التفسير
الاقتصادي لتدهور البيئة
طرحت
المدرسة النيوكلاسيكية وهي المدرسة الرئيسية في علم الاقتصاد منذ
السبعينات،تفسيرها لأسباب تلوث البيئة منطلقة من افتراض نظري مؤداه حالة الاقتصاد
الذي تسوده المنافسة الكاملة،وبحسب هذا الافتراض أن هنالك سببين لتدهور
البيئة،يتمثلان في إخفاق السوق،أو التدخل الحكومي غير المناسب،وقد يكون للسببين
معا،وفيما يلي التفصيل لكل واحد منهما.
الأول:إخفاق
السوق.
يرجع
إخفاق السوق إلى عدة عوامل منها وجود وفورات خارجية سلبية،وسلع سيئة،ومخاطر غير
مقبولة،وعدم التيقن مما سيحمله المستقبل،وأخيرا التفاوت الهائل في توزيع الدخل
والثروات وانتشار الفقر.
وتتمثل
الوفورات الخارجية السلبية بكثرة المشروعات التي تعمل في صناعة واحدة في منطقة
جغرافية واحدة،حيث يخلق ذلك الطلب على خدمات متعاونة،وعلى منتجات الصناعات
المغذية،ومن ثم فان وجود هذه المشروعات في المنطقة نفسها يؤدي بطريق غير مباشر إلى
انخفاض نفقة الإنتاج في كل منها لوجود الخدمات المعاونة،وهذا مردود ايجابي،غير أن
التأثير السلبي،فقد يؤدي استخدام مشروع معين مجاري الأنهار للتخلص من الفضلات إلى
تسمم الأسماك،فيؤدي ذلك إلى وفورات سلبية بالنسبة إلى صائدي الأسماك
ومستهلكيها،كما انه يرفع من نفقة توفير المياه الصالحة للشرب في المرفق المسئول عن
ذلك.
وتصبح
سلعة الهواء وهي سلعة عامة رديئة حين تتقاعس السلطة العامة عن تنقية الهواء،أو
عندما لا تقوم بالمحافظة على الأنهار من إلقاء المخلفات فيها،فتصبح سلعة الماء
سيئة،خصوصا عندما يكون مياه الأنهار المصدر المباشر لمياه الشرب للمواطنين الذين
لاتصل إليهم المياه النقية،أو للصيادين الذين يعتمدون على الصيد منه كسبا للرزق.
ومن
ناحية أخرى فان عدم ضمان السوق لمخاطر الاستثمار في الأجل الطويل يقف عائقا أمام
اخذ المنتجين وخصوصا الفقراء منهم بأساليب الزراعة أو التكنولوجيات الصديقة
للبيئة،كما أن التعامل في الأسواق المستقبلية ينطوي على صعوبات كثيرة،فيرى البعض
أن صعوبة التعرف على سعر السلعة في المستقبل يجعل المنتجين والبائعين يهدرون سلعا
قيمتها قد تكون منخفضة في الحاضر،ولكن يمكن أن تؤدي ندرتها المتزايدة إلى ارتفاع
قيمتها في المستقبل.
وأخيرا
فان قوى السوق قد تنتج توزيعا للثروات والدخول يتركز فيه جانب كبير من الثروات
والدخول في أيدي قليلة بينما لا تحظى غالبية المواطنين إلا بقدر محدود منها،ويعني
ذلك أن يكون الفقر هو نصيب الغالبية،وإذا كان الفقراء لا يملكون من الدخل والثروة
ما يسمح لهم بالتعامل الصحيح مع الطبيعة فهم أيضا ضحايا تدهور الأوضاع البيئية.
الثاني:الأثر
السلبي للسياسات الحكومية،ويتمثل فيما يلي:
1-عدم
تحديد حقوق الملكية أو عدم مراعاتها.
وتبرز
هذه المشكلة في حالتين،إحداهما تتعلق بصعوبة وقف انتهاك حقوق الملكية عمليا في بعض
الحالات،كما في حالة المصانع التي تنتج دخانا ملوثا للهواء،وقد يلوث أيضا المزارع
المجاورة،ومن ثم يضرر بحقوق الملكية لأصحاب المزارع ،لكنهم لا يمكنهم مقاضاة أصحاب
المصانع.
والحالة
الثانية،حين تكون هنالك أصول مملوكة على المشاع مثل الغابات والمساقي والمراعي،ولا
توجد قواعد تمنع استئثار أصحاب النفوذ،الأمر الذي يترك الصغار للتنافس على مساحة
صغيرة فيحدث فيها التجريف الذي يقود في نهاية الأمر إلى التصحر وما شابهه من مخاطر.
2-السياسات
السكانية:جانبان في هذه السياسة يؤثران على البيئة،الأول يتمثل في توزيع
السكان،حيث أن اكتضاض بعض المناطق بالسكان،يشكل ضغطا على الطبيعة،والثاني الزيادة
السريعة في السكان،حيث يصعب توفير فرص التعليم والرعاية الصحية والعمل،ما يؤدي إلى
الفقر الذي ينعكس على تعامل سلبي مع البيئة.
3-سياسات
الأسعار:فانخفاض الرسوم على قطع الأشجار في الغابات،يشجع على اجتثاثها،ودعم الحصول
على المبيدات الكيماوية يؤدي إلى تلوث المياه،ومصائد السمك.
4-السياسة
الضريبية:إن تفاوت معدلات الضريبة على الحاصلات الزراعية قد يغير من التركيب
المحصولي،وهو ما قد يؤدي إلى سرعة تعرض بعض الأراضي إلى أخطار تعرية التربة.
5-الخضوع
لجماعات المصالح:تستطيع الشركات وأصحاب المصالح التأثير على رجال السياسة،لاستغلال
نفوذهم للقيام بمشاريع دون مراعاة شروط البيئة،وهم في ذلك يأمنون من التعرض للعقاب
والملاحقة القانونية.
6-نوعية
الاستثمارات العامة:تؤثر بعض المشروعات الضخمة على البيئة،سواء كانت سدودا أو
مصانع صلب أو شبكات مواصلات،ومن الضروري دراسة الآثار ومقارنة العائد الناتج عنها
بحجم الاستثمار المخصص لها،خصوصا أن هذه المشروعات قد تقتطع مساحات واسعة من
الأراضي الزراعية أو قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات تلوث الهواء والماء والتربة بدرجات
عالية.
7-حظر
نشر المعلومات الصحيحة عن البيئة:فهناك من الحكومات من تطمس المعلومات الخاصة
بأوضاع البيئة ظنا منها أن المواطنين يجب ألا يعرفوا بخطورة الأوضاع البيئية.
3/أضرار
تدهور البيئة على التنمية
سواء
كانت الأضرار البيئية قادمة من طبيعة أداء السوق،أو سوء التدخل الحكومي،فان هذا
التدهور يعوق عملية التنمية من ثلاث نواح:
الأول:إضافة
أعباء جديدة على عملية التنمية.
الثاني:يؤثر
على صحة العاملين ومن ثم على إنتاجيتهم.
الثالث:يعرقل
استمرارية التنمية.
وقد
قادت هذه النتائج التي خلصت إليها المؤتمرات الدولية سيما التي عقدتها الأمم
المتحدة،إلى التوصل إلى مصطلح التنمية المستدامة باعتبارها الإستراتيجية التي
تضمن استمرارية التنمية من ناحية،والحفاظ
على البيئة من ناحية أخرى.وقد تم عقد مؤتمر يحمل عنوان التنمية المستدامة في
جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا في 26/8وحتى 6/9 سنة 2002م.
وقد
عرفت التنمية المستدامة،بأنها "التنمية التي تفي بحاجات الجيل الحاضر دون أن
تقلل من قدرة الأجيال القادمة على أن تفي بحاجاتها"
ولقد
تضمنت هذه الإستراتيجية التي تم التوافق عليها امميا،ثلاثة أهداف للحفاظ على
الطبيعة،أولها ضرورة استمرار كل العمليات الايكولوجية الأساسية،كسقوط الأمطار
وتدفق الأنهار ونمو النباتات،وثانيها الحفاظ على التنوع الجيني،الذي يقصد به
الإبقاء على مختلف المواد الجينية في كل النباتات والحيوانات وهو ضرورة للإنتاج في
المستقبل،وثالثها الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية.
4/الخلاصة:
ليس
من المبالغة أن يربط اليوم بين التنمية والبيئة،حيث أن الكثير من البرامج التنمية
في العديد من البلدان استتبعها تدهور للبيئة،ومن ثم جاء بنتائج على عكس ما يستهدفه
أصحاب المشاريع التنموية،سيما مع جعل الإنسان المحور في التنمية فيما اصطلح عليه
بالتنمية البشرية،فقد أدت إلى تدهور صحته وزيادة جهله وفقره،الأمر الذي استدعى
وجود إستراتيجية تقف بوجه التدهور البيئي،فكانت التنمية المستدامة.
Post a Comment