الفلاح والتنمية
حين نراجع أقوال المفسرين عن لفظة الفلاح، تراهم يشيرون إلى انه هو النجاح في الدنيا والفوز في الآخرة، كما تراهم أيضا يشيرون إلى انه النجاح الذي يتحقق في كافة الأبعاد.وبذلك فان النجاح الذي يريده القرآن الكريم بالنسبة للمجتمعات، هو ما ينادى به اليوم ويعد مقياسا لرقي وتقدم أي مجتمع وهو التنمية الشاملة والمستدامة، شاملة بمعنى النجاح في كل الأبعاد الحياتية، ومستدامة أي متواصلة غير متوقفة، وهي في بصيرة القرآن الكريم مستمرة مع الإنسان حتى إلى ما بعد الموت، إذ هي نجاح في الدنيا وفوز في الآخرة.
يقول الراغب الأصفهاني في غريب مفردات القرآن:(الفلاح الظفر وإدراك بغية، وذلك ضربان: دنيوي وأخروي، فالدنيوي الظفر بالسعادات التي تطيب بها الحياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز، وفلاح أخروي وذلك أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل) وبهذا المعنى يكون الفلاح في الدنيا هو النجاح الشخصي والتنمية المجتمعية، والفلاح في الآخرة هو الفوز بالدخول إلى الجنة الموعودة.
يقول الطبري في قوله تعالى:"أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون"البقرة/5:(أولئك هم المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله تعالى ذكره بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله، من الفوز بالثواب، والخلود في الجنان.. ثم نقل عن ابن عباس رضي الله عنه: أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا).وفي تفسير ابن كثير "أولئك هم المفلحون" أي المنجحون، ويقول الطبري في تفسير الآية من سورة آل عمران "واتقوا الله لعلكم تفلحون" أي تنجحون.وبناء على ذلك فان أي لفظة في القرآن الكريم تتحدث عن الفلاح فإنها تعني النجاح الشخصي حين تأتي بصيغة الإفراد، والتنمية المجتمعية حين تكون بصيغة الجمع، وهنا يمكن لنا أن نجد التوجيه الديني في مواضيع التنمية.

يمكن لنا في التفصيل أن نراجع كافة الآيات التي وردت فيها لفظة الفلاح أو مشتقاتها،ولفظة التزكية ومشتقاتها ولفظة الإحياء ومشتقاتها،لنجد التعاليم الدينية المتصلة بموضوع التنمية بشكل عام والتنمية البشرية بشكل خاص.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن التنمية التي تفهم من ألفاظ القرآن الكريم،ومن ثم الدين الإسلامي تتركز في ما يطلق عليه بالتنمية البشرية،باعتبار الإنسان محورا للتنمية،وما تنمية الأبعاد الأخرى كالتنمية الاقتصادية إلا لصالح التنمية البشرية،وغير ذلك فليست ذي قيمة،إذ الإنسان هو محور الكون،وما خلق الله عز وجل الأشياء إلا لخدمة هذا الإنسان،وهذا ما نجده في دلالة لفظة التسخير التي تكررت في الآيات القرآنية الكريمة،كقوله تعالى:" ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَار،َوَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ"إبراهيم/32.33
وقوله تعالى:" وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"النحل/12
وقوله تعالى:" وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"النحل/14
وقوله تعالى:" وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"الجاثية/13

Post a Comment

Previous Post Next Post