الترديد
الصوتي:
هولون بديعي يعتمد على الناحية اللفظية، ويكون
بالإتيان بلفظة متعلقة بمعنى ثم يرددها الشاعر بعينها متعلقة بمعنى آخر في البيت
نفسه أو في قسيم منه([i])،
وهو "المساواة في اللفظ دون اختلاف في المعنى"([ii])
وهذا اللون البديعي له أثر صوتي يشبه الذي يتركه الجناس لأنه يقوم على ترديد الأصوات، ويحسن هذا اللون في المواضع التي يحسن
فيها الجناس([iii])،
ولو أنه "ليس من التجنيس في شيء إذ حد التجنيس هو اتفاق اللفظ واختلاف المعنى
([iv]).
وخلاصة
الرأي من أقوال ابن رشيق والخفاجي وابن الأثير هي أن الترديد قيمة صوتية تنتج عن
تكرار صوتي سواء اختلف في ذلك معنى اللفظة المكررة اختلافاً تاماً أم لم يختلف إلا
اختلافاً جزئياً.
وللترديد أنواع ثلاثة هي:
الأول:
الترديد على مستوى الأصوات المفردة، ومن نماذجه:
لو كنت ترجع بالدموع لكان
دمعي أرجعك
|
يا من قضيت العمر
ترجعنا لنهج محمد ما أروعك([v])
|
فعلى
مستوى البيتين السابقين، يلعب صوت (العين) دوراً دلالياً باعتباره عنصراً توزيعياً
في العناصر: (ترجع – بالدموع – دمعي – أرجعك – العمر – ترجعنا – أروعك) فبعضها
أفعال وبعضها أسماء والعين موزعة بين العبارات مكتسبة دلالة كل عبارة في عموميتها،
ومهمة في إبراز الدلالة مع عناصر كل عبارة في عموميتها وخصوصيتها، إذ يأتي هذا
الصوت (العين) مرتبطاً (بعمر الإنسان، ودموعه، ودمعي) لتدل على معنى الألم والحزن
الذي سيطر عليها والذي اكتسب معناه من خلال تكراره في هذه الكلمات وكذلك تكرار
الفعل (ترجع) بصيغ متعددة وتكرار العين معها وهو حرف حلقي حبست معه الكلمات كما
حبست الدموع أيضاً.
ويمكن
فهم تلك المعاني من عاطفة الشاعر الحزينة وفراق الشيخ الربي، وقيمه وفضائله، إضافة
إلى الحالة النفسية التي كانت عليها حال وقوع الحدث، وكان اختيار حرف الرّويّ
الكاف الساكنة المسبوقة بالعين الحلقية يحمل تلك الدلالات الشعرية مع النسيج
الموسيقي لتلك العبارات.
الثاني: على مستوى الصيغة (في إطار
السياق الشعري) كما في الأنموذج التالي:
إني
أراهم سيدي – في الخلد يلتمسون لحيتك الندية: إني أراهم - سيدي- قد هللوا([vi]).
للقاء ملهوف وتأدية التحية: إني أرهم –سيدي- إني أراهم...
وتركتنا: في الحزن لا ندري الشمال من الجنوب:
وتركتنا: يا.. كنت بوصلة القلوب إلى القلوب: وتركتنا: كيف احتمال القلب –يا قلبي-
لتدمير الخطوب .. الخ.
فقد
ترددت عبارة (إني أراهم –سيدي-) أربع مرات في هذه الأسطر وعبارة (وتركتنا) ثماني
مرات في أول الأسطر التي تليها ليحمل هذا الترديد لهذه العبارات سيطرة الحدث على
فكر الشاعر وعواطفه صورة الشيخ التي تملأ عليه المكان وتأسر الوجدان وتتملك كل
الكيان، وهكذا يأتي الترداد العفوي للألفاظ بأصواتها وحركاتها حسناً في
سياقه" مسهما، مع بقية عناصر النص الشعري، في الأداء الدلالي والحالة النفسية
والذي يحدد بواسطة السياق ككل.
الثالث: وفي الترديد نوع يسمى الترديد
المتعدد:
وهو أن يتردد حرف من حروف المعاني، إما مرة أو
مراراً ومن نماذجه تكرار حرف النداء في قصيدة محمد البع "فارس الكرسي"
أربع عشرة مرة وتردادها مرات متتالية في قوله:
يا شيخنا يا مـن بك انتعشـت
|
|
كل الربا والسهـل والأكـم([vii])
|
يـا داعيـاً للديـن مجتهـداً
|
|
لـم يثنـك الإعيـاء والألـم
|
*********
يـا أيهـا المتآمـرون كفـى
|
|
يا أيهـا الأذنـاب والخـدم ([viii])
|
وكذلك ترداد حرف الجر
في مرات عديدة في قول الشاعرة:
في وجه غزة.. شاحبٌ: في "دار أرقم":
في "المجمع": في الشوارع في المخيم...، في الدروب: في كل ناحية لمست
فضاءها ...، يعلو النحيب([ix]).
إرسال تعليق