تغير
المناخ في دولة سوريا العربية
أجريت (الدراسة القطرية لتغيرات المناخ) عام 1998 من قبل مركز
الأبحاث العلمية والبيئية التابع لوزارة البيئة والإدارة المحلية، بالتعاون مع عدد
من الجهات المعنية في سورية، ووكالة التعاون الفني الألماني (GTZ). تضمنت الدراسة معلومات
عن الاقتصاد السوري من حيث عدد السكان والناتج المحلي الإجمالي والإصدارات من
غازات الدفيئة لعامي 1990 و1994.(48)
في البند الأول من الدراسة بشأن إصدار غازات الدفيئة عامي
1990 و1994 فقد شملت الدراسة غازات CO2 و CH4 و N2O، وأشار التقرير إلى أنها حسبت وفق منهجية IPCC، لكن تلك المنهجية لم توضح في التقرير.
وفي البند الثاني حول تطور الإصدارات من غازات الدفيئة
والسيناريو الأساسي، قدر المؤلفون الزيادة في استهلاك سورية من النفط والغاز
للأعوام 2000 و 2005 و2010 بحسب نسب معينة مفترضة لنمو الناتج المحلي الإجمالي،
ومن ثم أجريت حسابات بسيطة لتقدير الإصدارات من غازات الدفيئة. وقد وزعت هذه الإصدارات على قطاع توليد الكهرباء
والصناعة والمواصلات والسكن والزراعة. ويقصد بالزراعة هنا ما تستهلكه من طاقة من
النفط أو الغاز وما ينجم عن ذلك من إصدارات. وبالتالي لم يتم حساب الإصدارات من
الزراعة والتغير في استخدام الأراضي والمصارف لهذه الغازات.
وفي البند الثالث استعرض التقرير الخيارات التكنولوجية
للتخفيف من الإصدارات في سورية عن طريق ترشيد استهلاك الطاقة، وتقليل الفاقد من
الشبكة، واستخدام الغاز بدلاً من زيت الوقود في توليد الكهرباء، واستخدام الدارة
المركبة بدلا من البسيطة، وإعادة تأهيل محطات توليد الكهرباء، وتحسين مردود
المحركات الكهربائية. كما استعرض محاولات استخدام الطاقات المتجددة مثل طاقة
الرياح والطاقة الشمسية وطاقة الفضلات، وتخفيف الإصدارات من وسائط النقل باستخدام
النقل الجماعي، وتجديد وسائط النقل القديمة. وفي مجال الزراعة التسميد بالأسمدة
العضوية، والاستفادة من الفضلات الزراعية، وإقامة المحميات البيئية والغابات. كما
استعرض أيضا الخيارات غير التكنولوجية لمعالجة آثار التغير المناخي، ومنها
التشريعات والنظام الضريبي ونشر التوعية وتشجيع البحث العلمي والتعاون الدولي في
نقل التكنولوجيا.
على أن هذه الدراسة لم تستخدم المنهجية العلمية الموضحة في
دليل حساب إصدارات غازات الدفيئة للعام 1996 الذي وضعه برنامج تسجيل وحساب إصدارات
غازات الدفيئة NGGIP التابع لـ IPCC. كما أنها لم تستعمل
عوامل الإصدار المتوفرة في قاعدة البيانات التابعة لها. وقد اقتصرت
الحسابات على قطاع الطاقة والنقل فقط، ولم تبين الإصدارات أو المصارف أو التخزين
لغازات الدفيئة من الصناعة والفضلات، وعلى الأخص من الزراعة، واستخدام الأراضي
الزراعية. وأخيراً فقد اعتمد التقرير في حساب الإصدارات على كميات الوقود
المستخدمة الإجمالية في سورية من بيانات قديمة تعود إلى عامي 1990 و 1994.
وتشير هذه الدراسة إلى
عدم توفر القدرات في سورية حتى الآن على إعداد البلاغ الوطني الأول أسوة
بالدول الأخرى بالشكل الذي يقبله مؤتمر الأطراف
COP. كما أنه لم تكن
هناك مؤسسة تبنت هذا العمل ثم صححت أخطاءه واستمرت فيه. وإنما كان هناك فريق عمل
أجرى الدراسة لفترة محدودة، ثم سلم التقرير وانتهت مهمته. ومن هنا تتبين ضرورة
إنشاء فريق عمل بمهمة دائمة ومستمرة يعمل ضمن مؤسسة لإنجاز هذه المهام.
كما حدد مشروع تقييم بناء القدرات الوطنية لتطبيق الاتفاقيات
البيئة الدولية حول التنوع الحيوي ومكافحة التصحر وتغير المناخ معوقات تنفيذ
اتفاقية المناخ في سورية(49)، ومنها نقص المشاريع البيئية، وقلة
الإمكانات المخصصة لها، وغياب التنسيق، وعدم توفر قواعد البيانات، وضعف الوعي البيئي.
واقترح المشروع الحلول اللازمة لتلافي هذا الوضع. ومنها البدء بحساب الإصدارات من
غازات الدفيئة وتسجيلها عن طريق إعداد البلاغ الوطني الأول. لقد بدأ العمل بهذا
البلاغ هذا العام بتمويل من GEF و UNDP ومن المتوقع أن ينتهي العمل به مع نهاية عام 2009. كما أن هناك ضرورة لرصد المتغيرات
المناخية في سورية، وإنشاء شبكة رصد، وقاعدة بيانات خاصة بها، ثم محاولة الربط بين
هذه المتغيرات وبين الإصدارات من غازات الدفيئة، والتدريب على إنشاء السيناريوهات
المختلفة التي تبين تأثير تغير المناخ على المستوى المحلي والإقليمي. وهناك أيضا
التعرض لتغير المناخ والتكيف معه وكذلك إجراءات
التخفيف من الإصدارات وتقاناته، وربط تغير المناخ بالقضايا البيئية الأخرى،
مثل التصحر والتنوع الحيوي.
وقامت المديرية العامة للأرصاد الجوية في سورية وهي الجهة
المعنية برصد الطقس والمناخ ودراسته، بتقديم المعلومات والنشرات المتعلقة بتغير
المناخ. وأقامت الأرصاد الجوية قاعدة بيانات مناخية مناسبة، وشاركت في معظم
الدراسات التي تمت عن الطقس والمناخ. كما شاركت في إنجاز دراسة آثار التغير
المناخي على الساحل السوري ضمن مشروع (تغير المناخ والبحر الأبيض المتوسط) بتمويل
من برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP عام 1992، وأصدرت الأطلس
المناخي لسورية، كما أصدرت المرجع المناخي الزراعي في الفترة ذاتها. وأصدرت
المديرية أطلس الرياح السوري بالتعاون مع الشركة السورية للشبكات، كما أنها أنجزت أطلس الإشعاع الشمسي لسورية
بالتعاون مع مركز الدراسات والبحوث العلمية
عام 2000.
4-2 ارتفاع درجة الحرارة
لقد ذكر معظم سيناريوهات تغير المناخ، أن المناخ بالنسبة لدول
حوض البحر الأبيض المتوسط سيميل إلى الارتفاع في درجة الحرارة. ويختلف مقدار هذا
الارتفاع بحسب السيناريوهات المختلفة ولكنه يتراوح بين 1-5 م°
بالنسبة للقرن الحادي والعشرين. ويكون هذا الارتفاع أكبر في فصل الشتاء من
فصل الصيف. كما يلاحظ تغير في فصل هطول الأمطار، حيث أصبحت فترة الهطول تمتد لفترة
أطول مما سبق في فصل الربيع. كما أن الربيع بدأ يأتي مبكراً. إن ارتفاع درجة
الحرارة كما سبق أن مر معنا، يؤدي إلى التأثير على صحة السكان وحياتهم، و يسبب
اختفاء بعض الأنواع الحية الحيوانية والنباتية. كما أنه يؤثر على عملية التكييف
صيفاً، وإن كان يقلل من تكاليف التدفئة شتاء. مما يستلزم توليد كميات أكبر من
الطاقة الكهربائية، وزيادة الطلب على التكييف صيفاً.
4-3 الهطول
والجفاف
يترافق ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة بشكل عام مع زيادة
الجفاف وقلة الهطول. ويؤثر هذا على توفر المياه للشرب والزراعة، خاصة في هذه
المناطق الجافة أو شبه الجافة من العالم،
التي تعاني الآن من نقص شديد في إمدادات المياه. وقد يؤدي هذا إلى الصراع
بين الدول المتجاورة على حقوق المياه وكمياتها، وخاصة الدول التي تشترك في حوض نهر
واحد. وهناك حاجة لترشيد استهلاك المياه في الزراعة عن طريق استخدام الرش أو
التنقيط بدل الغمر، وفرض سعر على المياه المستخدمة ليس للشرب فقط وإنما للزراعة
والصناعة والاستخدامات الأخرى. كما يجيب عدم زراعة المحاصيل التي تعتمد على المياه
بشكل كبير، واستنباط سلالات نباتية وحيوانية أشد مقاومة للجفاف. كما أنه من
الضروري مكافحة تلوث المياه بكافة أشكاله الزراعي والصناعي والمنزلي، ومعالجة
المياه المنصرفة من محطات الصرف الصحي أو من الزراعة والصناعة، واستخدامها مرة
أخرى وخاصة في الزراعة. وربما كانت هناك حاجة كبيرة للبدء بمشاريع كبيرة لتحلية
مياه البحر لتعويض الإمدادات بالمياه في بعض هذه الدول، خاصة باستخدام تقانة التناضح العكسي الأقل استهلاكا للطاقة، والأقل
إصداراً لغازات الدفيئة. وربما أصبح ذلك متاحاً في المستقبل باستخدام الطاقة
النووية، أو الطاقات المتجددة، وعلى الأخص الطاقة الشمسية. ومن الضروري الاستمرار
بسياسة تخزين المياه بالمحافظة على موارد المياه الجوفية، وإعادة حقن الآبار أو
تجديدها، وكذلك بناء الخزانات والسدود السطحية.
4-4
موجات الحر
يترافق تغير المناخ هذا مع تكرار حدوث
موجات من الحر الشديد صيفاً. ويعد عقد التسعينات أحر عقد على الإطلاق في القرن
العشرين، كما يعد عام 1998 أحر عام، وكذلك الأعوام 2007 و2008 كما يبينه الشكل (2). ويؤدي هذا إلى موت عدد
أكبر من الناس بسبب موجات الحر. كما أنه يزيد من الإرهاق والتعب والأمراض
القلبية ويؤدي إلى زيادة الحشرات واحتمال
حدوث الأمراض.
4-5 ارتفاع
منسوب البحر
يؤدي ارتفاع منسوب البحر الناجم عن ارتفاع
درجة الحرارة وما يرافقه من تمدد كتلة الماء في البحار والمحيطات، وذوبان الثلوج
إلى غمر بعض المناطق الساحلية المنخفضة بالمياه. وتكون هذه المناطق عادة مكتظة
بالسكان، كما تتركز فيها أنشطة بشرية هامة كالمدن والسهول الزراعية، وعلى الأخص
بالنسبة لدلتا النيل في مصر، حيث تشهد من الآن اقتحام البحر وتوسعه على حساب
الدلتا. ويعزى ذلك أيضاً إلى بناء السد
العالي الذي تسبب بعدم ترسب الطمي في مصب نهر النيل في البحر. ويؤدي هذا أيضا إلى
تملح التربة، وخروجها من الزراعة.
4-6
الأمن الغذائي:
يزداد نمو السكان في المنطقة العربية وفي سورية بمعدلات عالية
لا تزال هي الأعلى في العالم. فلقد بلغت زيادة السكان في سوريا خلال عقود الستينات
والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي بحدود 3.6 % وقد انخفضت بعد ذلك إلى حوالي
2.5%. ولا يزال معظم السكان في مرحلة الإعالة ممن هم أدنى من سن 18. ولذا فقد ظهرت
مشكلة تأمين الغذاء الكافي لهم، وبأسعار مناسبة. وقد أدت الهجرة من الريف إلى
المدينة إلى تدني الاعتماد على الزراعة لصالح الخدمات والتجارة والمصالح الحكومية.
وقد تسبب هذا في زيادة الضغط على الموارد القليلة لتأمين السكن والنقل والمرافق
الأساسية كالكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي والفضلات وغيرها. وتوسعت المدن في
كثير من الحالات لتقضم الأراضي الزراعية الخصبة المحيطة بها. ونمت مناطق المخالفات
العشوائية لتشكل حزاماً يحيط بهذه المدن، يضيق بسكانه من الفقراء والمهاجرين من
الريف. وأدى إهمال الأرض والنزوح عنها، مع عوامل بيئية ومناخية أخرى إلى تدهور
التربة، وخروجها من الدورة الزراعية، أو إلى تحويلها إلى أراض هامشية لزراعة
المحاصيل البعلية أو لرعي الماشية. وقد تسبب استخدام أراضي البادية الهشة بكثافة
في زراعة المحاصيل إلى تدهورها، وزيادة رقعة التصحر فيها. ومن أسباب التصحر الأخرى،
استخدام الري بالغمر في الأراضي الزراعية المستصلحة، بدون تصريف جيد لها، مما أدى
إلى تملحها. وهناك أيضاً مسألة حرق الغابات لزراعتها، أو البناء فيها، وقطع
الأشجار المثمرة والحراجية في أكثر من
منطقة.
ومع ذلك فقد قامت الدولة باتخاذ إجراءات عدة لتشجيع الزراعة،
وتأمين المحصول الاستراتيجي من المحاصيل الغذائية الأساسية. وبالفعل فقد شهدت العقود
الماضية تقدماً ملحوظاً في تأمين القمح والشعير والفواكه والخضروات والمشتقات من
الحيوانات كاللحوم والألبان وغيرها. كما شجعت الدولة الاستثمار في الزراعة، ودعمت
أسعار بعض المحاصيل الرئيسة، وعوضت المزارعين في حالات عدة عن الأضرار التي
أصابتهم نتيجة الحوادث الطارئة أو الظروف الجوية. وقامت الدولة بخطوات هامة في
تطوير الريف، وتأمين الخدمات اللازمة له كالطرق ووسائط النقل والمرافق من مياه
الشرب والكهرباء والمدارس والمستشفيات. وقد شجع هذا على تخفيف الهجرة من الريف إلى
المدينة، وربما في تشجيع الهجرة المعاكسة بعد أن اكتظت المدن بالسكان وأصبحت تعاني
من مشاكل كثيرة.
إن تغير المناخ الإقليمي سيؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة.
وسيتسبب هذا في نقص المحاصيل وارتفاع الطلب عليها وزيادة أسعارها. وتعتبر هذه
المنطقة معرضة لتغير المناخ بشكل قوي بسبب اعتمادها على مياه الأمطار في الزراعة،
وبسبب ضعف الإمكانات المادية والتقنية والبشرية. وستتفاقم مشكلة التصحر بسبب
انخفاض الهطول السنوي، والدفق السطحي ورطوبة التربة. وسيجعل هذا المنطقة أكثر عرضة
لاستيراد الغذاء من الأسواق العالمية. لكن تغير المناخ العالمي سيزيد أيضاً من نقص
المحاصيل الرئيسة، كالقمح والحبوب والرز والسكر وغيرها. وسيؤدي ازدياد الطلب عليها
وارتفاع أسعار الطاقة وزراعة المحاصيل لاستخدامها كوقود حيوي إلى ارتفاع أسعارها.
4-8
التنوع الحيوي:
لتغير المناخ تأثير ملحوظ على التنوع الحيوي بشقيه الحيواني
والنباتي. فارتفاع درجة الحرارة يؤدي على تغير فترة الإنضاج، وإلى اختلاف وضع
البيوض وفقسها. كما أن انتشار التصحر والجفاف يقضي على أصناف عدة حيوانية ونباتية
ويهددها بالانقراض. ويسبب تلوث البيئة من تربة وماء وهواء، مرض العديد من الأنواع
وموتها. إن التغير الكبير الذي يطرأ على البيئة الطبيعية يؤثر سلباً على تكاثر
الأحياء، وبقائها وسط ظروف معادية وصعبة. وسيؤدي هذا كله إلى نتائج سلبية فيما
يتعلق بمعيشة سكان الريف من حيث الزراعة والرعي والسياحة والحفاظ على التنوع
الحيوي.
وتبرز أهمية الدولة في المحافظة على البيئة المناسبة للأحياء
من أجل تكاثرها ونموها بشكل صحيح. وقد يتم ذلك بإنشاء المحميات الطبيعية التي بدأت
تنتشر في الآونة الأخيرة وحققت نجاحاً ملحوظاً بجميع أنواعها، ويجب المحافظة على
الأنواع النادرة عن طريق تربيتها، وتأمين البيئة المناسبة لتكاثرها ونموها. ومن
الضروري سن التشريعات الملائمة لمنع الصيد الجائر، والتعدي على البيئة، وتطبيقها
بكل حزم. ويمكن إنشاء بنوك للجينات
والسلالات النادرة لحفظها واستخدامها عند الحاجة إليها، ومنعها من الانقراض.
4-9
التنمية البشرية والاقتصادية:
سيكون لتغير المناخ تأثير كبير على التنمية الاقتصادية
والبشرية. وسيؤثر التوسع الجغرافي لحوامل الأوبئة سلباً على الصحة العامة. كما ستزداد الوفيات بسبب التعرض لموجات الحر
الشديدة، وخاصة بالنسبة لكبار السن والمرضى والفقراء الذين لا يملكون المكيفات
اللازمة. ويؤدي ترافق موجات الحر الشديدة مع زيادة الرطوبة وارتفاع تلوث الهواء
وخاصة في المدن إلى زيادة الوفيات والأمراض. وسيؤدي التصحر إلى نزوح أعداد كبيرة
من السكان من الريف إلى المدينة. وقد يتسبب هذا في خفض الإنتاج الزراعي، وتراجع
السياحة، والتأثير على النقل.
وهناك طرق مختلفة للتكيف مع كل من هذه التأثيرات مثل تقوية
البنية التحتية للنظام الصحي، ووجود إدارة بيئية موجهة صحياً، وتحسين نوعية الماء
والهواء والأمن الغذائي، وتصميم البيوت، وإدارة المياه السطحية بشكل أفضل، وتأمين
خدمات صحية ملائمة.
إرسال تعليق