النظام المناخي Climate system

النظام المناخي هو نظام تفاعلي يتألف من خمسة عناصر وهي: الغلاف الجوي والغلاف المائي والغلاف الثلجي وسطح الأرض والغلاف الحيوي. وتتأثر هذه العناصر بآليات خارجية أهمها الشمس. ويعتبر تأثير الإنسان قوة خارجية أيضاً.
لقد تبدل الغلاف الجوي Atmosphere منذ تشكل الأرض إلى الآن. ويتركب هذا الغلاف من النتروجين بنسبة 78.1% والأكسجين بنسبة 20.9% والأرغون بنسبة 0.93% حجماً. يقوم الغلاف الجوي بالتداخل بشكل بسيط مع الإشعاع الشمسي القادم من الشمس، ولا يمتص الأشعة الحرارية المنبعثة من الأرض. لكن الغازات الموجودة في الغلاف الجوي بنسب بسيطة مثل ثنائي أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النتروز والأوزون والتي تشكل نسبة 0.1% حجماً فقط، تلعب دوراً هاماً في ميزان الطاقة، إذ أنها تمتص الأشعة الحرارية أو تحت الحمراء الصادرة من الأرض وتعيد إطلاقها نحو الأرض. تدعى هذه الغازات بغازات الدفيئة Greenhouse Gases GHG. ويحتوي الغلاف الجوي أيضاً على بخار الماء بنسبة تختلف من وقت لآخر، ومن منطقة لأخرى ولكنها في المتوسط بحدود 1% حجماً. وهو أيضا يمتص الأشعة تحت الحمراء الحرارية ويطلقها. كما أن ثنائي أكسيد الكربون والأوزون وبخار الماء تمتص الأشعة الشمسية في المجال فوق البنفسجي القصير. وللأوزون دور مميز. فوجوده في التروبوسفير (الغلاف الجوي القريب من سطح الأرض) أو في الستراتوسفير السفلي يؤدي إلى امتصاص الأشعة تحت الحمراء الحرارية ويعتبر من غازات الدفيئة. أما في طبقات الجو العليا، أي في أعلى طبقة الستراتوسفير، فإنه يقوم بامتصاص الأشعة فوق البنفسجية القصيرة، وبذلك يشكل درعاً يقي الكرة الأرضية منها. ويلعب بخار الماء دوراً هاماً فهو أقوى غازات الدفيئة امتصاصاً للأشعة تحت الحمراء. وهناك أيضا إضافة إلى هذه الغازات المعلقات aerosols والغيوم، التي تلعب بدورها دوراً هاماً أيضاً.(3)
يشمل الغلاف المائي Hydrosphere كل المياه السطحية والجوفية والعذبة والمالحة. وتؤثر مياه الأنهار التي تصب في البحار على تركيزها وعلى دورانها. وتغطي المحيطات 70% من سطح الأرض وهي تخزن كميات هائلة من الطاقة. كما أن مياه المحيطات تمتص غاز ثنائي أكسيد الكربون. يكون دوران المياه في المحيطات أبطأ من دوران الهواء في الغلاف الجوي. ويتأثر هذا الدوران بالرياح، وفرق التركيز في الملوحة، والفرق في درجة الحرارة. وبسبب هذه العطالة الكبيرة للغلاف المائي فإنه يعمل كمنظم لدرجة الحرارة، ويقلل التغيرات التي تحصل فيها.
يتضمن الغلاف الثلجي Cryosphere ألواح الجليد في غرينلاند، والقطب الجنوبي، والقبعات الثلجية. وتنبع أهمية الغلاف الثلجي من عكسه للأشعة الشمسية، ومن ناقليته المنخفضة للحرارة، ومن عطالته الحرارية المرتفعة، وعلى الأخص من دوره الهام في إدارة دوران مياه المحيطات العميقة. ولأنه يخزن كمية هائلة من المياه، فهو مهم بسبب دوره المحتمل في رفع منسوب البحار والمحيطات.
يتحكم غطاء النباتات والتربة لسطح الأرض في كمية الطاقة الممتصة من الجو، وعودتها إليه. يعود بعض الطاقة على شكل إشعاعات حرارية، أو في المجال تحت الأحمر، و يؤدي هذا إلى تسخين الغلاف الجوي مع تسخين الأرض. ويبخر بعضها الماء الموجود في التربة، أو النباتات ويطلقه على شكل بخار الماء إلى الجو، حيث تلعب رطوبة الجو دوراً هاماً في رفع درجة حرارة الأرض. وتؤثر تضاريس سطح الأرض وخشونته، على تيارات الهواء لأن الرياح تضرب سطح الأرض. تعتمد خشونة سطح الأرض على طبوغرافيتها، وعلى وجود النباتات عليها. وتثير الرياح الغبار في الجو، حيث تلعب هذه المعلقات دوراً هاماً بتفاعلها مع الإشعاع الجوي.
وهناك الغلاف الحيوي Biosphere المحيطي أو الأرضي، الذي يلعب أيضاً دوراً هاماً في درجة حرارة الأرض. فالكائنات الحية تؤثر على امتصاص غازات الدفيئة، وعلى إطلاقها أيضاً. وتقوم النباتات بامتصاص ثنائي أكسيد الكربون، وتمثله في بناء نسجها بعملية التمثيل اليخضوري، ولذا فهي تلعب دوراً هاماً في توازن ثنائي أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النتروز. وهناك أيضاً المركبات العضوية الطيارةvolatile organic compounds VOC التي تؤثر على كيمياء الغلاف الجوي، وتقوم بتشكيل المعلقات، وبالتالي تؤثر على المناخ. إن تأثير المناخ على المحيط الحيوي محفوظ في المستحاثات، وحلقات الأشجار، وغيرها. ويأتي معظم المعلومات عن المناخ القديم من هذه المصادر.
 تتفاعل عناصر المناخ المذكور مع بعضها بعضاً بشكل معقد جداً. فمثلاً يتفاعل الغلاف الجوي مع الغلاف المائي حيث يتم تبادل الماء وغاز ئنائي أكسيد الكربون بينهما. ويقوم الغطاء الجليدي بمنع هذا التبادل بين الجو والمحيطات. ويؤثر الغلاف الحيوي على تركيز ثنائي أكسيد الكربون عن طريق التمثيل اليخضوري أو التنفس، وهما عمليتان تتأثران بدورهما بالتغير المناخي. ويؤثر الغلاف الحيوي على دخول الماء إلى الجو من خلال تنفس النباتات، ومن خلال عكسه لأشعة الشمس إلى الجو.

4- النظام القديم للمناخ Paleoclimatalogy

يتغير المناخ على مدى فترات زمنية مختلفة الطول. وخلال المليون سنة الأخيرة كانت هناك فترات جليدية، وفترات بين جليديتين، بسبب التغير الذي حصل على محور دوران الأرض. وعن طريق تحليل عينة لب جليدية مأخوذة من القطب الجنوبي، أمكن تمييز أربع دورات جليدية خلال الـ 500000 سنة الماضية. وقد اكتشف مؤخراً أن هناك تغيراً طفيفاً طرأ على درجة الحرارة على مدى واسع على الكرة الأرضية، وخاصة في نصف الكرة الشمالي منها خلال آخر فترة جليدية، فقد ارتفعت درجة الحرارة عدة درجات مئوية خلال حياة إنسان واحد. وعلى النقيض من ذلك يبدو أن المناخ كان إلى حد بعيد مستقراً خلال العشرة آلاف عام الأخيرة، على الرغم من احتمال حدوث تغيرات محلية كبيرة فيه. وقد أظهرت التحاليل أن مناخ نصف الكرة الشمالي اتسم بتبريد متواصل خلال الألف عام الأخيرة، ما عدا القرن العشرين الذي شهد دفأً قوياً. لقد كانت درجة الحرارة دافئة نسبياً خلال القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين، وباردة نسبياً من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر. وصادف هذا ما سمي بالعصر الجليدي القصير. وعلى الرغم من أن هذه الاختلافات انحصرت في نصف الكرة الشمالي، إلا أن ارتفاع درجة الحرارة في القرن العشرين غير مسبوق. وعلى الرغم من الاختلاف بين نصف الكرة الجنوبي والنصف الشمالي، إلا أن الاثنين شهدا ارتفاعا" في درجة الحرارة في القرن العشرين.(4)
تستخدم الدراسات على المناخ القديم التغيرات التي تطرأ على مؤشرات حساسة مناخياً لاستنتاج التغيرات المناخية على فترات زمنية، تتراوح من عقود إلى ملايين السنين. تتأثر هذه المؤشرات (مثل عرض حلقات الأشجار) بدرجة الحرارة المحلية، وبعوامل أخرى كالهطول. وغالباً ما تكون لفصول معينة بدلاً من أن تكون لسنين. وتقدم الدراسات التي أجريت على عدد من المؤشرات في مناطق مختلفة من العالم تأكيداً أكبر لتأثيرات مناخية متسقة. ومع ذلك تزداد درجة عدم التأكد بشكل عام مع الزمن بالرجوع إلى الوراء، بسبب عدم التغطية الجغرافية الشاملة.
تدعم المعلومات عن المناخ القديم التفسير القائل بأن الدفء في منتصف القرن الماضي غير معهود على الأقل خلال الـ 1300 عاماً الماضية. أما آخر فترة كانت فيها المناطق القطبية أدفأ بشكل كبير من الوضع الحالي لمدة طويلة، فترجع إلى 125000 سنة. وقد أدى الانخفاض في حجم الجليد القطبي في العصر بين الجليديتين (منذ حوالي 25000 عام) إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل 4- 6م عن مستواه في القرن العشرين. وتظهر بيانات من لب الجليد في القطبين، أن متوسط درجة الحرارة عندهما كان أعلى بـ 3-5 م° من درجة الحرارة الحالية. ويعود ذلك إلى تغير في محور دوران الأرض. وكانت هناك فترات أبرد في القرنين  12 و 14 وأيضاً في القرن 17 وحتى القرن 19.

 التغير الطبيعي للمناخ Natural Climate Change

إن الإشعاع الشمسي هو مصدر طاقة النظام المناخي. ويقع حوالي نصف الإشعاع في مجال الأشعة المرئية والأشعة القصيرة من الحقل الكهرطيسي. أما النصف الثاني فيقع في مجال الموجة تحت الحمراء الأطول. ويقع جزء بسيط منه في مجال الأشعة فوق البنفسجية. ويتلقى كل 1م2 من الأرض بحدود 342 وات من أشعة الشمس بشكل وسطي. وينعكس 31% منها بواسطة الغيوم والغلاف الجوي وسطح الأرض. أما الباقي ومقداره 235وات/ م2، فيسخن الغلاف الجوي كما يسخن معظمه البالغ بحدود 168وات/م2 الأرض. ويعيد سطح الأرض الحرارة إلى الجو عن طريق إصداره للأشعة تحت الحمراء، إما بالحرارة المحسوسة، أو بتبخير الماء الذي يتكاثف فيه. ويحافظ هذا التبادل الحراري بين الأرض والجو على درجة حرارة بحدود 14م° قرب سطح الأرض، حيث تتناقص هذه الدرجة مع الارتفاع في الجو لتصبح -58 م° عند نهاية طبقة التروبوسفير. ومن أجل الحصول على مناخ مستقر هناك حاجة إلى وجود توازن بين الأشعة الداخلة والخارجة. ولذا يجب على الأرض أن تصدر 235 وات / م2 إلى الفضاء. ويشع أي جسم ضمن موجة تعتمد على درجة حرارته. فعند درجات حرارة أعلى، يشع الجسم الطاقة عند موجة أقصر. وكي تشع الأرض 235 وات / م2، يجب أن تقوم بذلك عند درجة حرارة تعادل - 19 م° بموجة تقع في مجال الأشعة تحت الحمراء. وهذه أقل بـ 23م° من درجة حرارة الأرض المتوسطة والبالغة 14م°.(5)

Post a Comment

Previous Post Next Post