الدراسة الحيوية لحفريات الديناصورات
لم تعاوِد دراسةُ الحفريات الظهورَ مرةً أخرى بوصفها موضوعًا يستحوذ على اهتمامٍ
أكثرَ شمولًا وأوسعَ نطاقًا، إلا في فترة الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين؛
وكان الدافع الأساسي لإعادة إحياء هذه الدراسة جيلٌ من العلماء الشباب أصحاب الفِكر
التطوري، الذين كانوا يرغبون بشدة في إثبات أن الدليل المستمَد من السجل الحفري
داروينيٍّا. استند هذا العمل الجديد إلى افتراضٍ مفادُه « سرٍّا خفيٍّا » لم يكن على الإطلاق
أنه بينما يكون علماء الأحياء التطوريون مقيَّدين بالعمل مع الحيوانات الحية في عالَمٍ
ثنائيِّ الأبعاد في الأساس إذ يستطيعون دراسةَ الأنواع لكنهم لا يشهدون ظهورَ أنواع
جديدة فإن علماء الحفريات، في المقابل، يمارسون عملَهم في البُعْد الثالث المتمثِّل في
الزمن. والسجل الحفري يوفِّر الوقتَ الكافي الذي يسمح بظهورِ أنواع جديدة وانقراضِ
أنواع أخرى، ويسمح هذا لعلماء الحفريات بطرح أسئلة تتعلَّق بمشكلات التطوُّر، مثل:
هل يقدِّم الجدولُ الزمني الجيولوجي منظورًا إضافيٍّا (أو مختلفًا) لعملية التطوُّر؟ وهل
يحتوي السجلُّ الحفري على معلومات كافية تُمكِّننا من دراسته منفصِلًا، من أجل الكشف
عن بعضالأسرار التطوُّرية؟
بدأت الدراسات المفصَّلة للسجل الجيولوجي في إظهار تتابعاتٍ غنية من الحفريات
(خاصةً الكائنات البحرية الصَّدَفية)، وبَدَتْ تلك الحفريات أكثرَ ثراءً بكثيرٍ ممَّا تخيَّله
تشارلز داروين على الإطلاق؛ نظرًا للحداثة النسبية لعمل علماء الحفريات في منتصف
القرن التاسع عشر. وانبثقت عن هذا العمل ملاحظاتٌ ونظرياتٌ تتحدَّى وجهاتِ نظر
علماء الأحياء عن أساليب التطوُّر الحيوي، على مدار فترات طويلة من الزمن الجيولوجي؛
فقد وُثِّقت أحداثٌ وعصورٌ من الانقراضالعالمي الضخم المفاجئ للحيوانات، لم يكن من
الممكن توقُّعها من نظرية داروين. بدا أن مثل هذه الأحداث تعيد ترتيبَ الجدول الزمني
التطوُّري للحياة في لحظة افتراضيةٍ، وتُرجِعه إلى وضع البداية؛ وحثَّ هذا بعضَالمُنظِّرين
لتاريخ الحياة على الأرض؛ فبَدَا من « تصادُفيةً » أو « عَرَضيةً » على تبنِّي وجهةِ نظرٍ أكثر
الممكن إثبات التغيُّرات الواسعة النطاق أو التي نتجت عن التطوُّر الكلي في التنوع
الحيواني العالمي بمرور الوقت، ومرةً أخرى لم نتوقَّع هذه التغييرات بناءً على نظرية
داروين؛ ومن ثمَّ تطلَّبَتْ تفسيرًا.
مع هذا، من الجدير بالذكر أن نايلز إلدريدج وستيفن جاي جولد وَضَعا نظريةَ
فقد اقترحَا أن النسخ البيولوجية الحديثة من نظرية التطوُّر بحاجةٍ ؛« التوازن المتقطِّع »
إلى التوسُّع، أو التعديل، حتى تتلاءَمَ مع أنماط التغيُّر التي يتكرَّر ظهورُها بين الأنواع
في السجل الحفري. اشتملت هذه الأنماط على فترات طويلة من الركود (فترة التوازن)،
لم يُلحَظ خلالها إلا تغيراتٌ طفيفة نسبيٍّا في الأنواع، وتخلَّلَتْها فتراتٌ (فاصلة) قصيرةٌ
للغاية من التغيُّر السريع. لم تتناسب هذه الملاحظات جيدًا مع تنبُّؤات داروين عن التغيُّر
حثَّت .(« التطوُّر التدريجي » البطيء والتدريجي في شكل الأنواع بمرور الوقت (المُسمَّى
هذه الأفكار أيضًا علماءَ الحفريات على التشكيك في المستويات التي قد يكون فيها الانتقاءُ
الطبيعي فعَّالًا؛ فربَّما يكون مؤثِّرًا فوق مستوى الفرد في بعضالحالات.
نتيجةً لهذا، أصبح مجال الدراسة الحيوية للحفريات بأكمله أكثرَ نشاطًا وفاعليةً،
وأكثرَ طرحًا للتساؤلات، وأكثرَ بحثًا في الأمور الخارجية، كما أصبح مستعِدٍّا لدمج عمله
على نحوٍ أكثرَ شموليةً مع مجالات أخرى من العلوم؛ فحتى أكثر علماء الأحياء التطوريين
تأثيرًامن أمثال جون ماينارد سميث، الذي لم تكن له أية علاقة بالحفريات على الإطلاق
كانوا مستعِدِّين لتقبُّل أن الدراسة الحيوية للحفريات لها إسهاماتٌ قيِّمةٌ في مجالهم.
4
في حين كان المجال العام للدراسة الحيوية العلمية للحفريات يُعِيد إثباتَ جدارته،
شهدت أيضًا فترةُ منتصف الستينيات من القرن العشرين اكتشافاتٍ مهمةً لديناصورات
جديدة، وقُدِّرَ لهذه الاكتشافات أن تكون السببَ في ظهور أفكارٍ لا تزال مهمةً في عصرنا
الحالي. وكان مركز هذه النهضة متحف بيبودي في جامعة ييل، وهو مقر العمل الأصلي
أوثنيل تشارلز مارش، إلا أن النهضة هذه المرة كانت على يد جون « لمحارِب الأحافير »
أوستروم، وهو أستاذ شابٌّ في علم الحفريات لديه اهتمام شديد بالديناصورات.

Post a Comment

Previous Post Next Post