القافية:
أما القافية لغةً فهي: "القفا أي وراء
العنق، أَقْف، وأقْفيَةً وأقْفاً وقُفيّ وقِفيّ وقفين وقفوْنُهُ قفْواً وقُفُوا:
تبعته"([i]).
وقد سميت القافية بهذا
الاسم لأنها تقفو أثر كل بيت، وبمعنى مقفوة، على اعتبار أن الشاعر يقفوها، أي
يتبعها.
وقد
اعتاد معظم الشعراء أن يشيروا إلى القافية التي ستنتظم قصيدة كل منهم في آخر الصدر
من مطلع تلك القصيدة، وفي هذا إجابة على اعتراض ابن رشيق القيرواني في كتابه
العمدة على قول العلماء: "إن القافية سميت بالقافية لأنها تقفو
أخواتها"، حيث قال: "لو صح معنى القول الأخير لم يجز أن يسمى آخر البيت
الأول قافية لأنه لم يقفُ شيئاً" ([ii])،
بل إن قافية آخر البيت الأول تقفو قافية صدر البيت نفسه كما بينا.
وإذا
كان الوزن من عناصر الشعر العربي فإنه لا يعد شعراً اعتماداً على الوزن دون
القافية التي تأتي للشاعر على سجيته في مطلع قصيدته، ثم يلتزم بها في باقي
أبياتها، وذلك لأن الوزن والقافية متكاملان لا يستقيم أحدهما بدون الآخر، وقال
الخليل([iii]):
إن القافية هي من آخر حرف في البيت الشعري إلى أول ساكن قبله مع حركة الحرف السابق
للحرف الساكن، وهذا هو الذي اتفق عليه أهل اللغة، وبناءً على ذلك فقد تكون القافية
مكونة من كلمتين أو كلمة واحدة أو بعض كلمة.
وقد ذهب الأخفش إلى أن القافية هي آخر
كلمة في البيت، بدليل أن الإنسان إذا طلب القوافي لقصيدة ما ذُكرت له الكلمة
الأخيرة من كل بيت من أبيات القصيدة، ولم يُذكر أكثر أو أقل من ذلك؛ ولعله في ذلك
يخالف الرأي السائد عند جمهور اللغويين، لأن الإنسان قد يضطر أحياناً إلى ذكر أكثر
من كلمة كما في "بشرت بي" المقفاة مع "الكذب".
وأما الجاحظ فيرى أن: "القوافي خواتم
أبيات الشعر"([iv]).
وقد يظن البعض أن القافية هي حرف الروي، وليس الأمر كذلك لأن القافية تتكون من
مجموعة الأصوات (الحروف والحركات) التي تقرر مع ما في البيت من حلاوة موسيقية، ولو
كانت القافية هي حرف الروي لجاز للشاعر أن يجمع في آخر البيت بين الكلمات الآتية:
"كتب"، "كاتب"، "كتاب"، "مكتب"،
"مكاتب"، "مكتوب"، وغيرها، وهو ما لا يجوز بسبب اختلاف
القافية مع اتفاق حرف الروي وهو الباء.
وقد ذهب البعض إلى المبالغة في تعريف القافية وبيان حدودها فقال: "إن
القافية هي البيت كله لأن كل وزن له قوافٍ معينة لا تخرج عنه، وقال آخرون:
"إن القصيدة كلها قافية على سبيل المجاز"([v]).
ولما كان الشعر العربي شعراً غنائياً
يعتمد على التلحين، واللحن فيه نقرات موسيقية، ونغمات متكررة، كان من الضروري وجود
مثل هذه النقرات في الشعر، وما هذه النقرات سوى القوافي المتكررة([vi]).
فالقافية إذاً هي عنصر أساسي في وجود
الشعر وتكوينه الموسيقي، وعليه فإن الشعر العربي يعد أكثر ألوان الأدب العالمي دقة
وطرباً، لما فيه من روعة موسيقية تظهر في التزام الشاعر بقواعد في أجزاء القافية، فضلاً
عن تفعيلات البحر التي ينظم عليها الشاعر قصيدته، وهو ما لا يوجد في عروض كثير من
الأشعار في آداب اللغات الأخرى.
ومما سبق: يتبين أن القافية مجموعة من
الأصوات المتكررة في آخر السطر والبيت الشعري، وهي كالفاصلة الموسيقية التي يتوقع
السامع تكرارها في فترات منتظمة.
إرسال تعليق