با أيّها الكرز المنسيّ
" شَهِقَتْ ضيعتُنا مدهوشةً لمّـا علِمتْ أنّ عُمَر القاسم صار وزيرًا ، وها هي ضيعتُـنا يا عمرُ كما تركتَـها وردةً من طينٍ ، وعُشـْبـًا أصفرَ ، ونهرًا من الأطفال الحفاةِ . وارتبك عمرُ قليلاً ، ولكنّـه قال لأمّـه ِ : " لا داعيَ للبكاءِ . لستُ ذاهبـًا إلى المِشنقة " . فمسحتْ أُمُّـهُ دموعَـها بأصابِعها  وقالتْ بصوتٍ مُرتعشٍ : " ليس لي غيرُكَ في الدّنيا . احْرِص على صِحَّـتِكَ يا ابني ، فالقرى كلُّـها أمراضٌ وأوساخٌ .
مسكينٌ أنت . لو كان لكَ قريبٌ مهمٌّ لما عُيِّـنتَ معلّـمـًا في قريةٍ " .
فقال لها عمر بلهجةٍ مرِحةٍ : " اطْمئنِّـي يا أُمّـي اطْمئنِّـي ، فابْنُـكِ ليس زُجاجـًا سهْلَ الكسرِ " .
وعمَّ ضيعَتـَنا الفرحُ ، ورحَّبَتْ بحرارةٍ بذلك النّـبأِ الّـذي أذاعَهُ الرّاديو ، إذاً عمرُ القاسمُ صار وزيرًا ، فسبحان مَن يُعطي دون أن يُـسألَ ، وصدقَ مَن قال : إنّ مّن جدَّ وجدَ .
" ماذا يشتغلُ الوزيرُ ؟ " .
" تـُخصَّصُ له سَيَّـارةٌ أحلى من أجملِ بنتٍ " .
" ويقبِضُ في آخرِ كلِّ شهرٍ معاشـًا يُتيحُ له أنْ يأكلَ خروفـًا في كلِّ يومٍ " .
" وعندما يدخُلُ إلى مبنى وِزارتهِ يرتجفُ الموظّـفون خوفـًا ، ويُسلّـمون عليهِ ... " .
" ويأمرُ فيُطاعُ ... " .
" وإذا أمرَ الآغا فهل يُطيعُ الآغا ؟ "   " .
معاني المفردات : ضيعتنا : قريتنا .     مدهوشة : مستغربة  .    شَهِقَ : جذب الهواء إلى صدره .   شَهَقَ : عظُم ارتفاعه .ارتبك : اضطرب .  الآغا : لقب للإقطاعي وأصلها تركيّ ومعناها الخادم .
حفاة : جمع حافٍ وهو الذي لا يلبس حذاءً في قدمه وجذرها حفي .  

Post a Comment

Previous Post Next Post