فاللغة إذن ارتباط بين التفكير  والكلام 
قدرة الشخص على إخراج أصوات معينة بنغمة خاصة،  والاجتماعي هو اصطلاح المجتمع على أن هذه الأصوات تدل على معان محددة،  وأن هذه الأصوات مرتبطة بمعانيها بدون اختلال ولا شك أن هذا الأمر يتطلب جهازاً عصبياً قد بلغ حداً معيناً من الكفاءة.  فالتفكير هو والذي يخلق المعاني  ولكن الجهاز الصوتي والذي هو يعبر عنها بالكلام ..
فاللغة إذن ارتباط بين التفكير  والكلام  وبذلك تختلف عن الأصوات التي يخرجها الببغاء.  والأصوات التي تخرجها الحيوانات  والطيور منطلقة من أفعال منعكسة. (1)
  إن اللغة تحيا بأهلها قبل أن تحيا بتركيبها  وتحظى بالصدارة عندما يكون أهلها قد ساهموا في التطور الحضاري العـالمــي، ولعل مؤلفات ابن سينا،  والبيروني،  والفارابي، والرازي، وابن الهيثم،  والخوارزمي،     وابن النفيس،  وابن خلدون،  والزهراوي  وغيرهم من أعلام الحضارة العربية الإسلامية لتؤكد صدق ما نقول. 
فقد طوع هؤلاء العباقرة لغتهم العربية لمصطلحات العلوم الكونية  والطبيعية  والإحيائية فأنتجوا حضارة رائعة ساهمــت  مساهمة فعالة في تقدم الحضارة الإنسانية مما يستوجب الكشف عن وجهها الحضاري أولا. 
  لقد عرفت اللغة العربية بسعتها  وثرائها  وبما تملك من وسائل النمو والتطور من اشتقاق  ومجاز ونحت  وتعريب.  وقـد استطاعت بفضل هذه الخصائص أن تستوعب الثقافات   والعلوم القديمة حيث قام النقلة        والمترجمون في عصور الإسـلام الأولى بترجمة كتب اليونان  والفرس  والهند إلى اللغة العربية حتى أصبحت اللغة العربية في تلك العصور لغة العلم   والمـعرفـــة  والتجارة في أنحاء العالم فالعرب هم أصل العلم الحديث  وخاصة في حقول الطب  والكيمياء   والرياضيات والفلك كما يـرى بيرجيرو.
    وقد استيقظت الشعوب الأوروبية من سباتها العميق نتيجة احتكاكها بالعرب  والمسلمين حيث بلغت نسبة الأمية بين الأوروبيين في ذلك العصر 99% في حين بلغ عدد الجامعات الإسلامية في الأندلس وحدها سبع عشرة جامعة في القرنين العاشر  والحادي عشر ميلادي حسب ما ذكره المؤرخ الأمريكي جاكسون (J.G.Jackson)، وأخذت تلك الشعوب تنهل من مصـادر الحضارة العربية الإسلامية المتواجدة في الأندلس  وجنوب إيطاليا  وجنوب فرنسا   وصقلية التي استوطنها العرب  والمسلمون مـئات السنين حيث تبنى الأوروبيون تلك الحضارة الزاهرة  وتبعاً لذلك أخذوا معها المئات   وآلاف من الألفاظ العربية، فقد دخلت الألفاظ العربية إلى اللغات الأخرى فهي لم تترك لغة من لغات أوروبا إلا وتركت فيها آثراً .
 وعندما ترجمت الكتب العربية لأول مرة إلى اللاتينية كان الأوروبيون يحاولون أن يستمدوا معلومات من العرب في الكيمياء  والطب  والرياضيات  والفلك الخ.. فبدأت الكلمات العربية تغز والعقول الأوروبية. (2)
فرغم زوال الحكم الإسلامي في صقلية  واستيلاء النورمان  ومن بعدهم الجرمان على تلك الجزيرة إلا أنهم استبقوا أنظمة  الدولة الإسلامية مع الموظفين العرب  والمسلمين القائمين عليها  وبقيت اللغة العربية لغة سجلات الدولة أ والدواوين كما   كانوا يسمونها.   وقد استمرت الأمور على هذه الحالة بعد مضي مائة  وخمسين عاما على استيلاء الأوربيين على الحكم في  هذه  الجزيرة كما ذكرت المستشرقة الألمانية زيجرد هونكة .
 وقد كان الإمبراطور الجرماني فريدريك الثاني أشهر حكام صقلية   ( 1215-1250م)   وابنه ( مانفرد )  (Manfred) يعرفان اللغة العربية قراءة  وكتابة. وقد ألفا الكتب بالعربية  وترجمت إلى اللاتينية.وأنشأ فريدريك الثاني جامعة نابولي عام 1224م وأهداها مجموعة كبيرة من الكتب العربية. (2)
أما في الأندلس فنجد أن الأسبان المسيحيين المثقفين بمن فيهم رجال الدين المسيحي قد انصرفوا عن اللغة اللاتينية ( لغة الثقافة  والدين في أوروبا في القرون الوسطى)  وأقبلوا على اللغة العربية وآدابها  وبلاغتها  وعلومها وعلى الفقه الإسلامي  والفلسفة الإسلامية،  ولدينا في هذا المجال شاهد معروف هو أسقف مدينة قرطبة الفارو  Alvaro الذي عاش في القرن التاسع الميلادي  والذي يتحسر على انصراف المسيحيين الأسبان عن اللغة اللاتينية إلى اللغة العربية بأقواله التالية :-
".. يقبل أخواني المسيحيون على أشعار العرب  وقصصهم،  ويدرسون كتب الفقهاء  والفلاسفة المسلمين لا ليفندوها، بل   ليكتسبوا المقدرة على التعبير بالعربية بدقة  وبلاغة أكبر  وأين تجد اليوم عاميا يقرأ الشروح اللاتينية على الكتاب المقدس ؟   وأين ذلك الذي يدرس الأناجيل  وأسفار الأنبياء  والرسل؟ إن جميع الشباب المسيحي الذي عرف بمواهبه لا يعرفون إلا لغة العرب  وأدبهم،  ويقرأون الكتب العربية  ويدرسونها في حمية،   ويجمعون منها مكتبات عظيمة بتكاليف باهضة، ويصرحون بعل  وأصواتهم في كل مكان بأن الأدب جدير بالإعجاب .. فإذا حدثتهم عن الكتب المسيحية أجابوك ساخرين  بأنها أتفه من أن تستحق اهتمامهم.  وبين الألوف منا لا يكاد يوجد واحد يمكنه أن يكتب رسالة لصديق بلاتينية صحيحة، بينما ليس هناك حصر لأولئك القادرين على التعبير عن بنات أفكارهم بالعربية،  وقرض الشعر بها بمقدرة فنية تفوق مقدرة العرب أنفسهم!".  (3)             
أما في إيطاليا فقد مكث العرب في جنوب إيطاليا ثلثمائة سنة تقريباً، فاستعرب أهل تلك المناطق، وأصبحوا يتكلمون اللغة العربية  ويدينون بعادات العرب، وكان العرب المسلمون يتركون الحرية الدينية لغير المسلمين.  وكان من نتائج هذا الاختلاط أن تسمى الكثيرون بأسماء عربية،  وأصبحت الأماكن  والحاجات  والشوارع  والقصور وأدوات الزينة  والحرب  ومتاع البيوت  وغيرها لها أسماء  ومظاهر عربية،  وانتقلت من جنوب إيطاليا إلى وسطها  وشمالها. (4) 
 ويقول المستشرق الإيطالي " رينالدى"(إن الجزء الأعظم من الكلمات العربية الباقية في اللغة الإيطالية التي تفوق الحصر دخلت اللغة الإيطالية لا بطريق السيطرة العربية  والغز ولكن بطريق المدنية الإسلامية المتطورة المتقدمة التي امتاز بها العرب  والمسلمون  والتي كثيراً ما تؤلف بين مظاهر الحياة المختلفة  وأن كثيرا من الكلمات العربية استخدمت في  اللغة  الإيطالية  ولا سيما في لغة العلم  وقال أن من أثر تأثير الحضارة العربية في إيطاليا  وقوة لغتها الغراء  وأن ذلك دفع حكومة  جنوه الإيطالية إلى أن تؤسس في بداية القرن الثالث عشر الميلادي 1207م مدرسة لتعليم اللغة العربية  ويدل ذلك على  وجود كلمات كثيرة في لغة هذه المدينة  وفي اللغات العامية في جميع المدن الإيطالية التي خضعت للمد الإسلامي طوال فترة الوجود الإسلامي في إيطاليا أ وتاجرت مع الشرق الإسلامي بعد أن انفصلت عن السيادة الإسلامية)  وإن العلوم العربية الإسلامية بكل فروعها أخذت تنتشر في كل المدن الإيطالية  ومن هنا فإنه يمكن القول بأن الحضارة العربية الإسلامية هي صاحبة الفضل الأول  والأخير في ظهور عصر النهضة في إيطاليا  وفي أوروبا في العصور الوسطى   وأن ترجمة الكتب العربية الكثيرة في مختلف فنون المعرفة الإنسانية إلى اللغة اللاتينية هي السبب المباشر  والقوى لازدهار حضارة الغرب  والتي ينعم               بها العالم اليوم.  (5) 
أما في فرنسا فيرى " جوستاف لوبون " أن انتصار شارل مارتل في معركة بواتييه لم يكن له أهمية كبرى كما يزعم  المؤرخون الغربيون، بل أن مارتل اخفق تماما في إجلاء العرب عن المدن التي فتحوها، بل تقهقر أمامهم تاركا لهم ما فتحوه ".  ويضيف قائلا [ وقد ثبتت إقامة العرب في فرنسا مدة تزيد عن قرنين بعد شارل مارتل مما يؤكد أن النصر الذي احرزه لم يكن مهماً ]. وقد بدأ تأسيس دواوين الحكومات على الطريقة العربية في مقاطعات فرنسا الجنوبية المتاخمة لحدود الأندلس. ثم انتقلت  النظم العربية الإدارية إلى بقية  البلدان الأوروبية،  وطعمت ببعض النظم المحلية.  كما قلد الأوروبيون العرب في إنشاء المجالس الشورية.  (6)

Post a Comment

Previous Post Next Post