تاثير العرب على فرنسا
ولم يكن بقاء العرب المسلمين في جنوب فرنسا لعدة قرون إلا ليترك أثره القوى  والواضح في البلاد فقد ترك المسلمون أثرا عميقا في اللغة الفرنسية  وفي الدم  وذلك لاستقرار أناس كثيرين منهم بالقرب من المدن التي استولوا عليها  وفي ذلك يقول  أحد الباحثين الفرنسيين أنفسهم أن الدم العربي لا زال متغلبا في جنوب فرنسا ولا سيما في  برست  وغيرها من المدن  وفي جبال الألب  وفي  إقليم الساف وإذ نرى إلى اليوم أناسا سحنتهم عربية صرفة  ولهم لغة خاصة  ويسميهم أهل تلــك الأرجاء بالشرقيين  ولم يزل هؤلاء في عزلة عن الفرنسيين   ولا يتزوجون من غير جماعاتهم  ومن عاداتهم لا يقيمون المراقص في حفلاتهم  ويتحجب معظم نسائهم  وتحمل كثير من أسمائهم اسم الله ظاهراً كعبد الله  وفتح الله  وهم يحفظون أنسابهم  ويفتخرون بأنهم من سلالة العرب الفاتحين لهذه الأرجاء  والتي خضعت لنفوذ أجدادهم  وسيطرتهم في عصر الإسلام الزاهر  في القارة الأوربية ولقد وضع العرب في الأراضي الفرنسية الخاضعة لنفوذهم نظاما إداريا لإدارة هذه النواحي. 
 وذكر المستشرق الفرنسي الثقة سيدي " أن اللهجات السائدة لولاية أوفرن وولاية ليموزان الفرنسيتين محشوة بالكلمات العربية  وأن أسماء الأعلام فيها ذات مسحة عربية ". (7)
    ومن بين مدائن جنوبي فرنسا الجديرة بالذكر مدينة مرسيليا التي ألف فيها ريموند في سنة 1140 جداول الكواكب   المؤسسة على زيجات طليطلة.  وكذلك مدينة ( تولوز) التي أكمل فيها  (هيرمان الدلماشي) في سنة 1143 ترجمة المجريطي لكتاب بطليموس في الفلك. وكذلك ( ناربون) التي ترجم فيها ابراهام بن عزرا سنة  1160 شرح البيروني على جداول الخوارزمي. ومدينة مونبيلييه التي كانت مركزا للدراسات الطبية والفلكية في فرنسا ومما يجدر ذكره أن الذين قاموا بإنشاء جامعة مونبيلييه هم ثلاثة من كبار الأساتذة المسلمين الأندلسيين المشهورين بالطب  والعلوم  والفلسفة  وقد ارسلتهم الدولة الإسلامية الأندلسية بناء على طلب أهالي مدينة مونبيلييه لمساعدتهم في إقامة تلك الجامعة  وذلك في أوائل القرن الثاني عشر.   وهناك طالب فنون من باريس  توجه عام 1137  إلى مونبيلييه لدراسة الطب.   وقد شاهد في هذه المدينة نسبة كبيرة من السكان العرب        واليهود، بالإضافة إلى مسيحيين متكلمين بالعربية.   وكان لهذه الجامعة في أوائل القرن الثالث عشر علاقات وثيقة بالجامعات العربية في جنوبي إسبانيا.
  ولهذا السبب كانت مساهمة مونبيلييه في تطوير الطب الأوربي على مذهب العرب أعظم مما يعتقد عادة. 
   أما في شرق فرنسا، فكانت مدينة كلوني، التي كان يضم ديرها عددا من الرهبان الأسبان، خلال القرن 12 تعتبر مركزا ممتازا لنشر العلوم العربية. وكان رئيس ديرها بطرس الوقور، فيما بين سني 1141-1143 يشرف على الترجمة الأولى للقرآن. وقد جعلت العلوم العربية التي دخلت إلى مقاطعة اللورين في القرن العاشر تلك المقاطعة مركزا علميا ذا أثر كبير خلال القرنين التاليين  وكانت مدائن (لييج) (Liege)و( كورز) (gorze)    و ( كولون) ( Cologne)  وغيرها من مدائن اللورين أيضا صالحة لأنماء الثقافة العربية.  ومن اللورين أخذ العلم العربي يشع إلى أجزاء ألمانيا الأخرى. ونقل إلى إنجلترا النورمندية على أيدي رجال ولدوا أو تعلموا في اللورين، وكانت السفارات بين ملوك الألمان في الشمال  والحكام المسلمين في أسبانيا كثيرة متعددة  ومثمرة   من الناحية العقلية. 
أما في إنجلترا فقد حفظ لنا معجم " لاروس " برنامج الدراسة في كلية العلوم في لندن  وهو ويشمل :
1-   الفلسفة الرشدية .
2-   علم الفروسية عند العرب .
3-   فن الصيدلة المقتبس من مصر .
4-   الحساب. 
5-   الجبر  وهو من العلوم العربية .
6-   فن الطهي الحديث. 
7-   فنون الموسيقى  وتطبيقات مصطلحاتها الشرقية على الموسيقى الإفرنجية .
8-        الكيمياء العضوية  وهي من وضع العرب  وتتضمن أصول صنع الألبان  ومزج عناصر الغذاء.
      وقد أصبحت هذه الكلية مركزا لتخريج الأساتذة  والخبراء في أوروبا بأكملها.  (8)      
  وبشكل عام فقد أصبحت مرافق الدول الأوروبية تحاكي مرافق الدولة العربية بالأندلس   وكانت مملكة بافاريا من ابرز الدول الأوروبية اعتمادا على النظم العربية،  وقامت في مدينة ( بال ) الألمانية أول محكمة قانونية على الطراز  العربي الإسلامي.  (9)
 والآن يمكننا أن نقول بكل ثقة  ومن خلال الأدلة الواردة في الفقرات السابقة إن اللغة العربية قد دخلت إلى المناطق المختلفة في أوروبا  وأثرت في لغاتها مع دخول الحضارة الإسلامية التي شكلت القاعدة الحقيقية للنهضة الأوروبية على اعتبار أن اللغة العربية هي وعاء تلك الحضارة. 
    ومن اللغات التي تأثرت باللغة العربية الإسبانية  والبرتغالية  والفرنسية  والإنجليزية  والغالية القديمة  والألمانية  واللغات الجرمانية الأصل كالهولندية  والاستكندنافية في شمال أوروبا  وفي الروسية  والبولندية  والصقلية والإيطالية .وقد أشارت بعض   المعاجم إلى هذا التأثير الواسع  والعميق.  (10)


  ويرى الدكتور المستشرق عبد الكريم جرمانوس أن للغة العربية سند هاماًً أبقى على روعتها   وخلودها هو"الإسلام" فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة  والعصور المتباينة  واللهجات المختلفة، على نقيض ما حدث للغات القديمة المماثلة كاللاتينية حيث انزوت تماما بين جدران المعابد  وكادت تنقرض.

Post a Comment

Previous Post Next Post