مقاربات الدين والتنمية


1/الدين توجيه سماوي وحاجة إنسانية
جرى تناول الدين من قبل الدراسات الاجتماعية باعتباره ظاهرة اجتماعية،تعبر عن حاجة الناس للارتباط بالغيب للهروب ربما عن عجز يشعرون به في مواجهة قساوة الطبيعة أو مواجهة طغيان البعض منهم والجنوح نحو الاستئثار بالموارد التي يتوفر عليه المجتمع،وهذه النظرة في تناول الدين خاطئة،بالإضافة إلى كونها غير منصفة حيث تعتبر الأديان منتوجا بشريا،كما تجعل الدين في اطر ضيقة جدا وتمنع على الناس استثمار الرصيد الديني الضخم والتجارب الدينية عبر التاريخ،وتلغي تأثيراته لصالح قضايا التنمية.
وما يراه الباحث أن الدين ليس مجرد ظاهرة اجتماعية يبتكرها أفراد عباقرة أو طغاة ومخادعون في مجتمعات بشرية مختلفة بغية الاستجابة لواقع اجتماعي محدد،بل هو رسالة سماوية من الله عز وجل للبشرية،ليعبدوه ويستثمروا حياتهم الدنيا بأفضل ما يمكن،من خلال الأخذ بالمعطيات الدينية التي جاء بها الأنبياء والرسل وأرسى معالمها الأئمة الأوصياء والعلماء عبر التاريخ البشري المديد.
وعليه يصبح الأخذ بهذه التعاليم ليس مجرد قضية تعبدية تريح الإنسان من البحث عن ما وراء النصوص،واكتشاف العلل والدلالات،بل قضية علمية ينبغي للعلماء إفراغ وسعهم بغية استثمار ما صح من النصوص الدينية سيما التي تمثل وحيا منزلا من الله عز وجل على الأنبياء والرسل،وبوجه خاص على نبينا محمد (ص) لبناء حياة أفضل للإنسان على وجه الكوكب الأرضي،وهو ما تسعى إليه الأمم المتحدة والدول على مختلف مشاربها تحت عناوين التنمية،التي أخذت في التوسع مع مرور الزمن،فمن الاهتمام بالجانب الاقتصادي ورفع معدلات الناتج القومي كمعبر عن التنمية كما نظر إليه في منتصف القرن الماضي،إلى الاهتمام بالبيئة وحقوق الإنسان والحكم الرشيد،وأهداف الألفية الثالثة،كما نراه في أدبيات مطلع هذا القرن.
وما يهمنا بالدرجة الأولى أن ننظر إلى الدين باعتباره مصدرا أساسيا لبناء حياة أفضل للإنسان على وجه الأرض،وهو لا يتناقض مع الجهود الإنسانية في هذا السبيل،ولا يصطدم بالنتائج العلمية المحكمة،بل يؤكدها ويرشد إلى آفاق أخرى يمكن التنبه إليها وأخذها بعين الاعتبار،ويربط بين مختلف القضايا،إذ يرى أن مؤداها واحد وتسير إلى نتيجة واحدة تؤكد وحدانية الله سبحانه وتعالى،وخالقتيه للإنسان والكون وما فيه.
إن الأخذ بالتعاليم الدينية قد يأتي من اعتقاد ديني يعني الثواب والعقاب الأخروي من الله سبحانه وتعالى،فيكون عقيدة راسخة في لاشعور الإنسان وحاضرة في وعيه،وظاهرة على سلوكه،ويمكن الأخذ بهذه التعاليم أيضا من وجهة نظر تنموية بحتة،بمعنى استثمار المعطى الديني كمورد أساسي لقضايا التنمية،بغض النظر عن الاعتبار ألاعتقادي.
وعلى الحالين فان النتيجة النهائية تصب لصالح قضايا التنمية الاقتصادية أو البشرية أو الشاملة والمستدامة،وكمثال لذلك طريقة التعامل مع الموارد المائية التي تعتبر المحافظة عليها والاستخدام الأمثل لها مسألة تنموية أساسية،سيما مع التهديدات المائية التي تعانيها بلدان كثيرة في العالم،لدرجة تحول المصادر المائية إلى عوامل صراع حالي ومستقبلي ،في الوقت الذي تستهلك فيه بعض الشعوب الماء بهدر كبير،دون إحساس بالقيمة الخطيرة لهذا المورد الهام.
فقد يستفاد من التعاليم الدينية للحفاظ على هذه الثروات،من خلال البعد ألاعتقادي،حيث أن الإسراف في تناول أي مورد ومنها المورد المائي محرمة شرعا لحرمة الإسراف،فتساهم هذه التعاليم بشكل فاعل في التقليل من الهدر لهذه الثروة العظمية،وقد يستفاد من هذه التعاليم باعتبارها تعاليم تصب لصالح العملية التنموية،وتحافظ على الموارد الطبيعية التي يحتاجها الإنسان حاضرا ومستقبلا.

Post a Comment

Previous Post Next Post