الاستباق
في القصة
الاستباق
أو القفز إلى الأمام، أو الإخبار القبلي. وهو كل مقطع حكائي يروي أحداثاً سابقة عن
أوانها، أو يمكن توقّع حدوثها... ويقضي هذا النمط من السرد بقلب نظام الأحداث في
الرواية عن طريق تقديم متواليات حكائية محل أخرى سابقة عليها في الحدوث، أي القفز
على فترة ما من زمن القصة، وتجاوز النقطة التي وصلها الخطاب، لاستشراف مستقبل
الأحداث، والتطلع إلى ما سيحصل من مستجدّات في الرواية. (3)
وتعدّ
الاستشرافات الزمنية عصب السرد الاستشرافي، ووسيلته إلى تأدية وظيفته في النسق
الزمني للرواية ككل. وعلى المستوى الوظيفي تعمل هذه الاستشرافات بمثابة تمهيد أو
توطئة لأحداث لاحقة، أو التكهن بمستقبل إحدى الشخصيات، كما أنها قد تأتي على شكل
إعلان عما ستؤول إليه مصائر الشخصيات، مثل الإشارة إلى احتمال زواج أو مرض أو موت
بعض الشخصيات. ويسمّي (جينيت) هذا النوع بـ (الاستشرافات الخارجية) تمييزاً لها عن
(الاستشرافات التكميلية) التي تأتي لتملأ ثغرة حكائية سوف تحدث في وقت لاحق من
جراء أشكال الحذف المختلفة التي تتعاقب على السرد.
ومن
أمثلة الاستباق في الثلاثية: حين يمنّي (عواد) حبيبته (غزالة): فـ "يحدثها عن
دراسته، عن البكالوريا التي يريد أن يأخذها، ثم الجامعة في دمشق، والحياة الجميلة،
والمستقبل، فيما هي تتابعه، توشك أن تطير فرحاً. أريد أن أصبح محامياً أدافع عن
الحق، أنصر الضعفاء والمظلومين" (ص 3/30). وقد جاء هذا الكلام قبل أن ينال
عوّاد البكالوريا، وقبل أن ينتسب إلى كلية الحقوق بجامعة دمشق. فقد كانت هذه هي
أحلامه وأمنياته. وقد استطاع أن يحققها في نهاية الرواية، حيث نال البكالوريا،
وانتسب إلى جامعة دمشق، وتخرّج فيها بعد عدة سنوات محامياً. ولكنه بدلاً من أن
يتزوج (غزالة) ابنة صاحب الدكان في إحدى قرى حوران، تزوج (بدور) ابنة عزيز وشمس
ذات الحسب والنسب.
وعلى الرغم من أن (الاستشراف) نادر الوقوع في
السرد التقليدي، لأن تلخيص الأحداث المستقبلية يتنافى مع فكرة التشويق التي تكوّن
العمود الفقري للنصوص الروائية التقليدية، وأنه يتجلّى في القص المكتوب بضمير
المتكلم، وفي السيرة الذاتية، حيث يحكي الراوي قصة حياته، وهو يعلم ما وقع وما يقع
ماضياً ومستقبلاً، فإنه موجود في الثلاثية، في مواطن كثيرة، على الرغم من سرديتها
التقليدية، ومن أمثلة ذلك أيضاً أحلام (الأخضر) ابن عزيز في أن يصبح طبيباً:
"مذ دخل المدرسة لم يكن يتصور نفسه إلا طبيباً يلبس المريلة البيضاء، ويضع
السماعة على أذنيه، يمرّ بيده على المجذوم فيشفى، وعلى الكسيح فيقوم. وكان ذلك
الحلم يحضّه على أن يبرز في صفه. (السرتفيكا) نالها بتفوق. (البروفيه) حاز عليها
بامتياز. و(البكالوريا) قدّمها قبل أسبوعين" (ص3/96
إرسال تعليق