
لقد تم البدء في إنشاء المؤسسات التي تقوم بعمليات إعادة التمويل الرهني
بظهور نظام التسهيلات المالية (SMF) « Secondary Mortgage Facility » الذي يقوم على أساس توفير الأموال
اللازمة من أجل و ضعها تحت تصرف السوق العقارية الابتدائية، و يتم ذلك عن طريق خلق
مؤسسات مالية متخصصة تقوم بإصدار سندات في السوق المالية بحيث تستعمل مبالغها في
إعادة تمويل الحافظات المالية المقدمة من طرف البنوك العقارية أو التجارية. و من
هنا أتى التفريق بين الممول الرئيسي للقروض (البنك) و الممول الثانوي للحافظات
المالية (المؤسسة المالية المتخصصة)[1].
1.2-
ظهور مؤسسات إعادة التمويل
الرهني في أوروبا:
بدأ ظهور عمليات إعادة التمويل الرهني في أوروبا
أواخر القرن السابع عشر و بالتحديد في فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، سويسرا و الدول
الاسكندينافية، بعد إنشاء و تطوير نظام البنوك العقارية الذي كان يقوم على عدة
بنوك متخصصة تعمل على منح و إدارة حافظة القروض العقارية لتلجأ فيما بعد إلى السوق
المالية لإعادة تمويل هذه القروض عن طريق إصدار سندات أو أوراق مالية يتم شراؤها
عادةً من قبل المؤسسات المالية مثل شركات التأمين التي تقوم بالاستثمار على المدى
الطويل.
أما فيما يخص ظهور مؤسسات مالية متخصصة، كنموذج
حديث يقوم بعمليات إعادة التمويل الرهني، فقد كان ذلك في فرنسا بعد التدهور الذي
شهدته هذه الأخيرة في مجال السوق الرهنية العقارية وانهيار كبريات بنوكها
العقارية، حيث قامت السلطات الفرنسية بإنشاء مؤسسة جديدة متخصصة برأس مال خاص (سنة
1985) سميت بـ "صندوق إعادة التمويل الرهني"
« Caisse
de Refinancement Hypothécaire : CRH » ليقوم بتمويل القروض العقارية و
إصدار سندات و أوراق مالية عقارية في السوق المالية.
2.2- ظهور مؤسسات إعادة التمويل الرهني في أمريكا: في سنة 1930 تم إنشاء مؤسسة
سميت بالبنك الفيدرالي لتمويل السكن « FHLB :
federal home loan bank » يعمل على نظام التسهيلات
المالية (Secondary Mortgage Facility :SMF)،
لكن يعد أول ظهور للمؤسسات المالية المتخصصة في إعادة التمويل الرهني في الولايات
المتحدة الأمريكية، كنموذج متطور لتمويل السكن، منتصف الثلاثينات و ذلك بعد خلق
مؤسستين متخصصتين في مجال ضمان الرهن العقاري و إصدار القروض السكنية المضمونة
برهونات عقارية من الدرجة الأولى، حيث تمثلت هذه المؤسسات في الجمعية الفيدرالية
للسكن « Federal Home Association » و الجمعية الوطنية الفيدرالية للسكن "فاني
مي" « Fannie Mae »، و لقد
أدى إنشاء هاتين المؤسستين إلى تحريك نشاط السوق العقارية منذ ذلك الحين إلى يومنا
هذا[2].
الشكل
رقم01: نظام التسهيلات المالية (SMF)

و خلال مرحلة الستينات، و
بالتحديد في بداية سنة 1966، عرف نشاط السوق المالية العقارية في الولايات المتحدة
الأمريكية بعض الخلل و الذي يرجع سببه إلى ارتفاع طلب الحكومة على القروض من أجل
تمويل الحرب في فيتنام من جهة، و إلى ارتفاع الطلب على الأموال من طرف المؤسسات
المالية نتيجة التوسع الاقتصادي الأمريكي من جهة أخرى، مما استوجب إعادة هيكلة
السوق الثانوية. و بموجب هذا تم إدراج نظام جديد ألا و هو نظام السوق العقارية
الثانوية الذي جاء ليعوض النظام السابق (SMF).
و لقد تم كذلك خلق فكرة الائتمان المتعلق بالقروض العقارية (Mortgage Securitization) مع بداية
السبعينات و إسناده إلى "فاني مي" لتصبح أول مؤسسة يسمح لها بإصدار
أوراق مالية مؤمنة برهونات عقارية من الدرجة الأولى، حيث سميت هذه العملية آنذاك
بـ (MBS) [3]« Mortgage Backed
Securities » ، و كان المقصود من ورائها جلب
أموال جديدة و وضعها تحت تصرف البنوك العقارية عن طريق شراء محافظ عقارية ذات
نوعية رفيعة، أي أقل خطورة.
و في سنة 1970
بالتحديد، أقدمت الحكومة الأمريكية على إنشاء مؤسسة جديدة أخرى تتعامل بالقروض
العقارية في السوق الثانوية، سميت بـ "فريدي ماك" « Freddie
Mac »، تشجيعاً منها للقطاع الخاص، حيث
كان الهدف من وراء خلقها شراء القروض العقارية التي تصدرها مؤسسات الادخار في
الولايات المتحدة الأمريكية. و في سنة 1971 بدأت "فريدي ماك" بإصدار (MBS)، و في سنة 1975 شرعت كذلك بإصدار
السندات المؤمنة برهونات عقارية من الدرجة الأولى، ليتم خلق جو من المنافسة على
مستوى السوق الثانوية لتداول المحافظ العقارية[4].
و في خضم ذلك تمت إعادة هيكلة "فاني مي" و اقتراحها للخوصصة و
كذا خلق مؤسسة جديدة، سنة 1986، ذات طابع حكومي فيدرالي سميت بـ "جاني
مي" « Ginie Mae »، و ذلك
بغية تدعيم النشاط الذي كانت تقوم به "فاني مي" بالإضافة إلى القيام
بتمويل بعض القطاعات الإستراتيجية الخاصة بالحكومة الفيدرالية.
3.2-
ظهور مؤسسات إعادة التمويل
الرهني في الدول النامية:
عرفت العديد من الدول النامية ظهور هذا النوع من
المؤسسات المالية المتخصصة، على غرار ماليزيا، الشيلي و تايلاند، و لقد حققت هذه
المؤسسات تقدماً كبيراً في مجال إعادة التمويل الرهني كنظام حديث ساهم بقوة في حل
أزمة السكن لدى هذه الدول.
ولا يقتصر الأمر على هذه الدول فقط بل هناك دول
نامية أخرى اعتمدت هذا النوع من المؤسسات، لكن لا يسعنا المجال لذكر كل هذه
التجارب، و نكتفي فقط بالدول التي أشرنا إليها آنفاً في سياق الحديث عن النجاح
الذي حققته هذه المؤسسات، مع التطرق إلى ظهور أنظمة إعادة التمويل الرهني في دول
منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا (les pays de la région MENA).

أما فيما يخص الشيلي، فلقد اتخذت السلطات الشيلية
بعض القرارات (سنة 1991) تدعم المؤسسات المالية المانحة للقروض السكنية و كذا خلق
ضمانات خاصة بها، فضلا عن وضع نظام جديد يعرف بالقروض المدعمة سندياً « la titrisation » وفر لصناديق المعاشات و شركات
التأمين فرصة لاستثمار أموالها بشكل مربح[6].
كما تعد تايلاند هي الأخرى من الدول التي أحرزت تقدماً في حل أزمة السكن
باعتمادها على نظام محكم للتمويل الرهني يعتمد على منح قروض سكنية بأسعار فائدة
متغيرة أو قابلة للتجديد و بأسعار ثابتة، إضافةً إلى إنشاء سوق ثانوية للرهن
العقاري[7].
و يعد إدخال نظام إعادة التمويل الرهني في منطقة
الشرق الأوسط و شمال إفريقيا حديث المنشأ، و لقد كانت الأردن و تونس من الدول
الرائدة في هذا المجال، إذ عرفت أنظمة التمويل العقاري فيها أول ظهور لها مع بداية
سنوات الثمانينات. و تم إتباع هذه التجربة من قبل المغرب، حيث تم إدخال الأنظمة
الرهنية طويلة الأجل في منتصف سنوات الثمانينات. إلا أن هذه الأنظمة لا تزال في
طورها الابتدائي بالنسبة لكل من الجزائر* و إيران و مصر و لم يتم
تطويرها في اليمن.
في بلد واحد فقط من بلدان هذه المنطقة، ألا و هو
الأردن، تم تطوير نظام تمويل السكن بصفة موسعة حيث تجاوز مبلغ التمويل 10 % من الناتج الداخلي الخام. مع ذلك فإن هذا الرقم لا
يعد مرتفعاً نسبياً بالنسبة لاقتصاد بارز. في تونس و الأردن و كذا في لبنان و
المغرب، فإن أنظمة التمويل العقاري تم تطويرها إلى ما بعد الطور الابتدائي، إلا
أنها لا تزال بعد صغيرة نسبياً. في كل هذه الدول، بما في ذلك الأردن، فإن أنظمة
التمويل العقاري تحفز المجموعات ذات الدخل المرتفع و الدخل المتوسط. بالمقابل، فإن
المجموعات ذات الدخل الضعيف ليس لها منفذ للحصول على التمويل الرهني بسبب ضعف
مساهمتها في النظام الشكلي للتمويل، و الطبيعة لا شكلية أو عدم انتظام تدفقات
الدخول و نقص الضمانات[8].
Post a Comment