبنسبة خطأ أقل من 1/10000 . وبالتالي ، يمكننا التأكيد على أهمية الحاكمية في تحقيق النمو الإقتصادي ويمكن البناء على هذا النموذج في التنبؤ بمعدل النمو الإقتصادي نتيجة توقع مؤشر الحاكمية العام ومعدل النمو السكاني . كما أن هذين المتغيرين يُفسران معاً أكثر من 17% من التغير في معدل النمو الإقتصادي في الدول العربية .
وبناء عليه ، يُمكن إعادة صياغة المعادلة (3) أعلاه لتصبح كما يلي :
النمو الإقتصادي = 4.54 + 1.70 * الحاكمية الرشيدة + 0.31 * النمو السكاني    (4)
وقد تم إعادة التحليل الإحصائي لما ورد أعلاه بإضافة متغير عشوائي (Dummy Variable) يشير فيما إذا كانت الدولة نفطية أم لا (يأخذ القيمة 1 للدول النفطية وصفر لغير ذلك) . ولكن جميع النتائج الوارده أعلاه لم تتغير على الإطلاق . وبالتالي يمكن القول بأنه كون الدولة نفطية لا يؤثر في العلاقة السببية بين الحاكمية والنمو الإقتصادي . وهذا يُعزز نتائج الدراسة من حيث أن تأثير الحاكمية على النمو غير مرتبط بدرجة ثراء الدولة ، وهي العلاقة السببية ليست تحصيل حاصل . 
ولمعرفة أيِ من مقاييس الحاكمية الرشيدة الستة أكثر تأثيراً بالنمو الإقتصادي في الدول العربية ، فقد تم إعادة كتابة المعادلة (1) أعلاه على النحو الآتي :
النمو الإقتصادي = ق (المشاركة والمسألة ، النمو السكاني)                       (5)
النمو الإقتصادي = ق (الإستقرار السياسي ، النمو السكاني)                    (6)
النمو الإقتصادي = ق (فعالية الحكومة ، النمو السكاني)                                  (7)
النمو الإقتصادي = ق (جودة التشريع ، النمو السكاني)                                   (8)
النمو الإقتصادي = ق (سلطة القانون ، النمو السكاني)                                    (9)
النمو الإقتصادي = ق (محاربة الفساد ، النمو السكاني)                                    (10)
وقد تم إستخدام بيانات الدراسة في إختبار هذه المعادلات ، كلٌ على حدة ، بإستخدام البرنامج الإحصائي (Stata ®) ، وبتطبيق نموذج الإنحدار المتعدد ذو التأثير العشوائي (Random-Effects (GLS) Regression) للبيانات المُعنقدة فقد ظهرت النتائج على النحو المبين في الجدول (6) ، حيث كل عمود يُعبر عن إختبار مستقل لإحدى مؤشرات الحاكمية الستة ، وعلى النحو الآتي :
جدول (6) نتائج إختبار نموذج الإنحدار المتعدد ذو التأثير الثابت للفرضيات الثانية وحتى السابعة
العامل التابع: معدل النمو الإقتصادي
المشاركة والمسألة
الإستقرار السياسي
فعالية الحكومة
جودة التشريع
سلطة القانون
محاربة الفساد
معامل التغير (ب)
0.006
0.007
0.101
*0.017
**0.014
*0.014
قيمة ت المحوسبة
0.660
1.24
1.20
2.17
1.79
2.01
مستوى المعنوية
0.509
0.215
0.229
0.030
0.073
0.045
معامل التحديد R2
16.6%
17.60%
16.31%
14.47%
17.47%
18.06%
القيمة المعيارية Wald Chi2 (2)
16.40
18.07
17.10
20.16
19.40
20.15
مستوى المعنوية للخطأ المعياري
0.000
0.000
0.000
0.000
0.000
0.000
(*) ذات دلالة إحصائية عند مستوى 5% أو أقل ، (**) ذات دلالة إحصائية عند مستوى 10% أو أقل.
عدد المشاهدات = 182 ، عدد المجموعات = 14 ، عدد المشاهدات لكل مجموعة = 13
يتبين من الإختبارات السابقة بأن قيمة (ت) المحسوبة لمعاملات التغير لمؤشرات المشاركة والمسألة والإستقرار السياسي وفعالية الحكومة أقل من قيمة (ت) الجدولية ، أي أن قيم (ب) تساوي صفراً . وبالتالي ، فإنه ليس لأيِ من هذه المؤشرات (منفردةً) تأثير واضح على النمو الإقتصادي في الدول العربية . وعلى العكس من ذلك ، فلمؤشرات جودة التشريع وسلطة القانون ومحاربة الفساد تأثير على النمو الإقتصادي . وفي جميع الإختبارات السابقة ، كان لمتغير النمو السكاني تأثير على النمو الإقتصادي ، وأما المتغير عشوائي (Dummy Variable) الذي يشير فيما إذا كانت الدولة نفطية أم لا ، فلم يكن له تأثير على الإطلاق . وبالتالي يمكن تأكيد القول بأنه كون الدولة نفطية لا يؤثر في العلاقة السببية بين أيِ من مؤشرات الحاكمية والنمو الإقتصادي .
كذلك ، فقد تم إختبار جميع المؤشرات في نموذج واحد على الشكل الوارد في المعادلة (11) التالية :
النمو الإقتصادي = أ + ب1 * المشاركة والمسألة + ب2 * الإستقرار السياسي + ب3 * فعالية الحكومة
+ ب4 * جودة التشريع + ب5 * سلطة القانون + ب6 * محاربة الفساد + معامل الخطأ           (11)
وبإتباع نفس المنهجية المتبعة في الإختبارات السابقة وتطبيقها على النموذج أعلاه ، إلا أنه لم يظهر أي تأثير ذو معنوية إحصائية لأي من مؤشرات الحاكمية الستة على النمو الإقتصادي . ويُعزى السبب في ذلك إلى مشكلة الإرتباط الذاتي (Auto-Correlation) في البيانات وإنحرافاتها المعيارية ، حيث أن جميع مؤشرات الحكم الرشيد في كثير من الدول العربية ضعيفة ، بسبب إنعدام المشاركة ومركزية الدولة وضعف كفاءة المؤسسات وضعف دور مؤسسات الحكم المحلي ، وفساد التشريعات وضيق مساحة الحريات ، والمعوقات الاجتماعية والعادات والتقاليد المقيدة وضعف الحوافز الإجتماعية والإقتصادية للإبداع والمخاطرة والمغامرة .

Post a Comment

أحدث أقدم