أن سجل الحفريات غير مكتمِل، وربما ما يثير مزيدًا من القلق أنه متقطع وغير مفصَّل بكل تأكيد. يرجع عدم الاكتمال هذا إلى عملية
التحجُّر؛ فقد كانت الديناصورات جميعها حيواناتٍ بريةً تعيش على سطح الأرض، وهو
أمر يطرح مشكلات معينة، وحتى نفهم هذا، من الضروري أن نفكِّر أولًا في حالة كائن
صدفي يعيش في البحر، مثل المحار؛ ففي مياه البحار الضحلة التي يعيش فيها المحار في
عصرنا الحالي، يكون احتمالُ تحجُّرِه مرتفعًا إلى حدٍّ كبير؛ فهو يعيش في قاع البحر —
من الجسيمات الصغيرة — الرواسب « قطرات » أو يتعلق به — ويتعرَّض على الدوام ل
— بما في ذلك الكائنات العالقة المتحللة، والطمي أو الطين، وحبيبات الرمل. إذا ماتَتْ
إحدى المحارات، فإن أنسجتها الرخوة ستتعفَّن أو ستقتات عليها الكائنات الأخرى بسرعة
كبيرة إلى حدٍّ ما، وستُدفَن صدفتها الصلبة بالتدريج تحت الرواسب الناعمة، وبمجرد أن
تُدفَن الصدفة يصبح من المحتمَل تحوُّلها إلى حفريةٍ؛ حيث تعلق تحت طبقة من الرواسب
يزداد سُمكها تدريجيٍّا. وعلى مدار آلاف أو ملايين السنين، تنضغط الرواسب المدفونة
تحتها الصدفة لتكوِّن حجرًا رمليٍّا مليئًا بالطمي، وربما تصبح متماسكةً أو متحجِّرةً عن
طريق ترسُّب كربونات الكالسيوم (الكالسيت) أو السيليكا (الحجر الصَّوَّان)، التي تنتقل
عبر نسيج الصخرة عن طريق الماء الذي يتخلَّلها. ولكي تُكتشَف البقايا المتحجرة للمحار
الأصلي، لا بد أن يُزاح الحجر المدفون على عمق كبير — بفِعل حركة الأرض — لتشكيل
أرضجافة، ثم تتعرَّضتلك البقايا المتحجرة لعمليات التآكُل والتعرية المعتادة.
من ناحية أخرى، الكائناتُ التي تعيشعلى سطح
الأرضيقل احتمالُ تحجُّرِها أكثر
من هذا بكثير؛ فأي حيوان يموت على سطح الأرضيُحتمَل — بالتأكيد — أن تُلتهم بقاياه
اللحمية الرخوة ويعاد تدويرها؛ ومع هذا، حتى يتسنَّى الاحتفاظ بهذا الكائن في صورة
حفرية، لا بد من أن يُدفَن بشكل من الأشكال. وفي حالات نادرة قد تُدفَن الكائناتسريعًا
في انجراف الكثبان الرملية، أو في انهيار طيني، أو تحت رماد بركاني، أو عن طريق
أي نوع من الكوارث الأخرى. لكن، في معظم حالات بقايا الحيوانات الأرضية، لا بد من
وصولها إلى جدول مائي أو نهر قريب، وينتهي بها الحال في بحيرة أو في قاع البحر؛
حيث يمكن بدْءُ عملية دفنٍ بطيءٍ، تؤدِّي إلى التحجُّر. بعبارة بسيطة، إن الطريق أمام
تحجُّر أيٍّ من الكائنات الأرضية يكون أطول بكثير، ومحفوفًا بمخاطر أكبر؛ فكثيرٌ من
الحيوانات التي تموت على سطح الأرض تُؤكَل وتصبح بقاياها مبعثرةً بالكامل، لدرجة
أن أجزاءها الصلبة يُعاد تدويرها في المحيط الحيوي، في حين تتبعثر الهياكلُ العظمية
لكائنات أخرى، لدرجة أن الشظايا المكسورة فقط هي التي تُكمِل الطريقَ فعليٍّا نحو
عملية الدفن النهائي؛ مما يترك لمحاتٍ محبِطة عن هذه الكائنات؛ إذ لا يحدث إلا في حالاتٍ
نادرة للغاية أن تُحفَظ أجزاء رئيسية أو حتى هياكل عظمية كاملة بصورتها المكتمِلة.
لذا، يقضي المنطق بأن هياكل الديناصورات (كحال أي حيوان يعيش على سطح
الأرض) لا بد أن تكون نادرةً للغاية، وهي بالفعل كذلك على الرغم من الانطباع الذي
تقدِّمه وسائلُ الإعلام أحيانًا.
إنَّ اكتشاف الديناصورات وظهورها داخل سجل الحفريات هو أيضًا عمل غير منتظم
وغير مكتمِل بالتأكيد، لأسباب طبيعية إلى حدٍّ كبير؛ فحفظ الحفرية — كما أصبحنا نعرف
— هو عملية قائمة على الصدفة وليس عمليةً قائمةً على التخطيط. واكتشاف الحفريات
هو أمرٌ عرضي أيضًا؛ نظرًا لأن الطبقات السطحية من الصخور لا تكون مرتَّبةً على نحوٍ
منسق مثل صفحات الكتاب حتى يمكن أخذ عينات منها بالترتيب، أو كما يُخيَّل لنا.
إنَّ طبقات الأرض السطحية الهشة نسبيٍّا — أو قشرتها بالمسمَّى الجيولوجي —
قد تعرَّضَتْ للدمار والتمزيق والانهيار بفِعل القوى الجيولوجية التي أخذت تؤثِّر فيها
على مدار عشرات أو مئات أو ملايين السنين، والتي جذبت كتلًا من الأرض بعضها
بعيدًا عن بعض أو سحقتها معًا؛ ونتيجةً لهذا، تعرَّضت الطبقات الجيولوجية المحتوية
على الحفريات إلى الكسر، وقُذِفت إلى السطح، وكثيرًا ما كانت تُدمَّر بالكامل عن طريق
عملية التعرية طوال الزمن الجيولوجي، وتصبح غيرَ واضحة فيما بعدُ بسبب الترسيب
المتجدد للفترات اللاحقة؛ وبناءً عليه، فإنَّ ما يبقى لنا — نحن علماء الحفريات — هو
شديدة التعقيد، مليئة بالثقوب والحُفَر، ووعرة بطرق متنوعة محيِّرة. « ساحة معركة »
هو العمل الذي اشتغل به عدد لا حصرَ له من أجيال « الفوضى » وقد كان تحليل هذه
علماء الجيولوجيا الميدانيين. خضعت النتوءات الصخرية هنا والمنحدرات الصخرية هناك
للدراسة، وتجمَّعَتْ ببطء لتكوِّن الأحجيةَ التي تُعرَف باسم التكوين الجيولوجي للأرض؛
ونتيجةً لهذا، أصبح من الممكن حاليٍّا التعرُّف على صخور تعود إلى حقبة الحياة الوسطى
— المنتمية للعصور: الترياسي والجوراسي والطباشيري — بقدرٍ من الدقة في أية دولة
في العالم. لكن، لا يكفي هذا للمساعدة في البحث عن الديناصورات؛ فمن الضروري
أيضًا التغاضيعن صخور حقبة الحياة الوسطى الموجودة في قاع البحر، مثل الرواسب
الطباشيرية السميكة التي تعود إلى العصرالطباشيري والأحجار الجيرية الوفيرة للعصر
الجوراسي؛ فإن أفضل أنواع الصخور التي يمكن البحث فيها عن حفريات للديناصورات،
هي الموجودة في بيئات المياه الساحلية الضحلة أو في مصبَّات الأنهار؛ فربما تكون قد
احتُجِزت في هذه المناطق الجثثُ الفريدة المنتفخة للكائنات التي عاشت على سطح الأرض،
ثم جُرِفت إلى مياه البحر. لكن أفضلها على الإطلاق هي رواسب الأنهار والبحيرات؛ وهي
بيئات كانت أقرب من الناحية الطبيعية إلى مَوْطِن هذه الكائنات الأرضية.
البحث عن الديناصورات
من البداية، علينا أن نتعامل مع عملية البحث عن الديناصورات بطريقة منظَّمة. وعلى
أساس ما تعلمناه حتى الآن، من الضروري في البداية معرفة الأماكن التي يمكن العثور
فيها على صخور من العصر المناسب، وذلك بالرجوع إلى الخرائط الجيولوجية للدولة
موضع الاهتمام. وما لا يقل أهميةً عن ذلكضرورةُ التأكُّد من أن الصخور من النوع الذي
من المحتمَل على الأقل أنه يحافظ على بقايا الحيوانات الأرضية؛ لذا من الضروري توافُر
بعض المعرفة الجيولوجية من أجل الحكم على احتمالية وجود حفريات الديناصورات،
خاصةً عند زيارة منطقةٍ ما لأول مرة.
يتطلَّب هذا على الأرجح توافُر معرفةٍ بالصخور وهيئتها في المنطقة التي يُجرى فيها
البحث، وهو أمر أشبه إلى حدٍّ ما بالطريقة التي يجب أن يَدرس بها الصيادُ باهتمامٍ
خبيرةٍ « عين راصدة » شديدٍ المنطقةَ التي تعيش فيها الفريسةُ. يتطلَّب هذا أيضًا تطويرَ
بالحفريات، وهو ما يُكتسَب ببساطة من البحث إلى حين العثور في النهاية على أجزاء
الحفرية، ويستغرق هذا وقتًا.
إنَّ لحظة الاكتشاف تكون مصحوبة بدرجة كبيرة من الإثارة، لكن يتعيَّن أيضًا على
المكتشِف في هذه اللحظة التزام أقصى درجات الحيطة والحذر؛ ففي كثير من الأحيان،
تتلف الحفرياتُ المكتشَفة — من الناحية العلمية — بفِعل ثورة الحماس العارمة التي
تعتري المكتشِفَ أثناء الحفر من أجل استخراج العينة، حتى يتمكَّن من الافتخار بعرضها؛
ومثل هذا التسرُّع يمكنه
إلحاقضرر هائل بالحفرية نفسها، وأسوأ من ذلك أن هذا الجسم
قد يكون جزءًا من هيكل عظمي أكبر، وربما يكون من المربح أكثر أن ينقِّب عنه بعنايةٍ
فريقٌ أكبر من علماء الحفريات المدرَّبين. وبلغة المحقِّقين، إن الصخورَ التي دُفِنَتِ الحفريةُ
بداخلها قد تخبرنا أيضًا بقصص مهمة عن الظروف التي مات فيها الحيوانُ ودُفِن،
بالإضافة إلى المعلومات الأكثر وضوحًا بشأن العمر الجيولوجي الفعلي للعينة.
إنَّ البحث عن الحفريات — واكتشافها — قد يكون مغامَرةً مثيرةً على المستوى
الشخصي، وعمليةً مُبهِرةً من الناحية الفنية، لكنَّ العثور على الحفريات هو مجرد بدايةِ
عمليةٍ من البحث العلمي، قد تؤدِّي إلى فهم التكوينِ الحيوي للكائن المتحجر وطريقةِ
حياته والعالَمِ الذي عاش فيه في وقت ما. ومن هذا المنطلق الأخير، تظهر بعض أوجه
الشبه بين علم الحفريات وعمل الطبيب الشرعي؛ فمن الواضح أن كليهما يشتركان في
22
نظرةٌ على الديناصورات
اهتمامهما الشديد بفهم الملابسات المحيطة باكتشاف الجثمان، ويستخدمان العلم في
تفسير وفهم أكبر عدد ممكن من المعلومات والأدلة؛ حتى لا يتركَا بابًا دون طرقه
ديناصورات
عالم الديناصورات
بحث عن الديناصورات
ديناصورات حقيقية
عصر الديناصورات
دينا صور
ديناصور حقيقي
انقراض الديناصورات
أنواع الديناصورات
ديناصورت
بحث الديناصورات
زمن الديناصورات
اشكال الديناصورات
ديناسور
الدينسورات
الدناصورات
ديناصورات ديناصورات
Post a Comment