معيار التمييز بين الفاعل او المساهم الاصلي والشريك :
لقد اخذ تفكير الفقهاء يتجه نحو فكرة التمييز بين الفاعل والشريك وذلك استنادا الى انه على الرغم من ان الشريك تعرض شرعيا لنفس العقوبة التي تعرض لها الفاعل الاصلي , الا ان التمييز بينهما امر ضروري حيث انه ليس من المنطقي ان تساوي من يقوم بدور رئيسي في الجريمة مع من يقوم بدور ثانوي في الجريمة ولمزيد من التوضيح نستدل بمجموعة من الامثلة :
1-    اراد لصان سرقة منزل , قام الاول بكسر قفل الباب , لكنه لم يدخل ودخل الثاني وجمع المسروقات ثم انصرفا , فكلاهما يعتبر فاعلا اصليا بجريمة سرقة بكسر الباب من ان الاول لم يسرق والثاني لم يكسر , بحيث لم يرتكب الاول الفعل المادي الذي يقوم عليه عليه الركن المادي لان مساهمته مباشرة في تنفيذ الجريمة بمجرد نور النية لديه وهي كسر قفل الباب  .
2-    امساك امراة اثناء خنقها من طرف شخص آخر هنا الفعل المادي للجريمة تم من الشخص الذي امسك المراة .
3-    اعطاء مبلغ من المال من اجل ارتكاب الجريمة (الهبة او الوعد )
4-    اب يضرب ابنه لكي يسرق (اساءة استعمال السلطة الابوية ) .
5-    رب عمل يامر سائقه الفرار اثناء وقوع الحادث (اساءة استعمال السلطة)
على الرغم من ان هذه الاعمال لا تدخل في الركن المادي لجريمة القتل الا انهما يمثلان اهمية كبرى في تنفيذ جريمة  القتل بحيث لا تكاد اهمية هذه الافعال تقر عن اهمية الفعل الذي يقوم عليه الركن المادي للجريمة وهو * ازهاق الروح *
-         ومن خلال ما سبق فالسؤال المطروح :
كيف يمكننا التمييز بين الافعالالرئيسية أي المساهمة الاصلية التي تعد صاحبها فاعلا وبين الافعال الثانوية التي تجعل من صاحبها شريكا ؟
بمعنى آخر
الى أي معيار يمكن رد نوع الفعل المرتكب , فهل يعتبر فاعلا اصليا كل من ارتكب فعل لصيق بالركن المادي للجريمة  ؟
                                                                                                                                                                                        



 
   * - الشركاء معاقبون في نفس الشروط المنصوص عليها في المادة 41 وما يليها من ق.ع.ج ويتعرض كل واحد منهم لنفس العقوبة التي يتعرض اليها الفاعل الاصلي ..
كل هذه الاسئلة المختلفة حاول اجابتها الفهاء وتنازعها نظريتان في سبيل التمييز بين نوعي المساهمة الى مذهبين .
  الفرع الاول : المذهب الشخصي (النظرية الشخصية )
   المعيار المعنوي او معيار التعادل بين الاسباب :
استنادا الى نظرية تعادل الاسباب والتي تذهب الى البحث عن هعيار التفرقة بين الفاعل والشريك , وهذا اعتمادا على الركن او النية المتوافرة لدى الجاني , بحيث يسهل التمييز ماديا بين كل فعل وفعل آخر في احداث هذه الافعال جعلت مرتكبها فاعلا اصليا وايا منها يجعل معارضتها شريكا لذلك فان لهذا التمييز يبرز لنا اكثر حين معرفة الارادة الجنائية المتوافرة لدى الجاني او لدى كل منهما .
   ومن خلال ما سبق نجد ان الفاعل الاصلي هو من تتوافر  لديه ارادة الفاعل أي يكون هو منفذ الفعل الجرمي حيث ينظر الى الجريمة بانها مشروعه الخاص , اذا فهي ارادة مطلقة متجهة الى الجلريمة , حيث يرى الشريك انه مجرد مساعد للفاعل الاصلي فارادته اذا تابعة لارادة الفاعل الاصلي (1).
واعتمادا على هذه النظرية فانها لاتعطي للافعال ولا للخطورة بحيث قد يكون الفعل تحضيريا او مجرد مساعدة فيها , فمادام الجاني له ارادة الفاعل الاصلي ارادة مباشرة ومطلقة غير مقيدة فهو اذن فاعلا اصليا , وعلى هذا يمكننا ان نحصر دور النضرية الشخصية والذي يتمثل في تقديم الخطة الاجحرامية وبذلك رسمت ادوار الحياة فيها بين مساهم وفاعل اصلس وهذا استنادل لبى فكرة تعادل الاسباب , بحيث ان فعل كل من احدث النتيجة بطريق المساهمة يتساوى يتساوى في قيمته السببية مع بقية الافعال .
  لقد لقت النظرية العديد من الانتقادات وهذا لما يشوبها من غموض وصعوبة التمييز بين الفاعل والشريك من هذه الزاوية , اضف الى ذلك ان الاعتماد على اعترافات الجناة امر يحتمل الكثير من الكذب , ولا يدعو الى الثقة لان الجاني يسعى دائما الى قول ما يبرئه وليس العكس , فاعتمادا على هذه الانتقادات نجد ان المعيار الموضوعي انسب لتحديد  التمايز بين الفاعل والشريك .

الفرع الثاني : المذهب الموضوعي (المعيار السببي ) :
     يتجه انصار هذا المذهب الى ان التمييز ما بين المساهمة الاصلية والتبعية يقوم على نوع العمل الذي قام به كل جاني وكذلك مقدار خطورته ومساهمته من الناحية المادية في احداث النتيجة الاجرامية وعلى اثر ذلك فالفعل الاكثر مساهمة في تحقيق الجريمة يعتبر مرتكبه فاعلا اصليا في الجريمة في حين ان تنفذ الاعمال الثانوية (2)
 يعد مرتكبه شريكا ويشترط هذا الاتجاه توار علاقة السببية  بين الفعل والنتيجة فمعيار هذه النظرية هو معيار الافعال التنفيذية للجريمة أي أي الاعمال التي يتم بها تنفيذ ركنها المادي كله اوتضيق لتشمل ولو جزءا بسيطا منه يعد فاعلا .
ومن خلال هذا المذهب نجد نص المادتين 42و 21 ق.ع.ج اللتان ميزتا بين الفاعل والسريك , وعليه يجب ان يكون سلوك الشريك قد ارتبط بالجريمة المحققة برابطة مادية سببية  .
- فمن خلال المعيارين السابقين يطرح معيار " الشروع "أي البدء في تنفيذ الجريمة كمعيار صالح لللتميز بين نوعي اعمال المساهمة فاعمال تعد بدءا في الجريمة وما يليها يعتبر اعمال رئيسية فعنلا بهذا المعير الذي يعرف الشروع بانه  كل فعل تنفيذي او داخل في التنفيذ بحيث يعتبر فاعله طبقا لنظرية الشروع في الجريمة شارعا فيها اذا ضبط قبل اتمامها (3)






 
(1)– عبد الله سليمان – مرجع سابق ص 190
(2)- رضا فرج مينا مرجع سابق ص 300
(3)- د/ عبد الله سليمان قانون العقوبات الجزائري .
-   فنجد هنا إذن التمييز بين الفاعل والشريك متوقف على التفرقة  بين العمل التحضيري , غير المعاقب عليه لذاته وبين العمل التنفيذي الذي يعتبر مرتكبه طبقا للشروع شارعا في الجريمة وعليه يعاقب الفاعل لقيامه بفعل مجرم لذاته مثال ذلك من يقوم بالحراسة لإتاحة الفرصة لزملائه للهرب بعد ارتكابه للجريمة , فالعمل التحضيري غير معاقب عليه لذاته ولكن يعاقب عليه اذا كان فعلا من افعال الاشتراك وفي النهاية نخلص الى ان عقوبة الفاعل والشريك متوقفة على الفعل المادي اللذان يقومان بارتكابه.
واخيرا يمكننا القول انه على على الرغم من اعتماد معيار الشروع كمعيار للتمييز الا ان هناك من اعتبره بانه من الفروض التي تنتفي فيها رابطة السببية بالنسبة للجريمة المحققة فعلا , ومن ثم فان الحديث عن الشروع في الاشتراك ضرب من التناقض (1)  .

 - وختاما لما سبق فان المشرع الجزائري كان له موقفه وكذا تطبيقاته بالنسبة لهذه المعايير .






























(1)- د/ عبد الله سليمان مرجع سابق ص 201


الفرع الثالث : تطبيقات ومواقف المشرع الجزائري من هذه المعايير :
 من خلال نص المادة 41 من قانون العقوبات الجزائري يمكننا تحديد معيار المساهمة المباشرة والتي بدورها تتخذ صورتين متمايزتين وهما :
       ارتكاب الفعل او الافعالى التي يقوم عليها الركن المادي .
      المساهمة المباشرة في التنفيذ دون القيام بارتكاب الفعل المادي المكون للجريمة .
وعلى هذين الصورتين نجد ان المشرع الجزائري قد اخذ بالنظرية الموضوعية * المعيار السببي * للتمييز بين فعل الفاعل الاصلي وفعل الشريك , وتطبيقا لهذا المعيار نجد ان الصورة الاولى لا تثير ادنى غموض او ابهام اذ ان كل  من قام بارتكاب احدى الافعال المكونة للركن المادي للجريمة يعد فاعلا اصليا .
 - اما الصورة الثصانية فهي تحتاج الى تدقيق وتحصيل لما جاء لما جاء في معناها اذ انها تقتضي ان نطبق المعيار الذي جاءت به النظرية الموضوعية التي تعتمد على مبدا التمييز بين افعال المساهمة المباشرة وافعال المساهمة الغير مباشرة , فتطبيقا لنظرية الشروع في الاشتراك او المساهمة الجنائية يشوبه نوع من الغموض , حيث يتطلب منا امعان النظر فيما ارتكب الجاني على اعتبار انه لم يرتكب  غيره والتساؤل الذي يثور فيها اذا كان هذا الفعل يعتبر بدءا في التنفيذ والذي يعاقب عليه ام مجرد عمل من الاعمال التحضيرية , فمن خلال هذين الفعلين يمكننا اثبات أي من الجناة فاعلا واي منهم شريكا .
  واذا حاولنا الرجوع الى نص المادة 42 ف 2 من قانون العقوبات الجزائري التي تقر بان المساهمة غير المباشرة هي تلك المعاونة او المساعدة التي تقتضي تسهيل تنفيذ الجريمة والعمل التنفيذي والتحضيري الخاص بنظرية الشروع للتمييز بين فاعلي الجريمة * الفاعل الاصلي , والشريك * الى الشروط التي تتبناها نظرية الشروع وهذا الشرط هو كون فعل المساهمة يجب قيامه وقت ارتكاب الجريمة , او بمعنى اصح تواجد مرتكب هذا الفعل في مسرح الجريمة وعلى ذلك فان المساهمة المباشررة في التنفيذ تتطلب ان تكون على علاقة مباشرة بالفعل المادي المؤدي للجريمة حيث يجب ان يقوم الفعل وقت قيام الفعل المادي  للجريمة.
 واخيرا يمكننا القول ان قيام فعل المساهمة تزامنا مع تنفيذ الجريمة وهو ما نادى به المعيار السببي او النظرية الموضوعية التي استقى منها المشرع الجزائري اتجاهه نحو التفرقة بين الفاعل والشريك .(1)
 
















(1)- د/ رضا فرج مينا , قانون العقوبات , مرجع سابق ص 302-303

الفصل الثاني : العقوبة المقررة لنوعي الاشتراك او المساهمة الجنائية (1)
تمثل العقوبة في مفاهيمها الحديثة الالم الذي ينبغي ان يتحمله الجاني عندما يخالف امر القانون او نهيه , وذلك لتقويم ما في سلوكه من اعوجاج لردع غيره من الاقتداء به , وتطبيقا لذلك فان العقوبة تتميز بميزتين أساسيتين هما الالم والردع .
 الالم : هو الهدف غير المقصود لذاته , فالعقوبة لا تهدف  الى الالم بحد ذاته وانما ما يرجى فيه من تحقيق اغراضه التقويمية والنفعية بوجه عام .
الردع : وبالنظر لتطور وظيفة العقوبة اصبح الردع يمثل وسيلة الاصلاح الجاني وردع غيره وللعقوبة من وجهة النظر هذه عدة خصائص متفق عليها فقهيا :
1-    ان تكون العقوبة شخصية دائما : اذ لا توقع على غير الجاني , مهما قربت صلته به تطبيقا تطبيقا لمبدا تفريد العقوبة , فلا تقوم المسؤولية الجنائية في فعل الغير , ومع ذلك فقد تمتد اضرارها الى غير المجني عليه , ادبيا كافراد الاسرة الواحدة .
2-    ان تكون العقوبة بنص : تطبيقا لمبدا الشرعية , لاعقوبة الا بنص وهذا المبدا نادت به المدارس التقليدية مستوحية اياه من     اقوال عدة , من ابرز الفلاسفة منذ الثورة الفرنسية الى غاية التشريعات الحديثة المعاصرة وتعتبر حجر الاساس في كل تشريع عقابي معاصر .
3-    ان تكون العقوبة معروفة مقدما : وذلك منعا لتحكم القضاة , حيث لم تكن هناك عقوبات متساوية للجناة جميعا , بل ظهر بالتدريج نظام تفريد العقوبات أي تنويعها حتى يتلاءم , ومدى جسامة الجرائم من جهة وكدى خطورة الجناة من جهة أخرى . وكنتيجة لذلك اصبح للعقوبة حدان : حد أقصى وحد ادني .

إلا أن تطبيق مبدأ تقرير العقاب مهما توسع , وتطور لا يجب أن تبقى الفكرة الأساسية المتمثلة في وجود مقدار للعقاب يعرفه الناس مقدما , ويقرر أقصى ما يتهددهم منه نوعا ومقدارا  وذلك حتى تبقى العقوبة تؤدي الغرض الذي وضعت من اجله والأساسي لوجودها وهو الردع فدون العلم المسبق للناس بمقدار العقوبة لا يكون هناك تخوف منها .
     4 – المساواة التامة : ومعنى هذا المبدأ ان يكون التفريد بحسب المسؤولية ومدى الاستجابة للعقاب والبواعث إلى ارتكاب الجريمة وما في الجناة وأعمارهم فلا يجوز التفريد بحسب المراكز في الهيئة الاجتماعية كما يشترط العقوبة الا تحرم الجاني , ولا تحول دون إمكان إدماجه في المجتمع من جديد مهما طالت مدتها ومهما كانت قساوتها لأنها إذا لم تفعل ذلك فقدت أهم أهدافها , وهو إصلاح المجتمع ومحاولة الوصول إلى مجتمع إنساني راقي وذلك بتقديم الناس وإصلاحهم وليس بعزلهم وإبعادهم .

 ولما كانت العقوبة مفروضة على كل من خالف القانون , فان الجاني سواءا كان فاعلا اصليا  وشريكا يخضع لهذه العقوبة .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه , هل ان المساهم الاصلي و التبعي يخضعان الى نفس العقوبة ؟
ام يخضعان الى عقوبة مختلفة ؟ وما هي الظروف التي يمكن ان تؤثر في هذه العقوبة سواءا بالتشددي او التخفيف ؟
  وللاجابة عن هذا التساؤل فان التشريعات الجنائية الحديثة فيما يتعلق بعقوبة المساهمين في الجريمة قد انتحلت احدى الخطتين : 






 
(1)-د/ رؤووف عبيد – مبادىء القسم العام من التشريع العقابي – دار الفكر العربي – مصر – 1976 صفحة 767 .

   التمييز الأول :
تقوم على التفرقة في العقوبة المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية فتجعل المساهم التبعي عقوبة اخف  من عقوبة المساهم الأصلي استنادا إلى أن مدى إجرامه أخف , درجة خطورته أقل منها لدى المساهم الأصلي .
-   وفي هذه التشريعات نجد أهمية التفرقة بينهما , تبلغ ذروتها اذ يتوقف على تحديد صفة كل منهما , تحديد نوع أو مقدار العقوبة التي يقررها القانون (1)
  التمييز الثاني :
تقوم على المساواة في العقوبة بين المساهمة الاصلية , والمساهمة التبعية , ويستتبع ذلك التقريب بينهما  في  كثير من الأحكام القانونية (2) (3)
وهذه الخطة الأخيرة التي تأخذ بالمساواة بين عقوبة المساهمة الأصلية والبقية , استخدمتها معظم التشريعات ولهذا نسير وفق النهج الذي اتبعته واعتمدته .

Post a Comment

أحدث أقدم